قبل ان نتحدث عن ( الوحدة ) التي تمثل قضية من القضايا الأساسية والمصيرية لابد ان نبين ونؤكد على ان هناك أفكارا يمكن التصريح بها ، فيفهمها الإنسان بشكل مباشر ، في حين ان هناك أفكارا أخرى لابد ان يفهمها الإنسان بالإشارة والتلميح ، وكما تقول الحكمة المعروفة ” الحليم تكفيه الإشارة ” .
وكلما كانت الأفكار أعمق وأسمى ، وكلما ارتبطت بصميم مشاكل الأمة وقضاياها ، كلما كانت لغة الحديث قائمة على أساس الإشارات والتلميحات ، حيث تزدحم على الموضوع مواقف مختلفة ، وعقبات عديدة تحول دون الإفصاح . وحتى كتابنا المقدس ( القرآن الكريم ) فانه يستخدم ( الإشارات والرموز ) كلغة بينه وبين اوليائه ، لان الناس ليسوا جميعاً في مستوى تلقي المعارف القرآنية السامية ، وحديثنا ـ نحن ايضاً ـ سيكون مستنداً الى هذه اللغة في جزء منه .
فهم السنن منفعة للحاضر وهدى للمستقبل
ونبدأ هذا الحديث بالقول ان فهم السنن التي يشير اليها البارئ عز وجل في قوله : ﴿ … فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ 1 . يشكل منفعة لحاضرنا وهدى لمستقبلنا . فما تراجعت أمة عرفت سنن الله تعالى ، وتعاملت معها تعاملاً حسناً ، وما تقدمت أمة تولت عن هذه السنن وجهلتها او تجاهلتها .
والعوامل التي تسببت اليوم في بث الفرقة بين المسلمين هي ذاتها التي كانت وراء اختلافاتهم في الماضي ؛ والدواعي التي تفرق بين أمة وأخرى ، وبين أشياع مذهب وآخر ، هي نفسها التي تفرق بيننا كأفراد وجماعات وأحزاب وخطوط .
والمهم ان نبحث في التأريخ لنلتقط تلك السنن العامة التي تعيننا على معرفة التأريخ ، وبالتالي تنفعنا في طريق التخطيط للمستقبل .
وفي الواقع فان أعظم نقمة ينزلها الخالق على البشر هي سلبهم هداه ، وعلى سبيل المثال فان سورة الحمد التي هي أعظم سورة في القرآن نجد ان آياتها السبع تتمحور حول اعظم وأهم آية وهي قوله سبحانه وتعالى : ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ 2 .
أي انها تتمحور حول مسألة ( الهدى ) التي لو كانت هناك نعمة أفضل منها لبحث الإنسان عنها ، بل ولأمر الله بالبحث عنها .
ان الهدى هو مفتاح جميع أنعم الله عز وجل دنيوية واخروية ، وهذه النعم وفيرة وكثيرة ، وهي في الآخرة أكثر منها في الدنيا . لكن الإنسان ـ على الرغم من ذلك ـ يضل عنها ، ولا ينتفع منها ، فيكون ظالما لنفسه بنفسه .
والهدى هو دليلنا الى هذه النعم كما ان العين هي دليلنا ونافذتنا الى معرفة مختلف الألوان في الطبيعة . فالله عز وجل يهب البشر ما لا يحصى من النعم وما عليه الا ان يبحث عن دليله اليها وهو ( هدى الله ) ، ولذلك أمرنا ان نقول عشر مرات او اكثر في كل يوم :
﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 3 .
تساؤلات حول الوحدة
ترى لماذا اختلف المسلمون ، وما الذي جعلهم ينقسمون على أنفسهم على امتداد أربعة عشر قرنا من الزمان ، ولماذا بقيت قضية الوحدة معلقة طيلة هذه الفترة ، وما الذي يجب ان نفعله لكي نوحد الأمة ، وما هو برنامج الإسلام لتوحيد الأمة ، وما هي فائدة الوحدة ؟
أسئلة عديدة تدور في ذهن كلّ منا ، وتتمحور بمجملها حول قضيتين متضادتين وهما ؛ الوحدة والفرقة ، وسنحاول في سياق هذا البحث الإجابة عن تلك التساؤلات .
ان الأنظمة البعيدة عن الإسلام والعميلة التي تتحكم اليوم في مصير الامم والشعوب المسلمة ، والتخلف الذي سلب و يسلب كل نعم الله سبحانه على الأمة الإسلامية ، والقمع والإرهاب ، وبالتالي جميع المحن والمساوئ التي تتوالى على شعوبنا المسلمة انما هي نتيجة طبيعية للتشتت والفرقة . فلو توحدت الأمة الإسلامية من اندونيسيا إلى نيجيريا ، ومن قلب الصين إلى قلب أوروبا لتساقطت القوى السياسية العميلة والدخيلة كما تتساقط أوراق الخريف . فلسنا بحاجة الى مزيد من العقل لنفهم ان أكثر هذه الأنظمة ـ إن لم نقل كلها ـ هي مفروضة علينا من قبل قوى أجنبية ، وهذا يعود إلى تضامن هذه القوى مع تلك الأنظمة .
وهنا نعود لنتساءل : من وما الذي فرقنا خصوصا وان عوامل الفرقة بدأت تدب في كياننا منذ العهد الأول للإسلام ؛ فهل كانت في ذلك الوقت قوى استكبارية عظمى كالقوى الموجودة اليوم ؟
وبالطبع فان الإجابة على هذا السؤال بالنفي سلفا ، فالسبب في تمزيق المسلمين ، وبث الفرقة بين صفوفهم هو معلم البريطانيين ، واستاذ الأمريكيين ، وشيخ الروس وغيرهم إبليس (لعنه الله) الذي تمثل في إتباع الأهواء ، وإطاعة الشهوات وحب الرئاسة واستفحال الجهل والتخلف وما أشبه ذلك .
العوامل الاساسية للوحدة
وبعد أن عرفنا الآن المسبب الأول للفرقة ، والمحرض عليها ، نريد ان نعرف العوامل الأساسية للوحدة .
لقد عاش البشر منذ بدء ظهوره على هذه الأرض فرداً وحيداً كما هو شأن سائر الأحياء ، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى حصل للبشرية تقدم حضاري فتكونت الأسرة ، ثم تكونت القبيلة ، ثم الدولة . وبالرغم من هذا التقدم المضطرد ما يزال الإنسان يعيش منذ عهد بعيد والى اليوم مرحلة سابقة لمرحلة (الوحدة المبدئية) ، وما يزال يعيش حالة الطفولة فيما يرتبط بتلك الوحدة .
وبناء على ذلك فإننا بحاجة إلى ان نرفع مستوى الوعي لدى البشرية لتصل الى مستوى الوحدة على أساس المبدأ . فالقرآن الكريم انما نزل من اجل خلق هذا المستوى ، والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده سعوا بكل ما في وسعهم من اجل توحيد هذه الأمة ، والحيلولة دون تمزقها وتفرقها .
ومع ذلك فان الإنسان لم يع هذه الضرورة (ضرورة الوحدة) ، وكان يهيمن عليه التفكير السلبي المتخلف مما أوحى اليه بأنه اذا أراد ان يحيا حياة حرة كريمة فما عليه إلاّ ان يدع الآخرين يعيشون مثلما يعيش هو ، واذا بالمصالح تتقولب حسب الآراء المختلفة .
ان الاختلاف في الرأي سيبقى مادام الاختلاف في المستويات لدى الانسان قائماً ؛ فكما ان أصابع اليد الواحدة لا يمكن ان تتساوى وتتماثل ، فان البشر ايضاً لا يمكن ان يولدوا بمستوى واحد من العلم والفهم والوعي ، لان التنوع يمثل طبيعة بشرية .
وعلى هذا فان كل شيء يتغير ويختلف عند الإنسان ، وهذا الاختلاف انما تمليه عليه غريزة حب التنوع فيه والتي تتغير بدورها تبعا لنموه ، وحسب الظروف المحيطة به ، وطبقا لمعلوماته وارادته واهوائه وعشرات العوامل المؤثرة فيه .
ان المشكلة القائمة اليوم لا تكمن في الاختلاف ذاته ، او الاختلاف المبدئي والفكري ، وليست كامنة في الإستراتيجية والرؤية ، ولكن في طريقة التعامل مع هذا الاختلاف الأمر الذي أدى تلقائياً الى حدوث التفرقة والتفكك والتناحر .
وعلى سبيل المثال فقد نجد في الأسرة الواحدة اختلافاً ، ولكن طريقة التعامل مع هذا الاختلاف تتباين من أسرة الى أخرى ؛ فمنهم من يفضه بالطلاق ، ومنهم من يفضه بالمشاجرات ، ومنهم من يحله من خلال التفاوض . . . وبصورة عامة فان كل أسرة من تلك الاسر تحل الاختلاف بطريقتها المفضلة .
وهكذا كان حال البشرية التي كانت كثيرا ما تتوسل بالحر وبلتحل خلافاتها . وللأسف فان الجاهلية ما زالت متأصلة بالبشرية حيث تنفق اليوم آلاف الملايين من الدولارات على صناعة الأسلحة ، وحتى إذا فرضنا أن البشرية لا تريد استخدام هذه الأسلحة الفتاكة إلاّ ان صناعتها تمتص الخيرات والثروات كلها ، حيث نرى الفقر المدقع منتشرا في جميع ارجاء العالم وخصوصاً في بلدان العالم الثالث ؛ اما اذا أرادت استخدامها فان المصيبة ستكون اعظم ، وستنشب حينئذ الحروب النووية التي ستدمر العالم بأجمعه .
اغتيال الشخصيات
ان البشرية كانت وما زالت بحاجة الى نمو فكري لكي تتجاوز مرحلة حل الخلافات بالسلاح ، ونحن قد نستطيع ان نحمد الله تعالى على اجتياز هذه المرحلة . فربما لا نستخدم السلاح ضد بعضنا البعض في حل الخلافات ، ولكن تجاوز هذه المرحلة ليس كافياً لاننا قد ندخل في مرحلة أخطر الا وهي مرحلة اغتيال الشخصيات .
وقد يتساءل الواحد منا فيقول : لم ظلمنا الله سبحانه وسلط علينا هؤلاء الطغاة ؟
القرآن الكريم يجيبنا على ذلك بعبارة صريحة فيقول : ﴿ … فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 4 . فقد جاء في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) ان المقصود بهذه الفتنة سيطرة الظالمين .
فاذا عمل كل واحد منا لوحده ، وبدأ يغتال شخصيات الآخرين من خلال اغتيابهم ، وتوجيه التهم إليهم ، فانما هو يرتكب ذنوباً كبيرة لا يحق له استصغارها كما يقول تعالى : ﴿ … وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ 5 . فسب الآخرين واغتيابهم والتحدث عنهم بما لا يليق كل ذلك وغيره انما هو اغتيال لهم أشد خطراً من القتل المادي نفسه .
وعندما ينتشر مثل هذا الأسلوب بين أوساط الأمة فان الله جل وعلا سيعذبها ، ويسلط عليها حاكماً يسومها سوء العذاب وكما تؤكد على ذلك الآية القرآنية التالية : ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا … ﴾ 6 ؛ اي ان الله سبحانه يجعل الظالمين يحكم بعضهم بعضا لأنهم ظلموا أنفسهم بأنفسهم ، واختاروا مثل هذا النظام ، ولم يكونوا اهلاً للدولة الإسلامية ، وللنظام الإسلامي العادل . وكما يؤكد ذلك الحديث الشريف : ” الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه ” .
وعلى هذا فلكي لا يسلط الله الظالمين علينا يجب ان نطهر أنفسنا ، ونزكيها منذ الآن ، واما الخلافات فيجب ان تبقى في حدود التسابق الى الخيرات .
عوامل بقاء الصراع بين المسلمين
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا المجال هو : لماذا بقيت الصراعات بين المسلمين ؟
وسنحاول ان نلخص الجواب على السؤال السابق بذكر العوامل التالية :
1 ـ انعدام الرؤية
فالانسان المسلم لم يع ان المطلوب منه ان يكون في مستوى التحديات .
2 ـ القوى السياسية الاستكبارية
ان القوى السياسية التي كانت موجودة في السابق ، والتي تريد ابقاء وتكريس الخلافات ، والمؤمنة بمبدأ ( فرق تسد ) ما تزال موجودة حتى الآن ؛ وهذا ما يمكن ان يفهمه ، ويلمسه كل فرد واع . فالإنسان الذي لا يملك وعيا ليس له الحق في ممارسة اي دور في الحياة ، لان مثله كمثل الذي لا يرى والذي يقع دائما في مختلف المطبات ؛ وهكذا الحال بالنسبة الى الأمة التي تعيش مرحلة الجهل ، وتجهل العلم واهميته واهمية العلماء العاملين في سبيل هذه الأمة ، فانها هي الاخرى لا حق لها في الحياة .
ومما يجب ان نعيه ان مؤامرات الاعداء المكشوفة هي دليل دامغ على وجود تلك القوى السياسية المخربة ، فالأعداء المستعمرون لا يقولون للشعب صراحة انهم يريدون ان يقودوهم ، وانما يستخدمون شتى الأساليب والوسائل للقضاء عليه .
وهكذا فعلى كل واحد منا ان يكون في وعي كامل لكل ما يجري علينا ، فالأساليب الخبيثة تتطور شيئا فشيئا حتى تتحول الى مؤامرة ، ولذلك يجب ان نكون حذرين فلا نصدق كل ما يقال ويلفق حول هذه الجماعة او تلك لان كلامهم يلقى هوى في نفوسنا ، او لاننا لا نحب تلك الجماعة ، فهذا لا يجوز حتى بالنسبة الى عدونا إلاّ إذا كانت التهمة ثابتة وصحيحة وإلاّ فاننا سنتورط في الجهل .
وفي الحقيقة فان هذا هو شأن الاستكبار ، فهو يوحي بايحاءات علينا ان ننتبه اليها بذكاء وفطنة لانها قضية في مستوى الأمة كلها . فهناك العشرات من الكتب تسود بين الفينة والاخرى ، وتنشر بين المسلمين ، وتحاول اثارة الفتن ، ولذلك يجدر بنا ان نكون في مستوى التحدي والتصدي لها ، وان نتبع هدى القرآن ، ونعتصم بالله تعالى وبرسوله وبالقيادة الإسلامية التي تنتهج نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وتتقي الله حق تقاته ، علماً ان التقوى لا يمكن ان تجدي نفعاً إلاّ إذا استمرت في نفس الانسان حتى الموت . فالقرآن الكريم يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ 7 فالتقوى يجب ان تشمل جميع مرافق الحياة ، ولذلك يأمرنا القرآن بالاعتصام بحبل الله وهو (التقوى) ومن يجسد القرآن في الواقع : ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ 8 .
فالهداية هي رأس كل خير ، وقمة كل فضيلة .
القيام بدور الإصلاح
ومن اجل ان نحافظ على الوحدة لا بد ان يقوم كل واحد منا بدور المصلح ، وليحاول ان يقوم بدوره الذي كلفه الله سبحانه به ، كما يؤكد على ذلك في قوله الكريم : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 9 فيجب ـ إذن ـ ان نقوم بدور الاصلاح سواء خسرنا أم ربحنا ، على ان القرآن يعدنا بالفلاح ان قمنا بهذا الدور ﴿ … وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 10 . فليس من الصحيح ان نعطل دور الإصلاح فنقول : نحن بانتظار نمو القوة السياسية الفلانية لنكون معها ، لان الحسابات السياسية عادة ما تكون فاشلة ، فروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال لبعض أصحابه : ” كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع إليهم وهو رسول نبي فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيّه موسى في ليلة ” 11 .
فلنحاول ان لا نكون ممن يصطادون في الماء العكر ، ويحبون الصعود مع القوى السياسية الصاعدة فنكون انتهازيين ، بل لنسع من اجل ان نكون مصلحين ، ونبحث عن الحق أنّى كان . فأولئك الذين يدخلون في الصراعات ، ويتحولون الى وقود لها سوف يعذبون في الدنيا والآخرة ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى عنهم : ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 12 .
التفرق في الدين عقبة الوحدة
هناك حقيقة لو وعيناها لوعينا من العلم شيئاً كثيراً ، الا وهي ان المسافة بيننا وبين ما يدعونا اليه القرآن الكريم ما تزال مسافة شاسعة ، وان علينا ان نسعى سعياً حثيثاً وجذرياً ودؤوباً لعلّنا نصل الى ما يدعونا اليه القرآن .
ترى أين نحن ، وأين ذلك المستوى الأسمى الذي يأمرنا القرآن الكريم ان نرقى اليه ؟ ان هناك مقياساً لامناص لنا من ان نعود اليه لكي نعرف أنفسنا ، وهل نحن كما نتمنى وكما ندّعي ، أم ان واقعنا يختلف بشكل جذري عما نحلم به ؟ انه القرآن الكريم ، فلنعرض أنفسنا عليه ، ولنسأل أنفسنا : هل نحن في مستوى ما يدعونا اليه القرآن أم لا ؟
ان القرآن يدعونا إلى أن يكون وعينا بالساعة وعياً حاضراً لا يغيب عنا لحظة واحدة ، ويدعونا إلى أن تكون عقيدتنا بالله تبارك وتعالى خالصة من اية شائبة ، وان لا نعتقد بان هناك من يؤثّر في حياتنا سوى الله وباذنه ، وبالتالي فان كل شيء يعود اليه . كما ويدعونا القرآن الكريم الى ان يكون خوفنا ورجاؤنا واملنا وثقتنا بالله سبحانه وتعالى ، وان يكون المقياس الذي نرجع اليه هو الدين ؛ وبالتالي ان يكون المعيار واحداً ، وان لا نتفرق في الدين لانه واحد ، وجميعنا نتبعه . فلماذا التفرق ـ اذن ـ ؟
التفرقة ليست من الدين
ان هذا التفرق الموجود فيما بيننا لهو دليل على ان بيننا وبين الدين فواصل ؛ اي اننا لسنا مع الدين كله ، بل معه ومع اهوائنا في نفس الوقت . فقد خلطنا الدين بالاهواء ، ولذلك يقول تعالى في سورة الشورى مذكراً إيانا بهذه الحقيقة : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا … ﴾ 13 .
وهذه الآية الكريمة توحي لنا بان الشريعة الاساسية المتكاملة التي نزلت على الانبياء عليهم السلام تكاملت اول ما تكاملت على يد شيخ المرسلين نوح عليه السلام لأنه اول اولي العزم من الأنبياء . فالشريعة واحدة منذ بداية الشرائع الى انتهائها بالشريعة التي ختم الله جل وعلا بها شرائعه ، وانزلها على نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ، وهذه الحقيقة يؤكد عليها تعالى في قوله :
﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾ 14
فهؤلاء الأنبياء الذين هم في قمة القمم ، شريعتهم واحدة ، لان مصدر الشريعة من عند الله الواحد . وقد اوصاهم الخالق سبحانه ان لا يخلطوا الدين بالاهواء ، وان يقيموه . ومن المعلوم ان اقامة الشيء لا تكون إلاّ من خلال اكماله واتمامه وتوفير كل الشروط الموضوعية التي يعتمد عليها .
ولكي تعرف هل انك ممن يقيم الدين ام ممن يلتزم بجانب من الدين دون الجانب الآخر ؛ لكي تعرف ذلك بمقياس واضح فانظر الى طبيعة علاقتك مع المؤمنين الآخرين ، فان كانت علاقتك معهم علاقة وثيقة متينة ، بل اذا كانت بينك وبين الآخرين وحدة موضوعية في جميع الجوانب فاعلم انك قد أقمت الدين ، ولذلك يقول عز من قائل : ﴿ … أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ … ﴾ 13 .
والعبارة القرآنية : ﴿ … كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ … ﴾ 13 تعني انكم ـ أيها المؤمنون ـ تدعون الى حضارة راقية ، ومستوى رفيع ، وحياة فاضلة ، وهذه الحياة لن يبلغها الإنسان بسهولة ؛ فمن السهل عليك ان تطلب من شخص ان يركض ، لان الركض عمل يتعلمه الانسان منذ طفولته . اما ان تطلب منه ان يلقي خطابا في حفل كبير حاشد على ان يكون الخطاب ذا محتوى جيد ، واسلوب رائع ، واثر عميق ، فان هذا العمل صعب ـ بطبيعة الحال ـ على الإنسان .
وبناء على ذلك فان من الصعب على المشركين ـ كما تصرح بذلك الآية السابقة ـ ان تدعوهم الى الصدق والايجابية والتحرك والنشاط والهمة الروحانية ، وحياة ملؤها الفضيلة والتقوى والأخلاق الحسنة .
فالذي يريد ان يحقق هدفاً عظيماً هو اقامة الدين ، وإقامة حكم الله في الارض لابد ان يدفع ثمن هذا الهدف العظيم . فعندما تدعوك نفسك الى مخالفة صاحبك تساءل في نفسك : هل من الصحيح ان اضحي بهدفي العظيم الذي هو اقامة الدين في الحياة ، وانقاذ الناس من الضلالة ، من اجل ان اشبع غرور نفسي ورياءها ، واتحدى صاحبي ؟
ونحن نرى في بعض الأحيان ان هناك أعمالا تصل الى مستوى اسقاط الطاغوت سرعان ما تنهار وتتلاشى ، لان هناك خلافاً بيني وبين اخي على أمور ثانوية تافهة ، وعلى ستراتيجيات او تكتيكات ثانوية . وبالتالي فاننا عندما نستيقظ ونعيد النظر في أنفسنا نرى ان سنين طويلة من عمري او عمره مرت دون ان نحقق هذا الهدف . فنبدأ نلقي وننثر التهم يميناً ويساراً فإذا بالسماء متهمة ، والأرض متهمة ، والناس متهمون ، وكل شيء في التاريخ متهم ، ونحن البريؤون فقط . في حين ان العكس هو الصحيح ، فنحن المتهمون ذلك لان القرآن الكريم يقول : ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ 15 .كما ويقول تعالى : ﴿ … إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ … ﴾ 16 . والحكمة المعروفة تقول : ” كما تكونون يولى عليكم ” .
لنعتبر بالحركات الفاشلة
وبناء على ذلك فان الواحد منا هو المتهم وتهمته تنبع من انه فسح المجال للنظام الطاغوتي الجائر ان يستمر نتيجة للاختلاف في الأسلوب . ولندرس في هذا المجال تأريخ الحركات الفاشلة ، وبالطبع فان الآخرين يدعون الى دراسة تاريخ الحركات الناجحة ، ولكنني ادعو الى دراسة الحركات الفاشلة ، والقرآن كذلك يدعونا الى دراسة تأريخ هذا النوع من الحركات حيث يقول : ﴿ … فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ 17 .
وهذا يعني ان علينا ان ننظر الى اولئك الذين فشلوا وانتهوا ، وان ندرس حياتهم ، ونحاول ان نكتشف سبب انقراضهم . فقد قيل لحكيم : من أين تعلمت الأدب ؟ فقال : ممن لا أدب له ؟ فقيل له : وكيف ؟ فأجاب لأنني نظرت الى افعاله فكرهتها وتجنبتها .
وهكذا فان علينا ان ندرس التجارب الفاشلة في العالم لكي لا نكررها ، ونعود اليها . فلندرس هذه التجارب ، ولنتأمل تأريخ الحركات والثورات الفاشلة ، ولنحاول ان نعرف أسباب فشلها .
ان مشكلتنا الرئيسية تكمن في أننا لا نكلف أنفسنا عناء دراسة التاريخ والنظر فيه ، ولذلك فان حياتنا غدت مليئة بالهزائم ، والنكسات المتتالية بسبب عدم اعتبارنا بما جرى على من مضى قبلنا من الأمم والحركات .
أقيموا الدين
ومن الآية السابقة ، اي قوله تعالى : ﴿ … أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ … ﴾ 13 نفهم ان من لا يقيم الدين ، ولا يوحد نفسه لا يستطيع ان يتغلب على المشركين ، لانهم سوف يقاومون ويناهضون قيام الحكم الإسلامي . ثم ان الطريق الذي يوصلك الى الهدف العظيم هو ان تضحي ببعض المسائل الثانوية عبر أفكارك الخاصة وتكتيكاتك واستراتيجياتك .
ثم يقول عز وجل : ﴿ … اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾ 13 . ولكي نصل الى هذا المستوى لابد ان نقتل غرور أنفسنا ، ونقاوم كبرياءها ، ونزكيها تزكية نستطيع من خلالها ان نتنازل عن ذواتنا ، ونخرج عن شحها ، وحينئذ سوف يجتبينا الله تعالى ، ويختارنا لتطبيق دينه ، والدعوة اليه .
ثم يؤكد القرآن الكريم على حقيقة ان التفرق لايصد عن جهل ،بل هو دائماً من بعد العلم كما يقول سبحانه : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا … ﴾ 13 . فالانسان الذي يريد ان يوحد نفسه فان بامكانه ذلك ، ولكنه لا يريد لانه يبحث عن البغي .
طبيعة الإنسان العدوانية
والمشكلة الرئيسية التي يعاني منها الإنسان سأحاول فيما يلي ان اجملها و أبينها بالإيجاز ، وهي ان الانسان يريد ان يسرق جهود غيره ؛ فروحه تدعوه دوما الى العدوان على الآخرين ، ولذلك نجد ان اكثر اسباب التفرق تنبع من هذه الطبيعة البشرية غير المهذبة . فاذا رضي كل انسان بما يعمله وينتجه لما حدثت مشكلة في العالم ، ولكن كل واحد يريد ان يأخذ من الآخرين زيادة على ما يمتلكه . فكل انسان يتصور انه اعلى واسمى من الآخرين ، وكل واحد يظن ان حقوقه اكثر من الآخرين ، وانه يستحق اكثر مما يعطى له . وهنا يستغل الشيطان هذه الثغرة في نفس الانسان ليوسوس ، وليوحي اليه أنه من المفترض ان يحتل المنزلة الفلانية ، وان حقه مهضوم ، وان الآخرين لا يقدرونه حق تقديره . . في حين ان هذا التصور مغلوط من الاساس ، لان الانسان لايستطيع ان يقيّم نفسه حسب ما يشاء .
ولو استطاع الانسان ان يتجاوز هذه المشكلة في ذاته لزال تجميع الاختلافات ، لان القرآن الكريم يقول : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا … ﴾ 13 . اي ان كل واحد يريد ان يعتدي على الآخرين ، ويبغي ماليس له بحق . اما اذا سادت الحالة المعاكسة في نفس الانسان ، فانه سيستشعر التقصير دائماً في نفسه ، ويتهم ذاته ، ويشعر انه لم يصل الى المستوى المطلوب من العطاء والتضحية . وفي هذه الحالة فان مسيرتنا ستكون في حالة تقدم مستمر ، لاننا نطالب بأقل مما نعطي ، ونستهلك اقل مما ننتج . فالتقدم سيكون في هذه الحالة اكثر . فعندما يكون الانتاج ذا مستوى أعلى ، والعمل في المستوى المطلوب ، فاننا سنرى انفسنا اننا في حالة تقدم . اما اذا اعتدنا ان ننتج يومياً رغيفاً من الخبز في حين نطالب بثلاثة ارغفة فان النتيجة ستكون ان الواحد منا سيعمد الى السرقة من الآخرين ، وبالتالي سوف لا نحصل على شيء سوى التخلف والتمزق والانهيار . فلا يحبنا احد لا في السماء ولا في الأرض ، ونخسر الدنيا والآخرة .
ولننظر الى القرآن الكريم كم هو شديد في هذا المجال ؛ انه يطلق تهديداً عجيباً في قوله تعالى : ﴿ … إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ … ﴾ 13 . ونحن نستنتج من هذه الآية الكريمة ان نهاية البغي تتمثل في خسارتين ؛ الخسارة الأولى هي خسارة الدنيا ؛ اي ان الله تبارك وتعالى سوف يأخذ هؤلاء أخذاً شديداً ، وينهي حضارتهم ، ويقضي عليهم لأنهم تفرقوا ، ولانهم بغوا على بعضهم .
والخسارة الثانية تتمثل في ان الله جلت قدرته يسلب منهم حلاوة اي انهم يعيشون دائماً حالة الشك ، فالانسان الذي يفكر في نفسه وقضاياه وأموره ومصالحه الشخصية ، وترد الى ذهنه الكثير من الافكار الشيطانية ، فانه يفقد حلاوة المناجاة والصلاة والتعبد ، لان قلبه مشغول دائماً بنفسه .
الإيمان الجوهرة العظمى
وبناء على ذلك فان الجوهرة العظمى هي جوهرة الايمان ، فلنحرص على ان لا تضيع من ايدينا ، وحتى اذا حصلنا على ملك الدنيا ، فما فائدة هذا الملك إذا فقدنا الايمان .
فلنستغل الفرص ، ولننبذ جانبا الافكار الشيطانية ، ولنطهر انفسنا مما يؤدي الى تفرقنا عن بعض ، ولنتوحد تحت راية الدين ، وحينئذ من حقنا ان ننتظر رحمة الله تبارك وتعالى ، والنصر الالهي . فالنصر عندما يأتي من الله سبحانه فانه يأتي نصراً مؤزراً ، لانهقائم على اساس طاهر نزيه ، وقائم على اساس عدم التضحية بديننا واخلاقنا ومبادئنا . فهو نصر حقيقي من النوع الذي يحبه الله جل جلاله ، ويريده لعباده المؤمنين في الدنيا حيث ستكون العاقبة لهم ، وحيث سينصرهم الخالق نصراً عزيزاً على اعداء الدين والرسالة ليقيموا حكمه في ربوع الارض .
من اجل الوحدة نتجاوز العقبات
قبل ان نتطرق الى هذا الموضوع الذي سنخصص هذا الفصل لبحثه ، هناك فكرتان في هذا المجال لابد ان نطرحهما في البدء وهما :
الانتصار لا يتحقق بالأحلام
1 ـ اننا لا نستطيع ان نأمل انتصاراً ، ونرجو فلاحاً بالأحلام والتمنيات ؛ بل من خلال العمل الجاد ، والعمل على تغيير الذات ، والانتصار على الشهوات والأهواء عبر تطبيق مناهج الرسالة التي بواسطتها نستطيع ان ننقذ انفسنا وشعوبنا من اولئك الطغاة المتحكمين بمصائر مجتمعاتنا الذين يسومونها سوء العذاب .
وهناك فرق بين من يرجو الانتصار بالأحلام ، وبين من يأمل النصر على عدوه بالحقائق ، وتوفير العوامل المؤدية الى النصر . وهذا الفرق يكمن في الإعداد ، فمن ينتظر ساعة المواجهة دون استعداد وتهيؤ لاينفعه انتظاره هذا ، ولا يزيده أمله إلاّ خساراً ؛ في حين انالذي يعمل على إعداد نفسه ، ويطبق قوله عز وجل : ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ … ﴾ 18 ، فانه يسعى من اجل تكثيف قدراته ، ورفع مستوى امكانياته ، وتربية ذاته ، وتزكية نفسه ، وتوجيه وتنظيم طاقاته . . وبالتالي فانه يأخد بكل ما يستطيع من اسباب القوة .
والإعداد ـ بكل أبعاده ـ ينبغي ان يتم قبل ايام المواجهة ، وينبغي ان تكون تعبئة العاملين على مستوى بحيث انهم لو استنفروا استطاع خلال لحظة واحدة ان ينفروا جميعهم خفافاً وثقالاً . فالقوة التي تكون دائماً على اهبة الاستعداد هي التي تستطيع ان ترهب عدو الله وعدوها ، كما انها سترهب جميع المنافقين المتسللين الى صفوفها ؛ لان من يعتريه خور العزيمة ، وضعف النية ، وشحة الايمان لا يستطيع ان يلقي الذعر في قلب اي احد . في حين ان من يطبق في حياته العملية ، وسلوكه اليومي مضمون الآية القرآنية السابقة ، فان مفهومالانسان الساعي والجاد سينطبق عليه ، وإلا فانه انسان يعيش على الاحلام والتمنيات . صحيح ان الموت للطغاة ، وان الله تعالى اكبر منهم ، ولكن الذي لايعد نفسه اعداداً جدياً في ايام السلم فانه سوف يكون عاجزاً عن خوض الصراع في ساعات المواجهة .
ان الطغيان يمثل حالة عميقة الجذور جمعت حولها اكثر قوى الشر والنفاق ، ونحن لا نستطيع مقاومتها والقضاء عليها من خلال الاكتفاء بترديد الشعارات ، والنوم على فراش مخملي من الآمال والاماني والاحلام . بل ان تحدينا العقائدي للطغاة هو الخطوة الاولى التي ينبغي علينا ان نخطوها في طريقنا الطويل .
الفهم العميق للقرآن
2 ـ ضرورة الفهم العميق للقرآن الكريم ، خصوصاً وان آياته يفسر بعضها بعضاً ، وكل مجموعة من هذه الآيات تأتي في سياق واحد ؛ ولذلك يجب ان تؤخذ كبرنامج متكامل للعمل ، لا كوصايا متناثرة لا تربط بينها علاقة المنهجية ، من مثل الآيات القرآنية التالية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 19 .
وعندما نجمع هذه الآيات الكريمة الى بعضها ، ونتدبر فيها ، نستطيع ان نستوحي منها فكرة منهجية متكاملة قابلة للتطبيق وهي فكرة ” الوحدة على نطاق الأمة الاسلامية ” ، كما يوحي بذلك قوله تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ … ﴾ 20 ، فهذه الآية ليست ناشزة في السياق ، بل ترتبط بما بعدها ارتباطاً وثيقاً ، ولذلك فان علينا ان ندرسها جميعاً ككتلة واحدة .
الإعداد لتحقيق الوحدة
وبعد هذا التمهيد ابدأ الآن بالتطرق الى صلب الموضوع ، فأقول : ان الإعداد الحقيقي لمواجهة الطغاة هو تكثيف وتركيز قوة الجماهير ، لان القوة المتناثرة ليس بامكانها ان تعمل شيئاً .
والوحدة هي قوة لابد ان نعدها لساعة المواجهة في برنامج طويل علينا ان نجهد انفسنا من اجل تطبيقه . فالوحدة تمثل بناء متكاملاً لابد ان نضع لبناته الواحدة فوق الاخرى . فهي تبدأ من الافراد ، ثم المجاميع الصغيرة حتى تبلغ ذروتها على نطاق الأمة الاسلامية ،وهذا البناء المتكامل لا يمكن ان يشيّد مرة واحدة ، بل بشكل تدريجي ، وبعد ان يجهد العاملون انفسهم في وضع احجاره ولبناته فوق بعضها ، ويرصونها رصا كما يشير الى ذلك تعالى في قوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ 21 وهذا البنيان الذي تشير اليه الآية الكريمة انما يشيد في ساعة الاعداد ، ولذلك فانه يتحول الى خندق قوي من خنادق الايمان في مواجهة الكفر .
والوحدة لا يمكن ان تتحق عندما يتبع البعض افكارا غريبة عن الأمة ، وانما تتم اذا كان مصدر التوجيه واحداً ، ولذلك يؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة قائلاً : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ 22 ، فعندما يطيع المؤمنون فريقاً من الذين اوتوا الكتاب فان وحدتهم سوف يعتريها الضعف والنقص ، لان هؤلاء لا يستهدفون تقوية الكيان الإسلامي ، بل تقويضه وهدمه .
وبالاضافة الى ذلك فان الوحدة لا تتم إلاّ بعد ايجاد قيمتين متفاعلتين في الأمة وهما : قيمة الرسالة ، وقيمة الرسول . فالرسول او الامام هو الذي يجسد المنهج ، ويكون مثلاً حياً له ، وهو ولي الامر ، ولذلك يقول سبحانه وتعالى : ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ … ﴾ 23 . وهذان هما الثقلان اللذان اوصى بهما النبي (صلى الله عليه وآله) في اللحظات الاخيرة من حياته قائلاً : ” إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي ” 24 . ان الله عز وجل هو الذي انزل الآيات ، وبعث الرسول ؛ فهو بالتالي المحور الذي يلتف حوله ، وعندما يذكرنا القرآن بضرورة الاعتصام بحبل الله فان هذا يعني التمسك بكتاب الله ، واتباع رسوله .
الاستقامة من أركان الوحدة
ومن اركان الوحدة الاستقامة والثبات على المبدأ ، وإلاّ فاننا سوف لا نستطيع ان نبني كياناً مستقلاً موحداً ؛ كما ان الآخرين سوف لا يعود بامكانهم ان يعتمدوا علينا ، لاننا في هذه الحالة سنتحول الى اشخاص مهزوزين . ففي خلال لحظة واحدة من الممكن ان ننقلب على اعقابنا ، وهذا ما يهدد الوحدة الاسلامية . ولذلك نرى ان السياق القرآني الكريم يذكرنا عند حديثه عن الوحدة بهذه الحقيقة فيقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ 7 .
فالاستقامة هي التي تجعل عاقبة الانسان على خير ، وهي التي تجعله لا يخشى الموت ، كما يقول الامام علي (عليه السلام) : ” والله ما يبالي ابن أبي طالب أوَقَع على الموت ، أم وقع الموت عليه “25 ، اما الانسان الذي يتردد ، ويكون له في كل يوم شأن فانه انسان متعلق بالدنيا ، وهو يخشى على نفسه من الموت .
التجمع الصالح
ومن اجل تكريس الوحدة والمحافظة عليها وبقائها ، لابد ان يكون هناك تجمع من المؤمنين الصالحين الذين يشبهون الى حد بعيد الهيكل الحديدي الذي يدعم بناء الأمة ، ويحول دون انهياره ؛ وهؤلاء المؤمنون يمثلون التجمع الطليعي ، والتنظيم القيادي ، والمجموعة التي نذرت نفسها في سبيل الله تعالى ، وهم الصنف الاول الذي يشير اليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله : ” الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ” 26 . وهذا التجمع القوي في داخل الأمة يمثل في الواقع قدرة الأمة على المقاومة . فكلما ضعفت نية او خارت عزيمة بادر هذا التجمع الى تدارك ذلك بالنصيحة والتوجيه والعمل والتحريض ، وقد اشار القرآن الكريم الى هذا التجمع في قوله : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 9 .
ولا يغيب عنا ان هذه الوحدة لايمكن لها ان ترى النور من دون تضحيات . فالواجب علينا ان نخرج من انانياتنا ، ونضحي بمصالحنا ، بل وحتى بمستقبلنا من اجل مصلحة المجموع . فأي بناء لابد ان يقوم على اساس رصين ، والتضحيات هي هذا الاساس . وهذه حقيقة نستوحيها منقوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا … ﴾ 27 ؛ اي اتقوه تقوى حقيقية يستحقها .
عقبات الوحدة
ونحن ـ كأمة ـ عشنا الى الآن الواناً من التفرقة ؛ فهناك تفرقة طائفية كانت ومازالت مستمرة ، وهناك تفرقة عنصرية ، واقليمية ، وعشائرية . . . بل ان الخلاف كان ـ للأسف الشديد ـ أصلاً في بلادنا .
ونحن الآن نريد ان نتجه الى الوحدة ، ولابد ان تعترضنا الحواجز التي اذا لم نستعد لتجاوزها فانها سوف لا تدعنا نصل الى أهدافنا . ومن هذه العقبات والحواجز الرئيسية العادات والتقاليد ، وهذه العقبة لو أردنا ان نتجاوزها فان هناك من يدافع عنها ، ويقف في وجهنا . وفي هذا الطريق لابد ان نكون صلبي الايمان ، لا نخاف في الله تبارك وتعالى لومة لائم لكي يكون بإمكاننا تجاوز هذه العقبة .
اما العقبة الاخرى التي تقف حاجزاً امامنا في طريق الوحدة فهي عقبة المتاجرة بالدين ، فقد يتخذ وسيلة للتفريق على أسس مختلفة ، وبأساليب عديدة .
وهناك عقبة ثالثة نجدها في الاختلافات الجزئية الهامشية التي يحاول البعض إثارتها من مثل التفريق بين مراجع التقليد ، والتعصب لعالم دون آخر ، في حين ان الاسلام هو الأصل ، وان التقليد انما هو طريق الى الاسلام . فنحن قد عرفنا الله جل وعلا أولاً ، ومن ثم عرفنا رسوله وولاة أمره وقادة شريعتنا ؛ وبذلك عرفنا ديننا ، ومن خلال معرفتنا به استطعنا ان نقيم الرجال ، فعرفناهم بالحق الذي عرفناه . واذا ما عكسنا الأمر فعرفنا الحق بالرجال فاننا سنكون قد سلكنا طريق الضلال والتفرقة . فالحق هو الأصل ، وهو المقياس ، ونحن نستطيع ان نعرف مدى صلاح الرجال ، او انحرافهم بمقدار قربهم ،او بعدهم عن محور الحق .
والعقبة الاخرى التي تقف حاجزاً امامنا هي العقبات الشخصية ؛ فهناك بيننا حجب لابد ان نمتلك الشجاعة الكافية من اجل اختراقها وإلاّ فان كل واحد منا سيعيش فرداً ؛ وبالتالي فان القلوب سوف لا تلتقي ، ولا تتلاحم النفوس ، ولا تتركز الجهود ، ولا تتفاعل الآراء والافكار .
ان الأنانيات و الذاتيات والعصبيات ليست من الإسلام ، فلا يمكن ان يغنينا عن الله شيئاً ان ننتمي الى الحزب او التنظيم الفلاني ، بل ان عملنا الصالح هو الذي يشفع لنا .
وهكذا فان الانتصار على الطغاة لا يمكن ان يتحقق بالتمني ، بل بالسعي . والفرق بين من يسعى وبين من يتمنى يكمن في الإعداء لساعة المواجهة ، ومن ابرز أنواع الأعداء تركيز الجهود وتكثيفها من خلال الوحدة .
والوحدة تمثل بناء متكاملاً لابد ان نبنيه لبنة بعد اخرى . ومن أهم واجباتنا اليوم ، واقربها الينا تجاوز الحجب والحواجز والعقبات التي وضعها الشيطان وحلفاؤه من الإنس بيننا وبين الاقربين إلينا في العقيدة . فلنحاول ان نتجاوز هذه الحجب والعقبات لنشيد شيئاً فشيئاً صرح الوحدة الذي سيمكننا بالتأكيد من مواجهة الطغاة وعملائهم ومقاومتهم والقضاء عليهم ، لان الوحدة هي سرّ قوتنا واقتدارنا ، ومن دونها نصبح عاجزين عن اداء اي عمل مهم 28 .
- 1. القران الكريم : سورة فاطر ( 35 ) ، الآية : 43 ، الصفحة : 439 .
- 2. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 1 .
- 3. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 6 و 7 ، الصفحة : 1 .
- 4. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 63 ، الصفحة : 359 .
- 5. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 15 ، الصفحة : 351 .
- 6. القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 129 ، الصفحة : 144 .
- 7. a. b. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 102 ، الصفحة : 63 .
- 8. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 103 ، الصفحة : 63 .
- 9. a. b. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 104 ، الصفحة : 63 .
- 10. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 104 ، الصفحة : 63 .
- 11. بحار الأنوار / ج 13 / ص 42 / رواية 9 .
- 12. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 105 ، الصفحة : 63 .
- 13. a. b. c. d. e. f. g. h. القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 484 .
- 14. القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 484 .
- 15. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 39 ، الصفحة : 527 .
- 16. القران الكريم : سورة الرعد ( 13 ) ، الآية : 11 ، الصفحة : 250 .
- 17. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 271 .
- 18. القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 60 ، الصفحة : 184 .
- 19. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآيات : 100 – 104 ، الصفحة : 62 .
- 20. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 103 ، الصفحة : 63 .
- 21. القران الكريم : سورة الصف ( 61 ) ، الآية : 4 ، الصفحة : 551 .
- 22. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 100 ، الصفحة : 62 .
- 23. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 63 .
- 24. بحار الأنوار / ج 2 / ص 100 / رواية 59 .
- 25. بحار الأنوار / ج 77 / ص 384 / رواية 7 .
- 26. بحار الأنوار / ج 23 / ص 45 / رواية 91 .
- 27. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 102 ، الصفحة : 16 .
- 28. على طريق الوحدة ، آية الله السيد محمد تقي المدرسي ، الناشر : دار محبي الحسين (ع) ، قطع : رقعي ، الطبعة الأولى .