رَوى الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه المُسمى بـ “الأمالي” عَنْ من روى عَنْ الامام جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ الصادق، عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: “أَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَ هُوَ فِي بَيْتٍ لَهُ جَالِسٌ عَلَى التُّرَابِ وَ عَلَيْهِ خُلْقَانُ الثِّيَابِ، قَالَ: فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): فَأَشْفَقْنَا مِنْهُ حِينَ رَأَيْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ.
فَلَمَّا رَأَى مَا بِنَا وَ تَغَيُّرَ وُجُوهِنَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَ مُحَمَّداً وَ أَقَرَّ عَيْنِي بِهِ، أَ لَا أُبَشِّرُكُمْ؟
فَقُلْتُ: بَلَى أَيُّهَا الْمَلِكُ.
فَقَالَ: إِنَّهُ جَاءَنِي السَّاعَةَ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ عَيْنٌ 1 مِنْ عُيُونِي هُنَاكَ، وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَهْلَكَ عَدُوَّهُ، وَ أُسِرَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ، وَ قُتِلَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ، الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ” بَدْرٌ”، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَيْثُ كُنْتُ أَرْعَى لِسَيِّدِي هُنَاكَ وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ.
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الصَّالِحُ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِساً عَلَى التُّرَابِ وَ عَلَيْكَ هَذِهِ الْخُلْقَانُ فَقَالَ: يَا جَعْفَرُ، إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِيسَى (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَنَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يُحْدِثُوا لِلَّهِ تَوَاضُعاً عِنْدَ مَا يُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لِي نِعْمَةَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ أَحْدَثْتُ لِلَّهِ هَذَا التَّوَاضُعَ.
قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ذَلِكَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: “إِنَّ الصَّدَقَةَ تَزِيدُ صَاحِبَهَا كَثْرَةً فَتَصَدَّقُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ، وَ إِنَّ التَّوَاضُعَ يَزِيدُ صَاحِبَهُ رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اللَّهُ، وَ إِنَّ الْعَفْوَ يَزِيدُ صَاحِبَهُ عِزّاً فَاعْفُوا يُعِزَّكُمُ اللَّهُ” 2.
- 1. العين: الجاسوس.
- 2. الأمالي: 14، للشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المولود بخراسان سنة: 385 هجرية، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة: 460 هجرية، طبعة دار الثقافة، الطبعة الأولى سنة: 1414 هجرية، قم/إيران.