الملاحظ بصورة عامة على معظم الأدبيات الإسلامية في قضايا المرأة أنها تكرر نفسها، وتعيد إنتاج ما تطرحه بمستويات متفاوتة، وليس بتراكم متصاعد. لهذا فإن التجديد والتطوير في هذه الأدبيات يعد ضئيلاً ومحدوداً. مع أن البدايات المبكرة لهذه الكتابات كان من الممكن لبعضها على الأقل أن تدفع باتجاهات التجديد والتطوير خصوصاً في القضايا والمجالات التي توقفت عندها أدبيات الفكر الإسلامي المعاصر، وهي تلك التي ترتبط بمشاركات المرأة في الوظائف العامة. وهذا الذي لم يتحقق لأن التطور العام في المجتمعات الإسلامية أصيب بنكسات متتالية أثرت على الحياة العامة بكل مرافقها واتجاهاتها.
مع ذلك فقد صدرت بعض الأعمال الفكرية الهامة، خصوصاً في العقد الأخير من القرن العشرين، وفي مجالين كان لهما أعظم الأثر في تشكيل الذهنيات الإسلامية، وفي نسق التفكير بقضايا المرأة بالذات، وهما مجال الحديث والفقه. ففي مجال الحديث جاء كتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة) لعبد الحليم أبو شقة، صدر في عدة أجزاء سنة 1990م. وقد خصصه مؤلفه لتنقيح الروايات وانتقائها من كتب الصحاح، وبالذات من صحيحي البخاري ومسلم. وقدم في هذا العمل صورة مغايرة لواقع المرأة السائد اليوم، ومناقضة لما تشكل في الذهنيات الإسلامية من تصورات حول المرأة. ولقد فوجئ الكاتب كما يقول عن نفسه بالصورة التي اطلع عليها في كتب السيرة والسنة النبوية، وحسب قوله (فوجئت بأحاديث عملية تطبيقية تتصل بالمرأة، وبأسلوب التعامل بين الرجال والنساء في مجالات الحياة المختلفة. وكان سبب المفاجأة أن هذه الأحاديث تغاير تماماً ما كنت أفهمه وأطبقه، بل ما تفهمه وتطبقه جماعات المتدينيين الذين اتصلت بهم من اتجاهات مختلفة. ولم يقف الأمر عند المفاجأة، بل شدتني تلك الأحاديث لخطورتها وأهميتها إلى تصحيح تصوراتنا عن شخصية المرأة، ومدى مشاركتها في مجالات الحياة في عصر الرسالة). ولعل عبد الحليم أبو شقة كان قاصداً استعمال مصطلح تحرير المرأة في عنوان هذا الكتاب، لكي يلفت النظر إلى أن أعظم تحول حصل في تاريخ المرأة كان مع انبعاث الإسلام، الذي أعاد للمرأة توازن شخصيتها، واعترف لها بحقوقها، وصيانة كرامتها. كما أراد من هذا الاستعمال أيضاً أن يربط مفهوم تحرير المرأة بالمرجعية الإسلامية.
وفي مجال الفقه جاء كتاب (مسائل حرجة في فقه المرأة) للشيخ محمد مهدي شمس الدين، الصادر سنة 1994م، في أربعة أجزاء. وكان بإمكان هذا الكتاب أن يفتح حوارات موسعة في تلك القضايا التي اصطلح عليها المؤلف بالمسائل الحرجة، والتي دارت حولها أوسع السجالات الاحتجاجية. وقد جمع هذا الكتاب بين الفقه والثقافة، وبين النقد والتأسيس، فهو ليس كتاباً فقهياً على النمط التقليدي القديم، كما أنه ليس كتاباً فكرياً يعبر فيه مؤلفه عن آرائه من دون بحث أو اجتهاد أو استدلال.
وفي تعريفه للمسائل الحرجة يقول الشيخ شمس الدين (المسائل الحرجة في فقه المرأة، هي المسائل المتعلقة بأحكام علاقتها بالمجتمع وما يلابس ذلك من شؤون وضعها في الأسرة، وفي حالة كونها زوجة، من حيث إشكالات التعارض بين حقوق وواجبات الزوجية عليها، وبين عملها في المجتمع)
وأما عن رؤيته للمنهج الفقهي الذي ينبغي إتباعه في استنباط أحكام المرأة والأسرة، يقول الشيخ شمس الدين (يقتضي من الفقيه أن يلاحظ النصوص الواردة في السنة في شأن المرأة والأسرة على ضوء التوجيه القرآني من جهة، وباعتبارها متلازمة متكاملة من جهة أخرى. أما ملاحظتها بمعزل عن التوجيه القرآني وباعتبار كل نص فيها يعالج حالة مستقلة، أو تفصيلاً معزولاً عن سائر التفاصيل، وتفاصيل وضع المرأة وعلاقتها بالمجتمع والأسرة، ووضع الأسرة في علاقتها الداخلية وعلاقتها بالمجتمع، فهو منهج لا يتناسب مع طبيعة الموضوع، ويؤدي إلى خلل في عملية الاستنباط).
وفي هذا الكتاب أيضاً دعا الشيخ شمس الدين إلى قيام حركة إصلاح لوضع المرأة في المجتمعات الإسلامية على أساس الدين، بالعودة إلى ما أشتمل عليه الإسلام في فكره وشريعته من مبادئ وأحكام تعيد إلى المرأة المسلمة كرامتها، ودورها الفاعل في بناء المجتمع وازدهار الحياة.
وأهم ما كشفت عنهما هاتان المحاولتان هو أن التجديد مازال ممكناً في أدبيات الفكر الإسلامي لقضايا المرأة. وأن هناك دواعي حقيقية لهذا التجديد حتى لا تصاب المرأة مرة أخرى بالإحباط ويحاصرها اليأس، والأخطر من ذلك حتى لا تنقلب المرأة على الواقع الديني وتندفع باتجاه التحرر على النمط الغربي.
والخلاصة إن مع كل تقدم ينجزه الفكر الإسلامي تزداد القناعة وتتوسع بضرورة التجديد لقضايا المرأة، وهذا ما نحتاج إليه، أي المزيد من التقدم لأجل أن يتكشف لنا الواقع على حقيقته، وننظر للمستقبل بثقة أكبر1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 12 مايو 2004م، العدد 13773.