العلاقة بأهل البيت عليهم السلام
تمهيد
العلاقة بأهل البيت عليهم السلام مسألة ترتبط بعقيدة الإنسان، وكغيرها من الأمور الإعتقادية يحتمل أن تسلك في مدى ثباتها أو التشكيك بها السبل الثلاث:
سبيل الغلو، وهو أخطر السبل وهو الإفراط في الاعتقاد بهم كإخراجهم عن حدود البشرية، أو الاعتقاد بألوهية أحدهم والعياذ بالله.
سبيل التقصير، كاعتبارهم أناساً عاديين كسائر البشر وبالتالي أنهم كغيرهم في التعرض لما يغضب الله تعالى والعياذ بالله.
أما السبيل الأخرى وهي السبيل الوسطى بين السبيلين الأولتين، وهي المناسبة لما جاء في الأحاديث الشريفة عنهم عليهم السلام.
وسنتعرض في هذا الدرس للعلاقة بأهل البيت عليهم السلام في فكر الإمام الخميني قدس سره.
ولا بأس بالإشارة في البداية إلى أن الإنتساب لهذه المدرسة، مدرسة أهل البيت عليهم السلام لا بد وأن يكون من موارد الفخر لدينا، لأنها مدرسة تنتتمي إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي يقول تعالى فيه ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾1، يقول الإمام الخميني قدس سره: “نحن نفخر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون بدءاً من علي بن أبي طالب عليه السلام وختماً بمنقذ البشرية حضرة المهدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو بمشيئة الله القدير، حيّ يراقب الأمور.
نحن نفخر بأن الأدعية وهي القرآن الصاعد وفيها الحياة، إنما هي من فيض أئمتنا المعصومين. وعندنا مناجاة الأئمة الشعبانية، ودعاء الحسين بن علي عليه السلام في عرفات، وعندنا الصحيفة السجادية زبور آل محمد، والصحيفة الفاطمية وهي الكتاب الذي ألهمه الله تعالى للزهراء المرضية عليها السلام.
نحن نفخر بأن منا باقر العلوم وهو أعظم شخصية تاريخية ما عرفها ولا يستطيع معرفتها إلا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومون عليهم السلام.
نحن نفخر بأن مذهبنا جعفري، ففقهنا هذا البحر المعطاء بلا حد وهو واحد من آثاره.
نحن نفخر بجميع الأئمة المعصومين عليهم السلام ونلتزم باتباعهم. نحن نفخر بأن أئمتنا المعصومين عليهم السلام قضوا أعمارهم سجناً وتشريداً في سبيل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف القرآن الكريم والتي أحدها تأسيس حكومة العدل”2.
الولاية هي العمل
العلاقة القائمة بين العمل والولاية، بمعنى هل يمكن للإنسان الاستغناء بأحدهما عن الآخر، فإذا كان من المؤمنين بولايتهم عليهم السلام كفاه ذلك عناء التكاليف والعبادات خصوصاً مع كون بعض الأحاديث عند النظر إليها ظاهرة في هذا المعنى للوهلة الأولى، وهي ما دعت الإمام قدس سره لمعالجتها من خلال بيان منافاتها مع طائفة كبيرة أخرى من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على ضرورة الالتزام بالابتعاد عن مخالفة الله في أصول الأحكام وفروعها، وحصول العلم القطعي بأن بعض الروايات التي يتنافى ظاهرها مع هذه المسلّمات لا يكون الظاهر منها مقصوداً، فلابد من تأويلها بصورة لا تتضارب مع ما يعتبر من ضروريات الدين، أو القيام بالجمع بين الطائفتين، وإلا نرجع علمها إلى قائلها.
ويعتبر قدس سره: “أن الاعتقاد بمشروعية تسويد صحف الأعمال اتكالاً على محبتهم وولايتهم عليهم السلام مصيبة من المصائب الكبيرة وافتراء وسوء فهم، وهو ما لا يدعو إليه المعصوم عليه السلام بل في منتهى البعد عن هذا المعنى”3.
مصدّراً بحثه الشريف بحديث عن محمد بن مارد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حديث روي لنا أنك قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت، فقال عليه السلام: “قد قلت ذلك”، قال: قلت: وإن زنوا وإن سرقوا وإن شربوا الخمر؟! فقال لي: “إنّا لله وإنا إليه راجعون، والله ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم! إنما قلت:إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، فإنه يقبل منك”4.
والذي يريد الإمام قدس سره أن يخلص إليه في نهاية المطاف هو التأكيد على أمرين:
الأول: أن الإيمان بالولاية ليس بديلاً عن العمل، يقول قدس سره: “إن المؤمن إذا لم يعمل بمتطلبات الإيمان وما تستدعيه محبة الله وأوليائه لما كان مؤمناً ومحباً، وإن هذا الإيمان الشكلي والمحبة الجوفاء من دون جوهر ومضمون”5.
والثاني: أن العمل ليس كافياً دون الإيمان بالولاية، فتكون النتيجة أن كلا الأمرين مطلوب، ولا يتيسّر للإنسان الوصول إلى شاطئ الأمان الإلهي والفوز بما عند الله تعالى إذا أهمل أحد هذين الجانبين المذكورين.
كيف نفسر الروايات؟
إذا عرفنا ذلك لابد لنا من الاطلاع على أسلوب الإمام قدس سره في التوفيق بين الطائفتين من الأحاديث الظاهرة في عدم الاتفاق على المعنى المتقدم، حيث يظهر من بعضها الاكتفاء بحب أهل البيت عليهم السلام من قبيل الحديث المشهور بين العامة والخاصة: “حب علي بن أبي طالب حسنة لا تضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة”6.
ويظهر من بعضها الآخر عدم الاكتفاء وضرورة العمل مع حبّهم عليهم السلام كما في حديث جابر عن أبي جعفر عليه السلام: “… يا جابر، لا تذهب بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إني أحب رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي عليه السلام، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئ”7.
إن المشكلة التي تتنافى وأصل المذهب ظاهراً ليست كامنة في روايات الطائفة الثانية وإنما الأولى، لأنها تدل بالمثال المتقدم أنه ليس هناك ضرر من العمل السيئ طالما كان صادراً من محبّ أمير المؤمنين عليه السلام، بينما الثانية تقول بعدم كفاية حبّهم عليهم السلام مستقلاً عن القيام بالوظائف الشرعية لا أنه يمكن الاستغناء عن ولايتهم ومودتهم لذلك لا مشكلة فيها. فمن هنا عالج الإمام قدس سره الخبر المذكور وما شاكله على النحو التالي، قائلاً: “هذا الحديث الشريف من قبل الأحاديث المذكورة التي وردت في الإيمان ومعناه:
أ- إما ما ذكره العلامة المجلسي رحمه الله في تلك الأخبار من أن المقصود من الضرر المنفي هو عدم الخلود في النار أو عدم الدخول فيها، فيكون المعنى أن حب علي عليه السلام الذي هو أساس الإيمان وكماله وتمامه يبعث على التخلص من النار بواسطة شفاعة الشافعين. وعليه كما قلنا لا يتنافى هذا الاحتمال مع ألوان العذاب في البرزخ، وقد ورد ذلك عن الصادق عليه السلام: “والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ، فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم”8.
ب – أو ما ذكرناه من أن حبّ الإمام علي عليه السلام “يبعث على نور وإيمان يجنبان صاحبهما عن الآثام، ويدفعانه إلى التوبة والإنابة عندما يبتلي بالمعصية من دون أن يفسح المجال أمامه للتمادي في الغيّ والعصيان”9.
ثم يؤكد قدس سره أن ما ورد من قبيل هذه الأخبار قد يخلق توهماً وشبهة عند البعض يكون مآلها الخسران المبين، ولذلك كانت المحبة على قسمين: حقيقية ووهمية، والتولي كذلك صادق وكاذب.
المحبة الحقيقية والوهمية
يشير قدس سره إلى: “توهم بعض الناس أن مجرد إدعاء التشيع وحب التشيع وحب أهل بيت الطهارة والعصمة عليهم السلام، يسوغ له والعياذ بالله اقتراف كل محرم من المحظورات الشرعية ويرفع عنه قلم التكليف. إن هذا السيئ الحظ لم ينتبه إلى أن الشيطان قد ألبس عليه الأمر فيخشى عليه في نهاية عمره أن تسلب منه هذه المحبة الجوفاء التي لا تجدي ولا تنفع ويحشر يوم القيامة صفر اليدين وفي صفوف نواصب أهل البيت عليهم السلام.
إن ادعاء المحبة من دون دليل وبينة لا يكون مقبولاً، إذ لا يمكن أن أكون صديقك وأضمر لك الحب والإخلاص ثم أقوم بكل ما هو مناقض لرغباتك وأهدافك. إن شجرة المحبة تنتج وتثمر في الإنسان المحب، والعمل حسب درجة المحبة ومستواها. فإذا لم تحمل تلك الشجرة هذه الثمرة فلابد من معرفة أنها لم تكن محبة حقيقية وإنما هي محبة وهمية.. فمحب أهل البيت عليهم السلام هو الذي يشاركهم في أهدافهم ويعمل على ضوء أخبارهم وآثارهم.. وإن المؤمن إذا لم يعمل بمتطلبات الإيمان وما تستدعيه محبة الله وأوليائه لما كان مؤمناً ومحباً، وإن هذا الإيمان الشكلي والمحبة الجوفاء من دون جوهر ومضمون ينتفي ويزول أمام حوادث بسيطة وضغوط يسيرة”10.
* خط الإمام الخميني (قدس سره)، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة النجم، الآيتان 3 – 4.
2- الوصية الخالدة للإمام قدس سره. ص 89.
3- الإمام الخميني قدس سره، الأربعون حديثاً، ص 623.
4- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص464، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلامية طهران، ط4، 1365ش، مطبعة حيدري، باب أن الإيمان لا يضر معه سيئة…، ح5.
5- الإمام الخميني قدس سره، الأربعون حديثاً، ص 632.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج39، ص248، تحقيق يحيى العابدي الزنجاني، والسيد كاظم الموسوي المياموي، نشر مؤسسة الوفاء ـ لبنان، ط2، 1983م، الباب السادس والثمانون، ج10..
7- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص74.
8- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص214.
9- الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، ص 629.
10- م.ن، ص 632.