الْمُتْعَةُ نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ الكريمُ وَ جَرَتْ بِهَا السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) و هذا أمر ثابت لا نقاش فيه ، و حلال محمدٍ ( صلى الله عليه و آله ) حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة ليس لأحدٍ أن يغيَّره أو يبدّله .
قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ففعلناها مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم ـ و لم ينزل قرآن يحرمه ، و لم يَنْهَ عنها حتّى مات ، قال رجل برأيه ما شاء 1 .
فزواج المتعة زواج شرعي صرح به القرآن الكريم و عمل به صحابة رسول الله صلى الله عليه و آله و المسلمون سنوات عديدة حتى نهى عن ذلك عمر بن الخطاب و عاقب عليها فخاف الناس و تركوها لا لنسخ.
هذا و قد حاول البعض الإدعاء بنسخ آية المتعة بالسُنَّة ، لكن الصحيح أنها لم تُنسخ لا بالقرآن و لا بالسُنة ، و لقد أجاب العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني عن هذه الشبهة بكل تفصيل في كتابه ” الإعتصام بالكتاب و السنة ” ، فقال :
الشبهة الرابعة : إنّ الآية منسوخة بالسنّة ، و اختلفوا في زمن نسخها على أقوال شتّى :
1ـ أُبيحت ثمّ نهي عنها عام خيبر .
2ـ ما أُحلّت إلاّ في عمرة القضاء .
3ـ كانت مباحة و نهي عنها في عام الفتح .
4ـ أُبيحت عام أوطاس ثمّ نهي عنها 2 .
و هذه الأقوال تنفي الثقة بوقوع النسخ ، كما أنّ نسخ القرآن بأخبار الآحاد ممنوع جدّاً ، و قد صحّ عن عمران بن الحصين انّه قال : ” إنّ اللّه أنزل المتعة و ما نسخها بآية أُخرى ، و أمرنا رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ بالمتعة و ما نهانا عنها ، ثمّ قال رجل برأيه ” ، يريد به عمر بن الخطاب .
إنّ الخليفة الثاني لم يدّع النسخ و إنّما أسند التحريم إلى نفسه ، و لو كان هناك ناسخ من اللّه عزّ وجلّ أو من رسوله ، لأسند التحريم إليهما ، و قد استفاض قول عمر و هو على المنبر : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ و أنا أنهى عنهما و أُعاقب عليهما : متعة الحج و متعة النساء .
بل نقل متكلّم الأشاعرة في شرحه على شرح التجريد انّه قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ ، و أنا أنهى عنهنّ ، و أُحرمهنّ ، و أُعاقب عليهنّ ، متعة النساء ، و متعة الحج ، و حيّ على خير العمل 3 .
و قد روي عن ابن عباس ـ و هو من المصرحين بحلّية المتعة و إباحتها ـ في ردِّه على مَنْ حاجَّهُ بنهي أبي بكر و عمر لها ، حيث قال : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ ، و تقولون : قال أبو بكر و عمر .
حتى أنّ ابن عمر لمّا سئل عنها أفتى بالإباحة ، فعارضوه بقول أبيه ، فقال لهم : أمرُ رسول اللّه أحقّ أن يتّبع أم أمرُ عمر ؟
كلّ ذلك يعرب عن أنّه لم يكن هناك نسخ و لا نهي نبوي و إنّما كان تحريماً من جانب الخليفة ، و هو في حدّ ذاته يعتبر اجتهاداً قبالة النص الواضح ، و أنّه ما انفك يعلن جملة من الصحابة رفضهم له و عدم إذعانهم لأمره ، و إذا كان الخليفة قد اجتهد لأسباب رآها و أفتى على أساسها فكان الأولى بمن لحقوه أن يتنبّهوا لهذا الأمر لا أن يسرفوا في تسويغه دون حجة و لا دليل .
المنكرون للتحريم
ذكرنا أنّ لفيفاً من وجوه الصحابة والتابعين أنكروا هذا التحريم ولم يقروا به ، و منهم :
1ـ علي أمير المؤمنين ، في ما أخرجه الطبري بالإسناد إليه أنّه قال: ” لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ ” 4 .
2ـ عبد اللّه بن عمر ، أخرج الإمام أحمد من حديث عبد اللّه بن عمر ، قال ـ و قد سئل عن متعة النساء ـ : واللّه ما كنّا على عهد رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ زانين و لا مسافحين ، ثمّ قال : واللّه لقد سمعت رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ يقول: ” ليكوننّ قبل يوم القيامة المسيح الدجّال و كذّابون ثلاثون و أكثر ” 5 .
3ـ عبد اللّه بن مسعود ، روى البخاري عن عبد اللّه بن مسعود ، قال : كنّا نغزو مع رسول اللّه و ليس لنا شيء ، فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل معيّن ، ثمّ قرأ علينا : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ 6 ، 7 .
4ـ عمران بن حصين ، أخرج البخاري في صحيحه عنه ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ففعلناها مع رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ ، و لم ينزل قرآن يحرّمها و لم ينه عنها حتى مات . قال رجل برأيه ما شاء 8 .
أخرج أحمد في مسنده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب اللّه و عملنا بها مع رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ ، فلم تنزل آية تمنعها ، و لم ينه عنها النبيّ _ صلى الله عليه و آله و سلم _ حتى مات 9 .
5ـ كما أنّ الخليفة العباسي المأمون أوشك أن ينادي في أيام حكمه بتحليل المتعة إلاّ أنّه توقّف خوفاً من الفتنة و تفرّق المسلمين .
قال ابن خلّكان ، نقلاً عن محمّد بن منصور : قال : كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فقال يحيى بن أكثم لي و لأبي العيناء : بكّرا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا ، و إلاّ فاسكتا إلى أن أدخل ، قال : فدخلنا عليه و هو يستاك و يقول و هو مغتاظ : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ و على عهد أبي بكر ـ رضي اللّه عنه ـ و أنا أنهى عنهما ، و من أنت يا جُعَل حتى تنهى عمّـا فعله رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ و أبو بكر ـ رضي اللّه عنه ـ ؟!
فأومأ أبو العيناء إلى محمّد بن منصور و قال : رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلّمه نحن ؟ فأمسكنا .
فجاء يحيى بن أكثم فجلس و جلسنا ، فقال المأمون ليحيى : ما لي أراك متغيّراً ؟
فقال : هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام ، قال : و ما حدث فيه ؟
قال : النداء بتحليل الزنى .
قال : الزنى ؟
قال : نعم ، المتعة زنا .
قال : و من أين قلت هذا ؟
قال : من كتاب اللّه عزّ وجلّ ، و حديث رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ ، قال اللّه تعالى : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ 10 إلى قوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ 11 يا أمير المؤمنين زوج المتعة ملك يمين ؟
قال : لا .
قال : فهي الزوجة التي عند اللّه ترث و تورث و تلحق الولد و لها شرائطها ؟
قال : لا .
قال : فقد صار متجاوز هذين ، من العادين 12 .
أقول : هل عزب عن ابن أكثم ـ و قد كان ممّن يكنّ العداء لآل البيت ـ أنّ المتعة داخلة في قوله سبحانه: ” إلاّ على أزواجهم ” و انّ عدم الوراثة تخصيص في الحكم ، و هو لا ينافي ثبوتها ، و كم لها من نظير ، فالكافرة لا ترث الزوج المسلم ، و بالعكس ، كما أنّ القاتلة لا ترث و هكذا العكس ، و أمّا الولد فيلحق قطعاً ، و نفي اللحوق ناشئ إما من الجهل بحكمها أو التجاهل به .
و ما أقبح كلامه حيث فسّـر المتعة بالزنى و قد أصفقت الا َُمّة على تحليلها في عصر الرسول و الخليفة الاَوّل ، أفيحسب ابن أكثم أنّ الرسول _ صلى الله عليه و آله و سلم _ حلّل الزنى و لو مدَّة قصيرة .
و هناك روايات مأثورة عن الخليفة نفسه ، تعرب عن أنّ التحريم كان صميم رأيه ، من دون استناد إلى آية أو رواية .
فقد روى مسلم في صحيحه : عن ابن أبي نضرة قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، و كان ابن الزبير ينهى عنها ، فذكر ذلك لجابر ، فقال : على يدي دار الحديث : تمتّعنا مع رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ فلمّا قام عمر قال : إنّ اللّه كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، فأتمّوا الحجّ و العمرة و أبتّوا نكاح هذه النساء ، فلئِن أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة 13 .
و روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي نضرة قال : قلت لجابر : إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة ، و انّ ابن عباس يأمر بها ، فقال لي : على يدي جرى الحديث : تمتّعنا مع رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ و مع أبي بكر ، فلمّا وُلّي عمر خَطَبَ الناس فقال : إنّ القرآن هو القرآن ، و إنّ رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ هو الرسول ، و إنّهما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه _ صلى الله عليه و آله و سلم _ إحداهما متعة الحج و الأخرى متعة النساء 14 .
و هذه المأثورات تعرب جملة من الملاحـظات نجملها بملاحظتين اثنتين :
أوّلاً: إنّ المتعة كانت باقية على الحلّ إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، و بقيت لوقت في أيامه حتى نهى عنها و منع .
و ثانياً : إنّه باجتهاده قام بتحريم ما أحلّه الكتاب و السنّة ، و من المعلوم انّ اجتهاده ـ لو صحّت تسميته بالاِجتهاد ـ حجّة على نفسه لا على غيره .
و في الختام نقول :
إنّ الجهل بفقه الشيعة أدّى بكثير من الكتّاب إلى التقوّل على الشيعة ، و خصوصاً في مسألة المتعة التي نحن بصدد الحديث عنها ، برميهم بآراء و أحكام ، يدلّ على جهل مطبق أو خبث سريرة لا يدمغ ، و من هذه الأقوال : إنّ من أحكام المتعة عند الشيعة أنّه لا نصيب للولد من ميراث أبيه ، و أنّ المتمتَّع بها لا عدّة لها ، و أنّها تستطيع أن تنتقل من رجل إلى رجل إن شاءت . و من أجل هذا استقبحوا المتعة و استنكروها و شنَّعوا على من أباحها .
و قد خفي الواقع على هؤلاء . و انّ المتعة عند الشيعة كالزواج الدائم لا تتم إلاّ بالعقد الدال على قصد الزواج صراحة ، و انّ المتمتَّع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع ، و انّ ولدها كالولد من الدائمة من وجوب التوارث ، و الإنفاق و سائر الحقوق المادية ، و انّ عليها أن تعتدّ بعد انتهاء الأجل مع الدخول بها ، و إذا مات زوجها و هي في عصمته اعتدّت كالدائمة من غير تفاوت ، إلى غير ذلك من الآثار 15 .
على أنّ الأمر الذي ينبغي الالتفات إليه وإدراكه بوضوح، انّ الشيعة رغم إدراكهم و إيمانهم بحلّية زواج المتعة و عدم تحريمه ـ و هو ما يعلنون عنه صراحة و دون تردد ـ إلاّ أنّهم لا يلجأون إلى هذا الزواج إلاّ في حدود ضيّقة و خاصة ، و ليس كما يصوّره و يتصوّره البعض من كونه ظاهرة متفشية في مجتمعهم و بشكل مستهجن ممجوج 16 .
- 1. صحيح البخاري : 6 / 33 .
- 2. لاحظ للوقوف على مصادر هذه الأقوال مسائل فقهية : لشرف ادين : 63ـ64 ، الغدير : 6/225 ، أصل الشيعة و أُصولها : 171 ، و الأقوال في النسخ أكثر مما جاء في المتن .
- 3. مفاتيح الغيب : 10/52ـ53 ، القوشجي : شرح التجريد : 484 طبع إيران .
- 4. الطبري : التفسير : 5 / 9 .
- 5. مسند أحمد : 2 / 95 .
- 6. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 87 ، الصفحة : 122 .
- 7. البخاري : الصحيح : 7 / 4 ، كتاب النكاح ، الباب 8 ، الحديث 3 .
- 8. البخاري : الصحيح : 6 / 27 ، كتاب التفسير ، تفسير قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } من سورة البقرة .
- 9. أحمد : المسند : لاحظ مسائل فقهية للسيد شرف الدين : 70 .
- 10. القران الكريم : سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 342 .
- 11. القران الكريم : سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآيات : 5 – 7 ، الصفحة : 342 .
- 12. ابن خلكان : وفيات الأعيان : 6 / 149 ـ 150 .
- 13. مسلم : الصحيح : 4 / 130 ، باب نكاح المتعة ، الحديث : 8 ، طبع محمد علي صبيح .
- 14. أحمد : المسند : 1 / 52 .
- 15. الإثنا عشرية و أهل البيت : 46 ، تأليف مغنية .
- 16. لمزيد من التفصبل يمكنك مراجعة كتاب : الإعتصام بالكتاب و السنة : 124 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) .