قال لي من أعرف وضعه الممزق والمتخاصم مع أسرته وأولاده منذ 7 أشهر تقريباً، ماذا أقدم لبعض أولادي الصغار وهم يقيمون مع والدتهم بعيداً عني؟
فقلت له: أتريد رأيي أم أنت ميّال لما اعتاده الناس؟
إن كنت تريد الاسترسال وفق العادة المعهودة فقدم ملابس جديدة وبعض المال لتفرح به قلوبهم لساعة أو يوم، وإن كنت تريد رأيي فقدم لهم الصفح والتجاوز والرضا، وابدأ معهم حياة جديدة تسعدهم بقية أيامهم وحياتهم وتسعدك معهم.
أيام العيد تختلف تماماً عن بقية الأيام، فالبسمة تعلو وجوه الناس، والفرحة تقرأ في عيونهم، والحمد والشكر لله يملأ ثغورهم، وآثار الصيام في عيد الفطر ترتسم على محياهم.
اعتاد الناس فيها على حرارة السلام مع بعضهم، وتقبيل بعضهم بعضاً، والإهداء وزيارة الأرحام والأقارب، وتفريح قلوب الصغار ببعض المال الذي يهدى لهم كعيدية ينتظرونها بفارغ الصبر.
الصغير والكبير والأب والأولاد، الزوج والزوجة الكل ينتظر من الآخر هدية تقدم له من الآخر، ولكن غالباً ما تنتظر الزوجة من الزوج، والأولاد من الأب والصغار من الكبار. وغير المقتدر من المقتدر.
أحلى الهدايا كما أتصور هي ما فكت أزمة أو حلت عقدة أو غادرت بأهلها مشكلة ماثلة، وإن كان كل ذلك يحتاج إلى مبادر ومقدام.
العوائل المختلفة مع بعضها تنتظر الشجاع الذي يكسر حالة التعالي ويأتي مباركاً وكاسرا للحاجز الذي يمنع من رجوع المياه إلى مجاريها.
والزوجان المختلفان يتمنى كلاهما من شريكه أن يبادر لحلحلة التشنج والتوتر السائد وهكذا تكبر الآمال بحجم المشكلات، وتتهيأ القلوب بمقدار توقعاتها من الطرف الآخر، وخصوصاً في مناسبة سعيدة كالعيد.
في وضعنا الحالي الأزمات كبيرة ومتعددة على مستوى العلاقات البينية والأسرية وأحياناً علاقات العمل والعلاقات التي ترتبط بالمحيط وهناك توترات قد تكون بين الدول وشعوبها أو الشعوب وحكوماتها.
ما تعارفت عليه شعوبنا الخليجية هو حالة التجاوز التي تمثُل بوضوح في إطلاق سراح المسجونين من أصحاب الديون وغيرهم، أو التقليل من مدة محكوميتهم.
لقد اعتادت مجتمعاتنا على الاستفادة من هذه الأعياد بجعلها أفضل المناسبات التي يمسح فيها الناس حسب موقعياتهم وحيثياتهم ما يعلق بمسيرتهم مع الآخرين لينطلقوا معهم نحو مستقبل جديد لا تشوبه متعلقات الماضي، تماماً كما تتولى ماسحات الزجاج في سياراتنا عملية التنظيف بين لحظة وأخرى لتتضح الرؤية إلى المسافات البعيدة والمهمة من الطريق.
فكانت الأعياد أفضل مناسبة للم الأوراق المبعثرة والنفوس المتنافرة لتنتظم في أسرتها ومجتمعها ومحيطها، فتعطي لكياناتها من أسرة ومجتمع ومحيط حيوية نافعة وتعاوناً مثمراً.
العيد من العود لحياتنا الطبيعية بعد أن تزودنا بما يعيننا على السير فيها بأمان وهدوء، فلنعد لحياتنا ولنعيد الأمور كما كانت عليه ضمن توافقات ومشتركات وتسالم وتفهم يجعل لحياتنا معنى آخر لا تستهلكه التوترات ولا تجرفه التخيلات والعنتريات.
فكل عام وأنتم بخير أيتها الأسر في حجمها الكبير والمترابط، وكل عام وأنتم بخير أيتها المجتمعات المتعاونة بألفتها وتكاتفها، وكل عام وأنتم بخير أيتها الشعوب والدول في ظل الأمن والأمان والهدوء وراحة البال.
وكل عام والكل بخير في ظل التصميم على أن يجعل كل منا من معه ومن حوله ومن فوقه ومن تحته بخير1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله.