بسم الله الرحمن الرحيم
✍🏻 زكريَّا بركات
يقول المؤمن حين يزور شهداء كربلاء ـ كما في النصِّ المأثور ـ : “طِبْتُمْ وَطَابَتِ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا دُفِنْتُمْ، وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظِيماً، فَيَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ مَعَكُم”.
وفي أمالي الصدوق، بسند معتبر عن الإمام الرضا عليه السلام، أنه قال ـ ضمن حديث ـ : “إِنْ سَرَّكَ أَنْ یَكُونَ لَكَ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلَ مَا لِمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ الْحُسَيْنِ عليه السلام، فَقُلْ ـ مَتَى مَا ذَكَرْتَهُ ـ : يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً”.
ونجد في القرآن الكريم آية تتحدَّث عن المنافق في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 73] .
فالسؤال: ما هو الفرق بين الموقفين مع تشابه القول في تمنِّي المعيَّة؟
الجواب: إنَّ الفرق كبير جدًّا من حيث المنطلق والمصداق ومن حيث الغاية،
فأمَّا من حيث المنطلق والمصداق فإنَّ المؤمن ـ حين يتمنَّى المعيَّة ـ فإنَّه يتمنَّاها من مُنطلَق حبِّه لأهل البيت عليهم السلام، وحبُّهم علامة الإيمان، فالأمنيَّة تمثِّل مصداق المودَّة التي أمر الله بها في قوله تعالى: ﴿…قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى…﴾ [الشورى: 23] .. بينما المنافق يتمنَّى المعيَّة انطلاقاً من حُبِّه للدنيا والمغانم التي يراها معياراً لقيمة المعيَّة.
ثمَّ إنَّ المؤمن يتمنَّى المعيَّة بوصفها قيمةً عالية وسامية جدًّا في حدِّ ذاتها، لأنَّها تمثِّل النعمة الحقيقية في مظهرها الدنيوي: ﴿…فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69] ، سواء درَّت نفعاً دنيويًّا أو جرَّت ضرراً كذلك، وانطلاقاً من أنَّ المعيَّة للصادقين مأمور بها ـ أو مقدمة للمأمور به ـ في القرآن الكريم: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] ، وأنَّ المعيَّة مصداق الطاعة والولاية المأمور بها ـ أو مقدمة للمأمور به ـ في القرآن الكريم: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ…﴾ [النساء: 59] .
وأمَّا المنافق فهو لا يرى معيَّة الصادقين (رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومن معه من المؤمنين) ذات قيمة في حدِّ ذاتها، وإنما يتمناها لما تجرُّ عليه من منفعة مادِّية دنيوية مؤقَّتة؛ ولذلك يزعم أنَّ عدم المعيَّة نعمة أنعم الله بها عليه في وقت الهزيمة والخسارة التي يتعرَّض لها النبي (ص) والمؤمنون: ﴿…فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: 72] ..!
كما إنَّ هنالك فرقاً كبيراً ومهمًّا من حيث الغاية من المعيَّة؛ فالمؤمن يتمنَّاها مع الإمام الحسين عليه السلام وشهداء كربلاء لكي يشاركهم في الجهاد، ويواسيهم في البلاء، ويقدِّم نفسه وكل ما يملك فداءً للإسلام؛ تماماً كما صنع شهداء كربلاء.. بينما المنافق يتمنَّى المعيَّة ليشارك في حصاد الغنائم فقط؛ دون أدنى استعداد للتضحية بأي شيء، وهو يزعم أنَّه قد أنعم الله عليه لأنه لم يشهد مع المؤمنين جهاداً أصيبوا فيه بالخسائر؛ ولذلك فهو لا يمكن أبداً أن يتمنَّى معيَّة شهداء كربلاء؛ لأنَّ هذه المعيَّة لا تؤمِّن له أيَّ منفعة حسب معتقده.
وأمَّا المؤمن فيرى معيَّة الصادقين منفعةً في حدِّ ذاتها، ويراها تجرُّ عليه أكبر النفع الروحي والمعنوي في الدنيا والآخرة، وليس يهمه ـ بعد ذلك ـ أن تدرَّ عليه المعيَّةُ منفعة مادِّية دنيويَّة.. بل يرى الخسارة مع الصادقين ربحاً، والقتل معهم حياةً وبقاءً..
ولنعم ما قال الشاعر في وصف شهداء كربلاء:
بأبي من شَرَوا لقاءَ حسينٍ
بفراق النفوس والأرواحِ
وجدُوا بالحسينِ أكبرَ عيدٍ
فغدَوا في مِنى الطُّفوف أضاحي
والله وليُّ التوفيق، والحمدُ لله ربِّ العالمين.