في كل عام وفي مثل هذه الأيام تحتفي مجتمعاتنا بذكرى ميلاد الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وتسعى كل بلدة لتزيين الشوارع والمنازل وغيرها من مظاهر الاحتفاء بهذه الذكرى.
ويعد هذا العمل دليلاً على مدى الحب والولاء الذي تكنه مجتمعاتنا لأهل البيت ، كما أن هذا مظهر من مظاهر إحياء أمرهم، والفرح لفرحهم.
وفي حقيقة الأمر إن أي مجتمع يسعى لإحياء مناسباته فإنه يقوم بعملية إحياء لقيم تلك المناسبة مهما كانت صور الإحياء، وهذا ديدن المجتمعات الحية والمتقدمة التي تسعى جاهدة لتخليد ذكرياتها، بل إننا نجد بعض المجتمعات تخلق لها مناسبات اجتماعية ووطنية وتحث وتشجع على إقامة المهرجانات لإحياء تلك المناسبة، لما للمناسبة من ظلال على حيوية المجتمع، وترسيخ لمفاهيم معينة تبتغيها تلك المجتمعات.
وهكذا نحن أتباع أهل البيت فإننا نمتلك رصيداً ضخماً من المناسبات الولائية التي تعتبر روحاً لمجتمعاتنا، ومنارة تنير عقولنا وفكرنا. وما مناسبة ميلاد الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) إلا واحدة من بين المناسبات التي تستحق إقامة المهرجانات الضخمة لما لها من أهمية للهوية الشيعية الأثنى عشرية.
ولكن علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: هل مجرد الاحتفاء بهذه المناسبة يرضي الإمام المنتظر (عج) ونكون من المنتظرين حقاً؟
أعتقد أن هذا العمل يُعد البوابة لذلك، فهو مدخل بسيط يحتاج إلى العمق في الإحياء، فلا يعني الإحياء مجرد ذكر الأسماء وإنما يعني كذلك ترسيخ المفاهيم والقيم التي تحتويها المناسبة، ولكي نكون من المنتظرين حقاً علينا أن نحقق العديد من النقاط منها:
أولاً : دراسة عقيدة وجود الإمام دراسة علمية معتمدة على الأدلة العلمية ومستوحاة من القرآن الكريم وروايات أهل البيت.
فكل فرد منا لابد أن يحيط بهذه العقيدة إحاطة وافية، لما تواجه هذه العقيدة من تشكيكات من بعض المشككين أو إنكار لأصل العقيدة. لهذا يجدر بكل فرد أن يتثقف حول المناسبة بقراءة ما يتسنى له من الكتب المختصة، ويحرص على الإجابة عن جميع الأسئلة المثارة حول هذه العقيدة.
ومن المقترحات في هذا الجانب أن تعقد الدورات التثقيفية قبل حلول المناسبة، وأن يسعى كل رب أسرة أن يرسخ هذه العقيدة في نفوس أبناءه.
ثانياً : استشعار وجود الإمام (عجل الله فرجه)
كما ينبغي علينا أن نتخذ من هذه الليلة منطلقاً للتعاهد مع الإمام بصورة مستمرة. وقد ذكر الإمام الشيرازي رحمه الله في كتابه (الإمام المهدي “عج”) عدة نقاط من شأنها أن تخلق حالة التواصل مع الإمام بصورة دائمة ومستمرة، فمن بين تكاليفنا أيام غيبة الإمام (عج):
- الدعاء للفرج، والثبات على الولاية ففي الحديث عن علي بن الحسين زين العابدين:(من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد).
- إنتظار الفرج ففي رواية عن أبي عبد الله لأحد أصحابه:(من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم(عجل الله تعالى فرجه) في فسطاطه، ثم قال: لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله بالسيف).
- الحزن على غيبة الإمام، والدعاء له(عجل الله تعالى فرجه) بأن يُحفظ من شر شياطين الجن والانس ويعجل الله فرجه وينصره على الكفار والملحدين ومن أشبههم.
- استحباب اعطاء الصدقة عنه(عجل الله تعالى فرجه) ولحفظه.
- يستحب القيام عند سماع اسمه الكريم(عجل الله تعالى فرجه).
وقد انشد دعبل الخزاعي قصيدته التائية على الإمام الرضا ولمّا وصل إلى قوله:
خروج الإمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله بالبركات
قام الإمام الرضا على قدميه وأطرق رأسه إلى الأرض ثم وضع يده اليمنى على رأسه وقال: اللهم عجل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصراً عزيزاً.
كما ينبغي علينا أن نواظب على قراءة الأدعية الخاصة بالإمام (عج) كدعاء العهد الذي يقرأ في كل صباح، ودعاء الندبة الذي يقرأ في يوم الجمعة، وكذلك الإكثار من قراءة دعاء (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن المهدي صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً)
ثالثاً: استخلاص أهم الدروس والعبر من هذه المناسبة
إن كل مناسبة حينما تُقرأ بوعي فإن القارئ يجد فيها كماً هائلاً من الدروس والعبر، ومن بين الدروس التي نستوحيها من هذه المناسبة، ولكي نكون من المنتظرين، وممن يرضي عنهم الإمام المنتظر، أذكر ما يلي:
عيش الأمل واستشراف المستقبل ونبذ اليأس والقنوط
إن من يؤمن بالإمام المنتظر فإنه يحيى حياة مليئة بروح الأمل والتفاؤل، بعيدة عن كل صورة من صور اليأس والقنوط والتشاؤم، ومن يؤمن بالإمام المنتظر فإنه ينظر إلى العالم بروح الانتصار للإسلام وتحقيق العدل وارتفاع راية الحرية على أرجاء هذه المعمورة.
ومن يؤمن بالإمام المنتظر فإنه يصر على تحقيق الانتصار مهما كانت الظروف صعبة أمامه، ومهما كانت إمكانياته المادية، فهو يمتلك أفضل سلاح ألا وهو الأمل بالمستقبل المشرق، وهذا ما رأيناه في جنوب لبنان الذين قهروا الجيش الذي لا يقهر!! ورفعوا راية التحرير بكل فخر دون أن ينتظروا مساعدات دولية أو غيرها وإنما هم من المنتظرين للإمام ولأن قلوبهم تشع بروح الأمل.
وهكذا كل من يؤمن بالإمام المنتظر فإنه لا يعرف لليأس طريقاً، وإنما قلبه يخفق أملاً وروحه تحلقه في آفاق المستقبل المشرق.
بناء الذات وإصلاح الثغرات
كما أن المنتظرون حقاً هم من يقومون ببناء ذواتهم، ويسعون لمعالجة نقاط الضعف في شتى المجالات، فمن يرغب أن يلتحق بـ (أنصار الإمام المهدي) عليه أن يبني نفسه بناءً رصيناً، فلا مجال هناك للضعفاء في التزامهم الديني أو الذين ياخذون من التدين ما يتناسب مع أهوائهم، أو الضعفاء علمياً.
كما أن المنتظرون حقاً هم الذين يعملون على إصلاح علاقاتهم بالآخرين، والتحلي بمكارم الأخلاق.
إن مرحلة الإنتظار إنما هي مرحلة بناء وإعداد الرجال الأكفاء الذين يتميزون عن غيرهم بكفاءتهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية، ولا يتم ذلك إلا عبر وعي الذات وسد الثغرات.
تهذيب السلوك
كما أن المنتظرون حقاً هم الذين يدركون أن جميع أعمالهم تعرض بصورة مستمرة على إمام العصر كما في بعض الروايات، ولهذا فإننا نجد البعض يحرص كل الحرص على أن يلوث شخصيته وصحيفة أعماله بصغائر الذنوب، لأن في ذلك إزعاج للإمام (عج).
إن المنتظرون حقاً هم الذين يهذبون أنفسهم، ويُعدلون سلوكهم، أما من يدعي أنه يحي ليلة الميلاد المباركة ولكنه لا يعكس ذلك الإحياء على سلوكه فإنه يُغضب الإمام (عج)، لأنه يدعي الإنتماء إلى خطه ولكنه يعمل خلاف مبادئ وقيم ذلك الخط.
فحتى يرضى عنا الإمام (عج) ينبغي علينا أن نتحلى بالوعي في عملية الإحياء للميلاد المبارك، وأن نقتبس من هذه المناسبة العظيمة ما يقربنا من إمام العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)1.
- 1. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 19/9/2005م – 2:09 م