قال ابن حيُّون: وَ قَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ1 جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السَّلام) أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ شَكَا إِلَيْهِ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا ذَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَذَى النَّاسِ وَ مُطَالَبَتِهِمْ لَنَا وَ بُغْضِهِمْ إِيَّانَا وَ طَعْنِهِمْ عَلَيْنَا، كَأَنَّا لَسْنَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: “أَ وَ مَا تَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَ تَشْكُرُونَهُ، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا يَئِسَ مِنْكُمْ أَنْ تُطِيعُوهُ فِي خَلْعِ وَلَايَتِنَا الَّتِي يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَقْبَلُ عَمَلَ عَامِلٍ خَلَعَهَا، أَغْرَى النَّاسَ بِكُمْ حَسَداً لَكُمْ عَلَيْهَا، فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا وَهَبَ لَكُمْ مِنَ الْعِصْمَةِ، وَ إِذَا تَعَاظَمَكُمْ مَا تَلْقَوْنَ مِنَ النَّاسِ فَفَكِّرُوا فِي هَذَا، وَ انْظُرُوا إِلَى مَا لَقِينَا نَحْنُ مِنَ الْمِحَنِ وَ نَلْقَى مِنْهُمْ وَ مَا لَقِيَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَ رُسُلُهُ مِنْ قِبَلِنَا، فَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَنْ أَعْظَمِ النَّاسِ امْتِحَاناً وَ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا؟
فَقَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ، ثُمَّ الْأَئِمَّةُ، ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ، الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلَ، وَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ، وَ إِنَّمَا أَعْطَانَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ وَ رَضِيَ لَنَا وَ لَكُمْ صَفْوَ عَيْشِ الْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ (صلى الله عليه و آله) : “الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ، وَ مَا أَعْطَى اللَّهُ عَبْداً مُؤْمِناً حَظّاً مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَشُوباً بِتَكْدِيرٍ، لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ حَظَّهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ لِيُكَمِّلَ اللَّهُ لَهُ صَفْوَ عَيْشِ الْآخِرَةِ”2.
- 1. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) ، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 2. دعائم الإسلام (و ذكر الحلال و الحرام و القضايا و الأحكام): 1 / 47 ، لأبي حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن احمد بن حَیُّون المغربي، المتوفى سنة: 363 هجرية، الطبعة الثانية سنة: 1427 هجرية، مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) قم/إيران.