الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب لا إله إلا هو إليه المصير والصلاة والسلام على خير ما خلق في الوجود والطريق المستقيم الى المعبود نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى اهل بيته (عليهم افضل الصلاة والسلام) …
أما بعد…
الله سبحانه وتعالى جعل لشهر رمضان المبارك مرتبة خصيصة للطاعة والعبادة واجتناب المحرمات والصبر على الجوع والعطش والتوجه الى الله بقلب سليم، وهو محطة تشحذ النفس الإنسانية بسمات الدين ومبادئه، ليقترب العبد المؤمن من ربه، كما امتازت لياليه بأنها افضل الليالي وأخص بالذكر الليلة التي تعد خير من ألف شهر وهي ليالي القدر المباركة حيث تحدث القرآن الكريم عن محتواها وما يجري فيها بقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[1].
فمنزلة هذه الليلة تكمن عن طريق مضاعفة الثواب والأجر لأي عمل يقوم به الإنسان فيها، خالص لوجه الله تعالى وهي ليلة شريفة تُقدّر فيها أرزاق العباد وآجالهم، وسائر أمور الناس خيرهم وشرّهم، وفيها نزل القرآن، وإنه سبحانه يقبل توبة العباد ولو كانت بعدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ومكاييل البحار، حيث تفتح أبواب السماء لاستجابة الدعاء في تلك الليلة؛ فعن النبي (صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال: (تفتح أبواب السماء في ليلة القدر، فما من عبد يصلّي فيها إلاّ كتب الله له بكل سجدة شجرة في الجنّة، لو يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها، وبكلّ ركعة بيتاً في الجنّة من دُر وياقوت وزبرجد، الحديث وهو طويل يشتمل على ثواب جزيل)[2].
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: قال موسى (عليه السلام): (إلهي اريد قربك قال قربى لمن استيقظ ليله القدر. قال إلهي اريد رحمتك. قال رحمتي لمن رحم المساكين ليله القدر. قال إلهي اريد الجواز على الصراط، قال ذلك لمن تصدق بصدقه في ليله القدر. قال إلهي اريد من اشجار الجنة وثمارها، قال ذلك لمن سبح تسبيحه في ليله القدر، قال إلهي اريد النجوة. قال النجوة من النار؟ قال نعم. قال ذلك لمن استغفر في ليله القدر. قال إلهي اريد رضاك قال رضائي لمن صلى ركعتين في ليله القدر)[3].
فالصلاة لهذه الليلة تكون باب الى رضا الله عز وجل ووسيلة لقبول التوبة لما لها من قدسية كونها ليلة تنزل الملائكة تسلم وتصافح كل مؤمن محيي ليلة القدر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا كانت ليلة القدر، يأمر الله جبرئيل فيهبط إلى الارض في كبكبة[4] من الملائكة، ومعه لواء الحمد الاخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة، وله ستمائة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة، فيجاوزان المشرق والمغرب، ويبث جبرئيل الملائكة في هذه الليلة، فيسلمون على كل قاعد وقائم، وذاكر ومصل، ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم، حتى يطلع الفجر)[5].
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، ينزل فيها ما يكون في السنة إلى مثلها، من خير، أو شر، أو رزق، أو أمر، أو موت، أو حياة، ويكتب فهيا وفد مكة، فمن كان في تلك السنة مكتوبا، لم يستطع أن يحبس، وإن كان فقيرا مريضا، ومن لم يكن فيها مكتوبا، لم يستطع أن يحج، وإن كان غنيا صحيحا)[6].
وفي هذه الليالي العظيمة وقع الحدث الذي تزلزلت معه أركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى، ففي الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين هجرية ارتجت الكوفة بأهلها إذ استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فنادى جبرائيل في السماء (تهدمت والله أركان الهدى قتل عليٌ المرتضى، قتله أشقى الأشقياء..) فبكى عليه الملأ الأعلى كما بكى عليه أهل الأرض، حيث استشهد الإمام علي المرتضى (عليه السلام) أمير المؤمنين ومولى المتقين وسيد الموحدين، في محراب صلاته غدراً على يد اشقى الاولين والاخرين ابن ملجم المرادي، فأوصى أن يدفن ليلا بلا علم من أحد، وأمر بأن يعفى موضع قبره، لذلك لم يحضر دفنه إلا أولاده وخواص شيعته، فسلام على من ولد في اطهر مكان وهي الكعبة واستشهد في اطهر موضع وهو محراب الصلاة وفي أفضل شهر وهو شهر رمضان وأفضل الليالي وهي ليالي القدر.
الهوامش:
[1] – سورة الفجر: الآيات 1-5.
[2] – بحار الانوار: العلامة المجلسي: 95/145.
[3] – وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي: 8/20
[4] – الكبكبة: جماعة متضامة من الناس وغيرهم. (مجمع البحرين (كبب): 2/151).
[5] النوادر، فضل الله الراوندي: 158.
[6] – مستدرك الوسائل، الطبرسي: 7/457.
المصدر: http://inahj.org