العيد في عنوانه وطبيعته وأعرافه وتقاليده، كان وما زال يحمل معه عناوين البهجة والفرح والسرور، لكن حال العرب والمسلمين اليوم بات يسلب منا عناوين البهجة والفرح والسرور، الحال الذي أقل ما يقال عنه إنه لا يسر أحدا من العرب والمسلمين على طول وعرض الجغرافيا الطبيعية والبشرية الممتدة من طنجة في أقصى الغرب، إلى جاكرتا في أقصى الشرق.
ومن ينظر إلى حال العرب والمسلمين اليوم تأخذه الحسرة والحيرة، ويعصره الحزن والألم من الأحوال والأوضاع التي تبعث على الكآبة والإحباط، ومن المشكلات والأزمات التي لا حد لها ولا حدود، ومن الصراعات والنزاعات والحروب التي تفعل فعلها في حياة البشر قتلا وتهجيرا وتدميرا، ومن التراجع والجمود الذي دام واستمر طويلا وكأنه استوطن بيئاتنا ومجتمعاتنا من دون مغادرة.
وقد وصل بنا الحال إلى أن المسلم باتت تتملكه الرغبة في قتل المسلم الذي ينطق بالشهادتين، ويتخذ من الله سبحانه وتعالى إلها ومعبودا وخالقا، ومن النبي المصطفى نبيا وخاتما، ومن القرآن الكريم كتابا محفوظا ومنزها، ومن الكعبة المشرفة قبلة، ومن الصلاة والزكاة والصوم والحج شعيرة وعبادة، ومن اليوم الآخر معادا ونشورا.
وما من يوم يمر علينا إلا ونسمع عن مسلم قتل مسلما عمدا وعن سبق ترصد وإصرار ورغبة في القتل، فهناك من فجر نفسه بين جموع من المسلمين، وهناك من زرع العبوات الناسفة، ومن جهز السيارات المفخخة التي قتلت وتقتل مسلمين في الأسواق والطرق العامة، وفي المساجد والمدارس والمعاهد والمصانع، وليس في ساحات الحرب والقتال.
كل ذلك يحصل والقرآن الكريم بين أيدينا يخبرنا ويذكرنا ويبصرنا ببيانه الصريح والمحكم﴿ … مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا … ﴾ 1 ، ويخبرنا ويذكرنا ويبصرنا﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 2وكلنا يحفظ قول النبي المصطفى ووصيته (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه).
كما وصل بنا الحال إلى أن تسود الكراهية وتتفشى في ساحة العرب والمسلمين، الكراهية التي تحولت إلى وباء تدمر أواصر المحبة والألفة والتآخي، وتحطم جسور التواصل والتقارب والتعايش، وتهدد مقومات وركائز الأمن والسلم، إلى درجة أن هناك من يستنكر التبسم وإظهار الابتسامة في وجه إنسان مسلم آخر.
وهناك من يخاطب مسلما مثله، بأوصاف وألقاب ونعوت فيها همز ولمز وتنابز، والقرآن الكريم ببيانه الصريح والمحكم ينهى المسلمين كافة عن مثل هذه السلوكيات غير الحميدة، في قوله تعالى﴿ … وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ … ﴾ 3 في المقابل يأمرنا القرآن الكريم أمرا بأن نقول للناس كل الناس حسنا، في قوله تعالى ﴿ … وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا … ﴾ 4.
والسؤال متى يتغير حال العرب والمسلمين؟
والجواب لن يتغير هذا الحال إلا بعد أن يغير العرب والمسلمون ما بأنفسهم، ولن يغيروا ما بأنفسهم، إلا إذا نظروا لأنفسهم من الداخل في وقفة تأمل بصيرة وعميقة تحقق قول الله سبحانه﴿ … إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ … ﴾ 5.
ويا أسفا هذا هو العيد، وهذا هو حال العرب والمسلمين!6
- 1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 32، الصفحة: 113.
- 2. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 10، الصفحة: 516.
- 3. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 11، الصفحة: 516.
- 4. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 83، الصفحة: 12.
- 5. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 11، الصفحة: 250.
- 6. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة اليوم، الأحد 3 شوال 1436هـ / 19 يوليو 2015م، العدد 15374.