خمسة امور اساسية حول متعة النساء
” المبحث الثاني ” في المتعة أعني متعة النساء ، والكلام هنا يقع في خمسة امور .
الامر الاول في تحرير محل النزاع فيها
فنقول : محل النزاع بين الشيعة والسنة هنا انما هو في ان تزوجك المرأة الحرة الكاملة المسلمة أو الكتابية نفسها ، حيث لا يكون لك مانع فيدين الاسلام عن نكاحها ، من نسب أو سبب أو رضاع أو احصان أو عدة أو غير ذلك من الموانع الشرعية ككونها معقودا عليها لأبيك ، أو كونها اختا لزوجتك مثلا ، أو نحو ذلك ، تزوجك هذه نفسها بمهر مسمى إلى اجل مسمى بعد نكاح جامع لشرائط الصحة الشرعية ، فتقول لك ـ بعد تبادل الرضا والاتفاق بينكما ـ : زوجتك أو انكحتك أو متعتك نفسي بمهر قدره كذا يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين أو سنة أو سنتين مثلا ، أو تذكر مدة معينة على الضبط فتقول ـ انت لها على الفور ـ : قبلت .
وتجوز الوكالة في هذا العقد كغيره من العقود ، وبتمامه تكون زوجة لك ، وأنت تكون زوجا لها إلى منتهى الأجل المسمى في العقد ، وبمجرد انتهائه تبين من غير طلاق كالاجارة ، وللزوج فراقها قبل انتهائه بهبة المدة المعينة لا بالطلاق ، عملا بالنصوص الخاصة الحاكمة بذلك ، ويجب عليها مع الدخول وعدم بلوغها سن اليأس ان تعتد بعد هبة المدة أو انقضائها بقرأين ، إذا كانت ممن تحيض ، والا فبخمس وأربعين يوما كالأمة ، عملا بالادلة الخاصة ايضا ، فإذا وهبها المدة أو انقضت قبل ان يمسها فما له عليها من عدة ، كالمطلقة قبل المس ، ولا عدة على من بلغت سن اليأس كالمطلقة ايضا ، وأولات الأحمال في المتعة اجلهن ان يضعن حملهن كالمطلقات ، اما عدة المتوفى عنها زوجها في نكاح المتعة فهي عدة المتوفى عنها زوجها في النكاح الدائم مطلقا 1 .
وولد المتعة ذكرا كان أو انثى يلحق ـ كغيره من الابناء ـ بأبيه ، ولا يدعى الا له ، ادعوهم لآبائهم ، وله من الارث ما أوصانا به الله سبحانه حيث يقول ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ … ﴾ 2 ولا فرق بين ولديك المولود احدهما منها والآخر من النكاح المألوف بين عامة المسلمين ، وجميع العمومات الشرعية الواردة في الابناء والآباء والامهات شاملة لأبناء المتعة وآبائهم وأمهاتهم ، وكذا القول في العمومات الواردة في الاخوة والأخوات وأبنائهما ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات وأبنائهم ﴿ … وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ … ﴾ 3مطلقا . نعم نكاح المتعة لا يوجب توارثا بين الزوجين نفسهما ، ولا ليلة ولا نفقة للمتمتع بها ، وللزوج ان يعزل عنها عملا بالادلة الخاصة المخصصة للعمومات الواردة في احكام الزوجات .
هذه هي متعة النساء التي فهم الامامية من الكتاب والسنة دوام اباحتها ، واهل المذاهب الاربعة يعترفون بان الله تعالى شرعها في دين الاسلام ، لكنهم يعتقدون نسخها وتحريمها ، وليس عندنا متعة نساء غيرها بحكم الضرورة من مذهبنا المدون في الالوف من مصنفات علمائنا المنتشرة في اكثر بلاد الإسلام .
الامر الثاني
في اصل مشروعية المتعة ، يجب ان يعلم ان هذا القدر ثابت بإجماع المسلمين ، وبالكتاب الحكيم ، وبالسنة المقدسة .
اما الإجماع فلان أهل القبلة كافة ، متفقون على ان الله تعالى شرع متعة النساء في دين الاسلام ، بحيث لا ريب في ذلك لأحد من أهل المذاهب الإسلامية على اختلافهم في المشارب والآراء ، بل لعل هذا ملحق ـ عند اهل العلم ـ بالضروريات الثابتة عن سيد النبيين صلى الله عليه وآله فلا ينكره احد من المسلمين مطلقا .
واما الكتاب فقوله تعالى في ـ سورة النساء ـ ﴿ … فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ … ﴾ 4حتى ان كلا من أبي بن كعب ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، وغيرهم كانوا يقرأونها ( فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى ) اخرج ذلك عنهم الامام الطبري في تفسير الآية من اوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير ، ورواه عنهم وعن ابن مسعود جماعة كثيرون من اثبات الامة وحفظتها 5 لا يسعنا استقصاؤهم ، وصرح عمران بن حصين الصحابي بنزول هذه الآية في المتعة ، وانها لم تنسخ حتى قال رجل برأيه ما شاء 6 ونص على نزول الآية في المتعة مجاهد ايضا فيما اخرجه عنه الطبري في تفسيره الكبير 7 ويشهد لنزول الآية في متعة النساء ان الله سبحانه قد أبان في اوائل السورة حكم النكاح الدائم بقوله عز من قائل ﴿ … فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ … ﴾8إلى ان قال ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً … ﴾ 9فلو كانت هذه الآية في بيان الدائم ايضا للزم التكرار في سورة واحدة ، اما إذا كانت لبيان المتعة فانها تكون لبيان معنى جديد ، وأولو الالباب ممن تدبروا القرآن الحكيم يعلمون ان سورة النساء قد اشتملت على بيان الانكحة الإسلامية كلها ، فالدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالى ﴿ … فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ … ﴾ 8ونكاح الاماء مبين بقوله تعالى ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ … ﴾ 10إلى آخر ما شرع من احكامهن ، والمتعة مبينة بآيتها ﴿ … فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً … ﴾ 4.
واما السنة فنصوصها في مشروعية المتعة متواترة ، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة ، وقد اخرج الشيخان في اصل مشروعيتها احاديث في صحيحيهما كثيرة ، عن كل من سلمة ابن الاكوع ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وسبرة بن معبد ، وابي ذر الغفاري ، وعمران بن حصين ، والاكوع بن عبد الله الاسلمي .
واخرجها احمد بن حنبل في مسنده من حديث هؤلاء كلهم ، ومن حديث عمر ، وحديث ابنه عبد الله .
واخرج مسلم في باب نكاح المتعة من كتاب النكاح من الجزء الاول من صحيحه عن جابر بن عبد الله ، وسلمة بن الاكوع ، قالا : خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ان رسول الله اذن لكم ان تستمتعوا يعني متعة النساء انتهى بلفظه ، والصحاح في هذا المعنى اكثر من ان تستقصى في هذا الاملاء .
الامر الثالث
في دوام حلها ، وهو مذهب ائمتنا الاثني عشر وأوليائهم عليهم السلام ، وحسبك حجة لهم ما قد سمعته من اجماع اهل القبلة على ان الله شرعها في دينه القويم ، واذن في الاذن بها منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يثبت نسخها عن الله تعالى ، ولا عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انقطع الوحي باختيار الله تعالى لنبيه دار كرامته ، بل ثبت عدم نسخها بحكم صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة ، فراجعها في مظانها من حديث الشيعة ، على ان في صحاح اهل السنة ما تتم به الحجة ، واليك لمعة منها بعين الفاظهم .
اخرج مسلم في باب نكاح المتعة من صحيحه 11 عن عطاء قال : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن اشياء ، ثم ذكروا المتعة فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وابي بكر وعمر اه .
واخرج مسلم في الباب المذكور ايضا عن ابي الزبير ، قال : سمعت جابر ابن عبد الله يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الايام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وابي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث اه .
واخرج في الباب المذكور ايضا عن ابي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت ، فقال : ان ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ـ متعة الحج ومتعة النساء ـ فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما 12
والاخبار في هذا لا تستقصى ، ويعجبني قول بعضهم :
ان التـمتع سـنـة مشـروعـة *** صدع الكتاب بها وسنة احمد ـ
و روى المخالف ان ذلك قد جرى *** زمن النبي و بعـد فقد محمد ـ
ثم استمر الامـر في تحـليـلهـا *** إذ صح ذلك بالحديث المسند ـ
عن جابر وعن ابن مسـعود و في *** نـص ابن عباس كريم المولد ـ
حتى نهـى رجـل بغـير دلالـة *** عنها فكدر صفو ذاك المورد –
الامر الرابع
فيما زعموه من نسخها ، وقد امعنا النظر في الأحاديث التي تشبثوا بها ، فإذا هي أحاديث ملفقة وضعها المتأخرون عن زمن الصحابة تصحيحا لرأي من حرمها ، وقد استقصيناها في رسالتنا الموسومة بالنجعة في أحكام المتعة ، فأثبتنا من طريق خصومنا تضعيف تلك الأحاديث ، وان أخرجها البخاري ومسلم ، ونقلنا كلمات البعض من أئمتهم في الجرح والتعديل الدالة على ذلك ، على ان تلك الأحاديث الملفقة تناقض صحاحنا المتواترة من طريق العترة الطاهرة ، بل تناقض ما سمعته وما ستسمعه من صحاحهم الدالة على عدم نسخها ، بل تناقض نفسها بنفسها كما فصلناه في النجعة تفصيلا ، وقد سمعت نص جابر على ان التحريم والنهي انما كان من عمر في بادرة ابن حريث ، وستسمع كلام عمران بن حصين ، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وامير المؤمنين ، فتراه صريحا بان التحريم لم يكن بناسخ شرعي ، وانما كان بنهي عمر ، ومحال ان يكون هناك ناسخ يجهلونه ، وهم من علمت منزلتهم من رسول الله ، وملازمتهم اياه ، وحرصهم على اخذ العلم منه ، على انه لو كان ثمة ناسخ لنبههم إليه بعض المطلعين عليه ، وحيث لم يعارضهم احد فيما كانوا ينسبونه من التحريم إلى عمر علمنا انهم اجمع معترفون بذلك مقرون بان لا ناسخ من الله تعالى ، ولا من رسوله على ان عمر نفسه لم يدع النسخ كما ستسمعه من كلامه الصريح في اسناد التحريم والنهي إلى نفسه ، ولو كان هناك ناسخ من الله أو من رسوله لأسند التحريم إلى الله تعالى أو إلى الرسول فان ذلك ابلغ في الزجر ، وأولى بالذكر .
فصل
ومن غريب الأمور دعوى بعضهم النسخ بقوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ … ﴾ 13بزعم انها ليست بزوجة ولا ملك يمين ، قالوا اما كونها ليست بملك يمين فمسلم ، واما كونها ليست بزوجة فلانها لا نفقة لها ولا ارث ولا ليلة .
والجواب : انها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي ، اما عدم النفقة والإرث والليلة فانما هو دلالة خاصة تخصص العمومات الواردة في احكام الزوجات كما بيناه في الامر الاول ، على ان هذه الآية مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق ، فلا يمكن ان تكون ناسخة لإباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالإجماع .
ومن عجيب امر هؤلاء المتكلفين ان يقولوا بان آية المؤمنون ناسخة لمتعة النساء إذ ليست بزوجة ولا ملك يمين ، فإذا قلنا لهم ولم لا تكون ناسخة لنكاح الاماء المملوكات لغير الناكح ، وهن لسن بزوجات للنكاح ولا بملك له ، قالوا حينئذ ان آية المؤمنون مكية ، ونكاح الاماء المذكورات انما شرع بقوله تعالى ـ في سورة النساء وهي مدنية ـ ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ … ﴾ 10الآية ، والمكي لا يكون ناسخا للمدني لوجوب تقدم المنسوخ على الناسخ ، يقولون هذا القول وينسون ان المتعة انما شرعت في المدينة ، وان آيتها في سورة النساء أيضا ، وهي قوله عز من قائل : ﴿ … فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ … ﴾ 4وقد منينا بقوم لا يتدبرون ، فانا لله وانا إليه راجعون .
الامر الخامس
في يسير من السنن الدالة على ان التحريم انما كان تأولا من الخليفة الثاني .
اخرج مسلم في باب المتعة بالحج والعمرة من صحيحه 14 بالاسناد إلى ابي نضرة قال :
كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، فذكرت ذلك لجابر ، فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قام عمر قال : ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، فأتموا الحج والعمرة وأبتوا نكاح هذه النساء ، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل الا رجمته بالحجارة .
واخرج الامام احمد في مسنده 15 من حديث عمر بالاسناد إلى ابي نضرة ، قال : قلت لجابر بن عبد الله ان ابن الزبير ينهى عن المتعة ، وان ابن عباس يأمر بها ، فقال لي : على يدي جرى الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع ابي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال : ان القرآن هو القرآن ، وان رسول الله هو الرسول ، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله احدهما متعة الحج والاخرى متعة النساء اه .
وهذا كما ترى صريح فصيح ، ولا تنس ما أوردناه في الامر الثالث من حديث جابر فانه صريح فصيح ايضا .
وقد استفاض قول الخليفة الثاني وهو على المنبر : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا انهى عنهما واعاقب عليهما ، متعة الحج ، ومتعة النساء حتى نقل الرازي هذا القول عنه محتجا به على تحريم متعة النساء ، فراجع تفسير آيتها من تفسيره الكبير .
والذي نقله متكلم الأشاعرة ، وحكيم اهل السنة الامام القوشجي في اواخر مبحث الامامة من شرح التجريد : ان الخليفة الثاني قال وهو على المنبر : ايها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله وانا انهى عنهن واحرمهن واعاقب عليهن ، متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل ، ثم اعتذر بان هذا انما كان منه عن تأول واجتهاد .
قلت : والأخبار في هذا مما يضيق عنه وسع هذه الرسالة ، وقد استمتع في ايام عمر ، ربيعة بن امية ابن خلف القرشي اخو صفوان فيما اخرجه مالك ـ في باب نكاح المتعة من موطئه ـ عن عروة بن الزبير ، قال : ان خولة بنت حكيم السلمية دخلت على عمر فقالت : ان ربيعة بن امية استمتع بامرأة فحملت منه ، فخرج عمر يجر رداءه فقال : هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت اه ، اي لو كنت تقدمت في تحريمها والانذار برجم فاعلها قبل هذا لرجمت ، إذ كان هذا القول منه قبل نهيه عنها ، نص على ذلك ابن عبد البر كما في شرح الزرقاني لهذا الحديث من موطأ مالك ، ولا يخفى ان هذا الكلام منه ظاهر في ان التصرف في حكمها انما هو منه لا من سواه ، وخطبته تلك على المنبر نص صريح بذلك 16 .
الامر السادس
في الاشارة إلى من تسنى لهم ان يبيحوا ببعض ما في نفوسهم من استنكار تحريمها وهم كثيرون ، فمنهم امير المؤمنين علي عليه السلام فيما اخرجه الامامان الثعلبي والطبري عند بلوغهما إلى آية المتعة من تفسيريهما الكبيرين ، حيث اخرجه بالاسناد إلى علي قال : لولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي ، وهذا متواتر عنه من طريق ابنائه الميامين 17 ومنهم عبد الله بن العباس إذ قال : ما كانت المتعة الا .
رحمة رحم الله بها امة محمد صلى الله عليه وآله لولا نهيه ـ يعني عمر ـ عنها ما احتاج إلى الزنى الا شقي اه .
اي الا قليل من الناس كما فسرها ابن الاثير في مادة شفى من النهاية ، وكان ابن عباس يجاهر باباحتها ، وله في ذلك مع ابن الزبير ـ حتى في ايام امارته ـ نوادر يطول المقام بذكرها 18 .
وحسبك منها ما اخرجه مسلم عن ابي نضرة وقد سمعته في الامر الثالث وفي الامر الخامس فراجع .
ومنهم جابر بن عبد الله الانصاري وقد سمعت حديثه في الامر الثالث وفي الامر الخامس فراجع .
ومنهم عبد الله بن عمر كما هو ثابت عنه ، اخرج الامام احمد في ص 95 من الجزء الثالث من مسنده من حديث عبد الله بن عمر قال : سأل رجل ابن عمر عن متعة النساء فقال : والله ما كنا على عهد رسول الله زانين ولا مسافحين .
ثم قال : والله لقد سمعت رسول الله يقول : ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال ، وكذابون ثلاثون أو اكثر ، وسئل مرة اخرى 19 عن متعة النساء فقال : هي حلال ، فقيل له : ان اباك نهى عنها ، فقال : أرأيت ان كان ابي نهى عنها وصنعها رسول الله أنترك السنة ونتبع قول ابي ؟ اه .
ومنهم عبد الله بن مسعود كما هو معلوم عنه ، وقد اخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ للاول 20 عن عبد الله ـ بن مسعود ـ قال : كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شئ ، فقلنا : الا نستخصي فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب ، ثم قرأ علينا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ 21اه
قلت : لا يخفى ان استشهاده بالآية دليل على اباحتها كما صرح به شراح الصحيحين .
ومنهم عمران بن حصين فيما صح عنه ، وقد نقل الرازي 22 عنه انه قال : انزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية اخرى ، وامرنا رسول الله بالمتعة وما نهانا عنها ، ثم قال رجل برأيه ما شاء ” قال الرازي ” يريد عمر اه .
واخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله ، ولم ينزل قرآن يحرمها ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء .
واخرج احمد 23 في مسنده من طريق عمران القصير عن ابي رجاء عن عمران ابن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات صلى الله عليه وآله وسلم . وامر المأمون ايام خلافته فنودي بتحليل المتعة ، فدخل عليه محمد بن منصور وابو العيناء ، فوجداه يستاك ويقول 24 متغيظ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعلى عهد ابي بكر وانا أنهى عنهما .
( قال ) : ومن انت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله وابو بكر فأراد محمد بن منصور ان يكلمه فأومأ إليه ابو العيناء ، وقال : رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن ؟
فلم يكلماه ، ودخل عليه يحيى بن اكثم فخلا به وخوفه من الفتنة ، وذكر له : ان الناس يرونه قد احدث في الاسلام ـ بهذا النداء ـ حدثا عظيما يسئ الخاصة 25 ويثير العامة إذ لا فرق عندهم بين النداء بإباحة المتعة ، والنداء بإباحة الزنا ، ولم يزل به حتى صرف عزيمته ، اشفاقا على ملكه ونفسه .
وممن اباح المتعة وعملها من اعلام الامة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح ابو خالد المكي المولود سنة ثمانين ، والمتوفى سنة تسع واربعين ومئة ، وقد ترجمه ابن خلكان في وفياته ، وابن سعد في طبقاته 26 وهو ممن احتجوا به في الصحاح 27 وترجمه الذهبي في ميزاته فذكر انه تزوج نحوا من تسعين امرأة نكاح المتعة ، وانه كان يرى الرخصة في ذلك
( قال ) : وكان فقيه اهل مكة في زمانه 28 .
- 1. يعني سواء كانت مدخولا بها أو لا ، وسواء كانت يائسا أو لا ، وسواء كانت حبلى أو لا إذ على غير الحبلى ان تعتد بأربعة أشهر وعشر ، حتى إذا لو كانت يائسا وغير مدخول بها ، وعلى الحبلى ان تعتد بأبعد الأجلين من مضي المدة المذكورة ووضع الحمل ، فزوجة المتعة في عدة الوفاة كالزوجة في النكاح الدائم لا فرق بينهما .
- 2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 11، الصفحة: 78.
- 3. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 75، الصفحة: 186.
- 4. a. b. c. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 24، الصفحة: 82.
- 5. حتى ارسل الزمخشري في كشافه هذه القراءة عن ابن عباس ارسال المسلمات ، والرازي ذكر في تفسير الآية انه روى عن ابي بن كعب انه كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن اجورهن .
( قال ) : وهذا ايضا هو قراءة ابن عباس .
( قال ) : والامة ما انكروا عليهما في هذه القراءة ” قال ” : فكان ذلك اجماعا من الامة على صحة هذه القراءة قلت : هذا كلامه بلفظه فراجعه في ص 201 من الجزء 3 من تفسيره الكبير . ونقل القاضي عياض عن المازري ـ كما في اول باب نكاح المتعة من شرح صحيح مسلم للنووي ـ ان ابن مسعود قرأ ” فما استمتعتم به منهن إلى اجل ” والاخبار في ذلك كثيرة . - 6. ستقف على كلام عمران في الأمر السادس من الأمور المتعلقة بالمتعة .
- 7. راجع الصفحة 9 من جزئه الخامس .
- 8. a. b. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 3، الصفحة: 77.
- 9. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 4، الصفحة: 77.
- 10. a. b. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 25، الصفحة: 82.
- 11. في ص 535 من جزئه الاول .
- 12. اوردنا احاديث جابر هذه في ص 58 من فصولنا المهمة وتكلمنا فيها بما يجدر بالباحثين ان يقفوا عليه .
- 13. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 5 و 6، الصفحة: 342.
- 14. في ص 467 من جزئه الاول .
- 15. ص 52 من الجزء الاول .
- 16. وقد قال العسكري ـ فيما نقله عن السيوطي في احوال عمر من كتابه تاريخ الخلفاء ـ : هو اول من سمي امير المؤمنين ، واول من كتب التاريخ من الهجرة ، واول من اتخذ بيت المال ، واول من سن قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ واول من عس بالليل ، واول من عاقب على الهجاء ، واول من ضرب في الخمر ثمانين ، واول من حرم المتعة الخ والذين صرحوا بهذا من اثبات الامة لا تحيط بهم هذه العجالة .
- 17. وقد نقله الرازي في ص 200 من الجزء 3 من تفسيره .
- 18. ألفتك إلى ما اورده منها علامة المعتزلة في ص 489 من المجلد 4 من شرح نهج البلاغة حيث ترجم ابن الزبير اثناء شرحه لقول امير المؤمنين ما زال الزبير منا اهل البيت حتى نشأ ابنه المشوم .
- 19. كما نقله العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني في روضته البهية عن صحيح الترمذي .
- 20. في الصفحة الثانية أو الثالثة من كتاب النكاح فراجع .
- 21. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 87، الصفحة: 122.
- 22. اثناء بحثه عن حكم متعة النساء في تفسير آيتها من تفسيره الكبير .
- 23. في ص 436 من جزئه الرابع واخرج ايضا مثله في ص 438 من الجزء الرابع من طريق حميد عن الحسن عن عمران .
- 24. فيما نقله ابن خلكان في ترجمة يحيى بن اكثم من وفيات الاعيان لكنه لم ينقل حديث يحيى مع المأمون على وجهه والثابت ما نقلناه .
- 25. يدل على ذلك قول ابي حنيفة وقد قيل له مالك لا تروي عن عطاء ؟ فقال لاني رأيته يفتي بالمتعة روى ذلك عنه ابن عبد البر في باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض من كتابه ـ جامع بيان العلم ـ فراجع من مختصره ص 196 .
- 26. راجع ص 361 من جزئها الخامس .
- 27. وترجمه ابن القيسراني في ص 314 من كتابه الجمع بين رجال صحيحي البخاري ومسلم .
- 28. أجوبة مسائل جار الله ، بقلم سماحة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، الطبعة الثانية 1373 ه مطبعة العرفان ـ صيدا . 1953 م ، ص 103 ـ 123 .