قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ 1، وقال عز وجل أيضاً: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ 2، وقال أيضاً: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ 3.
تتحدّث هذه النماذج من الآيات وغيرها ممّا ورد في القرآن الكريم عن صلاة الليل، المؤكّد إستحبابها كما ورد في النّصوص المفسّرة والشّارحة لآيات القرآن.
وفضلها عظيمٌ وثوابها كبيرٌ جداً عند الله عزّ وجل لأنّ فيها نوعاً من المجاهدة مع النّفس الميّالة إلى الهدوء والراحة والإسترخاء خصوصاً في الليل حيث يعمّ الهدوء ويخلد الإنسان إلى فراشه للنوم الذي هو حاجة طبيعية لا يستطيع الإستغناء عنها، فيكسل عن القيام في جوف الليل من أجل التوجّه إلى عبادة الله والتقرّب إليه بصلاة الليل التي نرى أنّ الكثير من النّاس لا يلتزمون بها لأسبابٍ ومبرراتٍ كثيرة لا مجال لتعدادها والحديث عنها، مع أنّ فوائدها الأخرويّة والدنيويّة كثيرةٌ جداً ومهمّةٌ على الصعيد الإيماني والسلوكي معاً.
ولتبيان أهميّة صلاة الليل نذكر ما يلي:
أولاً: التأكيد على الإلتزام بها
1 – من وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): (عليك بصلاة الليل (يكرّرها اربعاً ().
2 – عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا علي: ثلاث فرحات للمؤمن (لقي الإخوان، والإفطار من الصيام، والتهجّد في آخر الليل().
3 – عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما زال جبرائيل يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أنّ خيار أمتي لن ينام).
4 – عن الإمام الصادق (عليه السلام): (لاتدع قيام الليل، فإنّ المغبون من حُرم قيام الليل).
5 – عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل وتوضيا وصليا كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات).
ثانياً: نظر الله إلى عبده القائم بالليل
- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ العبد إذا تخلّى بسيّده في جوف الليل المظلم وناجاه أثبت الله النور في قلبه، … ثمّ يقول جلّ جلاله لملائكته: {ملائكتي أنظروا إلى عبدي فقد تخلّى بي في جوف الليل المظلم والبطالون لاهون، والغافلون نيام، واشهدوا أني غفرت له }).
- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من رزق صلاة الليل من عبدٍ أو أمة قام لله مخلصاً فتوضأ وضوءاً سابغاً وصلى لله عزّ وجل بنيّةٍ صادقة، وقلبٍ سليم وبدنٍ خاشع، وعينٍ دامعة، جعل الله تبارك وتعالى خلفه تسعة صفوفٍ من الملائكة، في كلّ صفٍّ ما لا يحصي عددهم إلاّ الله تبارك وتعالى، أحد طرفي كلّ صف في المشرق، والآخر في المغرب، قال، فإذا فرغ كتب له بعددهم حسنات).
ثالثاً: ثواب صلاة الليل
- (ما من عملٍ حسن يعمله العبد إلاّ وله ثوابٌ في القرآن إلاّ صلاة الليل فإنّ الله لم يبيّن ثوابها لعظيم خطرها عنده، فقال: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ … ﴾4 ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 5).
رابعاً: فوائد صلاة الليل
- عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليكم بقيام الليل فإنّه دأب الصالحين قبلكم، وإنّ قيام الليل قربة ً إلى الله، ومنهاةً عن الإثم…).
- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (قيام الليل مصحةٌ للبدن، وتمسّكٌ بأخلاق النبيين، ورضا ربّ العالمين).
- عن الإمام الصادق (عليه السلام): (صلاة الليل تبيّض الوجوه، وصلاة الليل تطيّب الليل، وصلاة الليل تجلب الرزق).
- عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ … إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ … ﴾ 6، قال: (صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنبٍ بالنهار).
- سُئل علي بن الحسين (عليه السلام): (ما بال المتهجّدين بالليل من أحسن الناس وجهاً؟ قال: لأنّهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره). عن الإمام الرضا (عليه السلام).
خامساً: أسباب حرمان الإنسان من صلاة الليل
- عن الإمام الباقر (عليه السلام): (جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إني قد حرمت الصلاة بالليل، فقال: (قد قيّدتك ذنوبك).
- عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيُحرم بها صلاة الليل).
- عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الرجل يُذنب الذنب فيُحرم صلاة الليل، وإنّ العمل السيء أسرع في صاحبه من السكين في اللحم).
من كلّ هذا الجمع من الآيات والروايات نفهم أنّ صلاة الليل عنوان تقوى الإنسان المسلم وورعه وخوفه من الله وقوة إرتباطه به وحبّه لعبادة ربّه، وذلك الحبّ الناتج عن رغبة المؤمن في الإختلاء بخالقه ليناجيه ويدعوه ويبتهل إليه وليستمدّ منه العون والمدد لمواجهة الإبتلاءات والمصاعب في الدنيا، وليستقوي بالله عزّ وجل على مقاومة الغرائز والملذّات والشهوات، لأنّ الملتزم بأداء صلاة الليل عن قناعةٍ وإيمانٍ راسخين لا يريد سوى أن يخرج من هذه الدنيا والله راضٍ عنه وغافر له ومشمول بعفو الله ورحمته ورضوانه، بل ورد في بعض الروايات أيضاً أنّ الله ليضحك في الآخرة لمن كان مُلتزماً بأداء صلاة الليل تعبيراً عن حبّ الله عزّ وجل لذلك العبد الذي كان يهجر النوم المستطاب في الليل ليقوم ساجداً راكعاً بين يدي سيّده ومولاه بينما الآخرون نائمون وغافلون عن هذه النّعمة الإلهيّة العظيمة.
سادساً: كيفية صلاة الليل
إنّ صلاة الليل كما وردت في الروايات عن المعصومين (عليهم السلام) هي إحدى عشرة ركعةً على النحو التالي:
- ثماني ركعات يؤتى بها بعنوان صلاة الليل أو نافلة الليل بشكل أربع صلوات، كلّ صلاة مؤلّفة من ركعتين فقط كصلاة الصبح يقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وبعدها سورة (الكافرون)، وفي الركعة الثانية يقرأ فاتحة الكتاب أيضاً وبعدها أيّة سورة يختارها المُصلّي، ثم يتشهّد ويسلّم في نهاية الركعة الثانية.
- ركعتان بعنوان (صلاة الشفع) يقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وبعدها سورة (قل أعوذ برب الناس)وفي الركعة الثانية بعد الحمد يقرأ سورة (قل أعوذ برب الفلق)، ثمّ يتشهّد ويسلّم في نهاية الركعة الثانية.
- ركعة الوتر وهي ركعة واحدة فقط يقرأ فيها بعد الحمد (قل هو الله أحد) ثلاث مرات، ثمّ يقرأ(قل أعوذ برب الفلق)، وبعدها (قل أعوذ برب الناس)، ويستحبّ في هذه القنوت ويذكر فيه: (لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، لا إله إلاّ الله العلي العظيم… إلخ)، ثمّ يقول: (اللهم إني أعوذ بك من النار سبع مرات)، ثمّ يقول: (أستغفر الله ربي وأتوب عليه) سبعين مرة، ثمّ يستغفر لأربعين مؤمناً يذكرهم بأسمائهم، ثمّ يقول: (العفو) ثلاثمائة مرة، ثمّ يركع ويسجد السجدتين ويتشهّد ويسلّم.
وهذه هي الكيفية الكاملة والصورة التامّة لصلاة الليل، ويمكن أن يبدأ الإنسان بالإتيان بها بعد منتصف الليل مباشرةً، لكن ورد إستحبابها في الثلث الأخير من الليل أي في وقت السحر كما جاء في الآية الكريمة: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ 7.
ويمكن للمصلّي أن يقتصر من صلاة الليل على ركعة الوتر وحدها أو هي مع ركعتي الشفع، أو مع ركعتين أو أربع أو ست من الركعات الثمان، ولعلّ مرجع هذا الأمر إلى أنّ المصلي قد يستيقظ في وقتٍ لا يدرك الإتيان بكلّ صلاة الليل قبل طلوع الفجر وهو وقت الصلاة الواجبة حيث يكون وقت صلاة الليل قد إنتهى عندئذٍ.
كما ورد أنّ من إعتاد صلاة الليل ثمّ فاتته لسببٍ أو لآخر يمكنه أن يقضيها في اليوم التالي ويحسب له اجرها وثوابها أيضاً حتى لا يعتاد على تركها وليبقى مداوماً على الإستمرار فيها نظراً لما لها من المكانة والقدسيّة عند الله عزّ وجل.
ولإتمام هذا الكلام حول صلاة الليل لابأس بذكر بعض ما ورد إلى سماحة القائد الإمام الخامنئي” دام ظله” من إستفتاءاتٍ مع أجوبتها:
س 733: هل يجوز الإتيان بصلاة الليل التي تصلى ركعتين ركعتين بصورة صلاتين رباعيتين وصلاة ثنائية الشفع وصلاة الوتر؟
الجواب: لا يصح الإتيان بنافلة الليل بصورة صلاة رباعية.
س 734: عندما نصلي صلاة الليل، فهل يجب أن لا يعرف أحدٌ بأنّنا صلّينا صلاة الليل؟ وهل يجب أن نصلي في الظلام؟
الجواب: لا يشترط الإتيان بها في الظلام، ولا إخفاؤها عن الآخرين، نعم لا يجوز الرياء فيها.
س 732: هل يجب أن نصلّي النوافل جهراً أو إخفاتاً؟
الجواب: يستحبّ أن تصلى النوافل النهارية إخفاتاً والنوافل الليلية جهراً8.
- 1. القران الكريم: سورة الذاريات (51)، الآيات: 15 – 18، الصفحة: 521.
- 2. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 79، الصفحة: 290.
- 3. القران الكريم: سورة المزمل (73)، الآية: 6، الصفحة: 574.
- 4. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 16، الصفحة: 416.
- 5. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 17، الصفحة: 416.
- 6. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 114، الصفحة: 234.
- 7. القران الكريم: سورة الذاريات (51)، الآية: 18، الصفحة: 521.
- 8. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.