حاولت أن أبحث عن الأمل، وعن شيء يفرح ويسعد، وبدأت أهرب بعيداً عن كل معاناة أراها أو أسمع عنها، فوجدت الأمل حيث لا أتوقعه، وجدته هناك في تسونامي اليابان الذي ضربها قبل 10 أيام تقريباً وزهقت أرواح الآلاف فيه، وتراكمت الجثث على بعضها، وإذ بفرقة للإنقاذ تسمع صوت بكاء ضعيف، كذبته لأول وهلة، فليس هناك ما يدل على الحياة، لكن تكراره دعاها للهرع وإذا بطفلة رضيعة «4 أشهر» لا تزال على قيد الحياة بين ذلك الحطام الهائل والمرعب. أمواج تسونامي العاتية والقوية اختطفتها من يدي والديها في قرية «إشينكوماكي» فاعتقدت العائلة أنها فارقت الحياة وربما طمرت تحت ذلك الحطام الهائل، لكن الفرح عاد من جديد حين عادت الطفلة إليهم بعد 3 أيام، كما تقول صحيفة «ديلي ميل» البريطانية.
ثم قفز ذهني للطائرة اليمنية التي تحطمت قبل سنتين بالقرب من شواطئ جزر القمر، فقضى فيها أكثر من 150 راكبا ومع ذلك عثرت طواقم الإنقاذ على طفل 5 أعوام لا زال متمسكا بالحياة. استحضرت صورة شهدتها قبل فترة بينما كنت في زيارة لمستشفى القطيف المركزي، عائلة كريمة تخرج جثة عزيزها من ثلاجة الموتى وهي باكية حزينة، بينما كانت عائلتان قبلهما تخرجان في فرح وسعادة وبيدهما مواليد جدد، أطفال بكل نعومتهم يستقبلون الحياة.راودتني فكرة(فيها من المحاذير ما فيها) لو أن كل المستشفيات تُنشأ وتُخطط على أن يكون طريق الخروج لمن يستلمون موتاهم قريبا من أجنحة الولادة، فلعل صرخة لعريس صغير هنا وصوتا لزهرة جميلة هناك تقلل الحزن أو توازنه أو تخلق إلى جانبه فرحا.لقد جرت العادة في بلادنا العربية على المسارعة لعزاء من فقد عزيزاً، أكثر من المباركة لمن رزق مولوداً، ولعل لذلك فلسفته الواضحة، ولكنه كذلك يكشف عن أن إحساس الناس بالحزن أحياناً يكون أكثر من إحساسهم بالفرح، وبحجم تضخم تلك الأحاسيس في نفوسهم يتحركون بهذا الاتجاه ويتباطأ حراكهم بالاتجاه الآخر. يحتاج الإنسان وهو ينظر ويتأمل فيما يجري من حوله في هذا العالم الرحب أن يتسلح بالأمل، وأن يعتقد بثقة أن قدرة الله أكبر من كل شيء على الإطلاق.لا بد لنا من إجادة التطلع نحو الأمل والسعي الحثيث إليه، فبالأمل يعمر الإنسان حياته وما حوله، وبالأمل ينطلق ولا يتوقف، وبالأمل يتجاوز ضغوط الألم، لكنه حين يسيطر عليه الحزن يتوقف (ويخرّب، أرجو حذفها من المقال) وينكفئ، وقد يتصرف بطريقة تؤذيه وتعود عليه بالضرر والمصائب.العارفون والأولياء هم الذين يكون الأمل حافزهم ودافعهم متمسكين بـ (ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور) أختم بالقول: إلى جانب كل فاجعة هناك ولادة تستحق الفرح، وهناك حياة تشق طريقها وتستعصي على الجمود والتوقف، وما علينا سوى أن نتأمل ونتحسس ونشعر بالحياة أكثر من شعورنا بالحزن والألم، فكل ولادة وكل مولود يُسبق بالألم، ولكنه يجدد الحياة ويضيف إليها 1.
- 1. صحيفة اليوم 19 / 3 / 2011م_ العدد: 13791.