إن من أعظم نعم الله على الإنسان في هذه الدنيا هي نعمة الحياة التي تستتبع سائر النعم ، ولابد لنا من ان نعي ونتحسس هذه النعمة الالهية الكبرى ونتفاعل معها .
الحياة سر الاسرار
وتعد الحياة بحد ذاتها سر الاسرار ، وغيب الغيوب ، فهي السر الالهي الاعظم الذي لم يعرف كنهه هذا العلم الذي بلغ مراحل شامخة من التقدم والتطور ، كما ولم تنله الفلسفة ، فبقي سر الحياة غامضا حتى على اولياء الله ، اذ اختص ـ سبحانه ـ بعلمه ، فهو الذي يهب الحياة ، ويسلبها ويخرج الحي من الميت ، والميت من الحي .
ومع ان الحياة هي الحقيقة العظمى في هذه الطبيعة ، والسر الخفي ، والغيب الكامن الا ان ذلك ليس معناه ان نتجاهل كونها نعمة نعيشها ، ونتواصل معها ، فبالدنيا نحصل على الاخرة ، ونفوز بثوابها ، او ينالنا عقابها ؛ فلو ان احدنا ملك ملء الارض ذهبا فمات ثم خيران يرجع الى الدنيا ليتدارك ما فاته ، وليعمل خيرا ينفعه في الاخرة ، لانفق كل ما كان يملك من اجل ان يبقى سويعة واحدة فقط ! ، ترى ما السبب في ذلك ؟
السبب في ذلك ان كل ما يتمناه العبد ويرجوه في الاخرة يمكن ان يضمن نيله والحصول عليه بعمله في هذه الدنيا ، فالدنيا هي دار التزود للاخرة التي يأتيها كل انسان وطائره في عنقه .
ويوم يرى الانسان صحيفة اعماله سوداء قاتمة ملوثة بالسيئات والمنكر والذنوب ، مليئة بما هو خزي وعار عندئذ يقول بلهجة ملؤها الحسرات والزفرات : ﴿ … رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ … ﴾ 1، فيأتيه الجواب من الباري ـ تعالى : ﴿ … كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ 2.
هذه هي نهاية الانسان في الحياة ؛ الموت يفاجئه ويسلبه من كل ماهو فيه من الآمال والاحلام فتراه يصبح في لحظة واحدة كالخشبة اليابسة التي لاحول لها ولا قوة والاهل حوله ينتظرون موته لحظة بلحظة كي يهيلوا عليه التراب ليتقاسموا تركته من بعده .
ونحن كثيرا ما نشهد ونسمع ان ابناء فلان تشاجروا وتقاتلوا على ارث ابيهم وجثمانه مايزال ماثلا امامهم لم يوار الثرى بعد ، والانكى من ذلك ان احدهم ربما يسقط ضحية هذا النزاع على الارث .
الى هذه الدرجة قد يصل الانسان في صلافته ووقاحته فلا يتعظ ، ولا يأخذ الدروس من جنازة نظيره .
الحياة نعمة كبرى
وعلى هذا فان نعمة الحياة هي النعمة الكبرى علينا ، فلنهتم بها ، ولنعرف قيمتها وقدرها مادامت الانفاس تجري في صدورنا ، فلنحمد الله ، ونحسن عبادته مادمنا ندب فوق هذه الارض ، وغير راقدين تحت التراب هذا الرقود الذي لاندري هل سيطول سنة ام قرنا ام دهرا كاملا : ﴿ … وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ 3.
كم هي الروايات المخبرة عن الغيب التي تنبهنا وتدعونا الى حقائق الموت ، وكم هي رسل الموت الينا تدعونا لان نحسن الحياة في هذه الدنيا ، بأن نسلك سبيل الصلاح والاحسان ، وعمل الخير فيها ، ولكنك كثيرا ما تجدنا مغرورين لا ينفع النصح والعبر والمواعظ البالغة معنا وهذه هي الغفلة الكبرى التي نعيشها .
وفي يوم القيامة وبعد السنين المديدة من الرقود تحت هذه الارض نوقظ ونصحو على الندم الذي ما بعده ندم ، لذلك كان يوم الندامة والحسرة من اسماء يوم القيامة ، حيث يندم الكافر ومن شدة ندمه وحسرته يعض على يديه قائلا : ﴿ … يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ 4.
فلنغتنم الفرص الاتية ان كانت الماضية قد فاتتنا ، ولنغتنم قلب الليالي ، ولنستيقظ فيها ساعة نصلي ركعات من اجل رضاه ـ سبحانه ـ ولنناجه بالدموع الذارفة تحت ظلال الرحمة الالهية الوارفة .
ولو علم المؤمن كم هي فوائد صلاة الليل ، وعوائدها الخيرة على الانسان من طول عمر وسعة رزق ونورانية وجه وانفتاح قلب وصحة بدن ومن ثم نور يكاد يضيء ظلمة القبر … وما الى ذلك من الفوائد التي لا تحصى لما فوت ليلة واحدة دون قيام ودعاء وتهجد .
الا يجدر بنا ان نقوم ساعة في جوف الليل نصلي فيها ركعات ، وندعوا لاخواننا المؤمنين ، في حين ترانا نطيل السهر ، ونقضي الساعات في الاحاديث الفارغة والاعمال العبثية .
ان اعدى اعداء الانسان هي نفسه التي بين جنبيه ، ولذلك فالاجدر بنا ان نستغل شبابنا قبل هرمنا ، فليسلك كل منا طريق العبادة ، وسبيل الصالحات مادمنا في زهرة شبابنا ، فالله ـ سبحانه ـ يحب الشاب اذا كان خاشعا له خائفا منه يتقي عذابه ، ويرجو ثوابه ، فلنرجع الى الله ، ولنتضرع اليه ، فهذه الفتن والمحن والبلايا التي يمتحننا الله ، ويمحص قلوبنا بها انما تهدف التقرب اليه ـ تعالى ـ بالخشوع والخضوع .
فلابد للانسان من ان يتوجه الى ربه كي ينور قلبه ، ويجلوه مما فيه من الاكدار ، ولكي يطهر نفسه وذاته من الادران الدنيوية ، والاهواء الخبيثة التي تقوده الى النار ، ولكي يطمئن ضميره ، فالقلوب التي تطفح منها الاحقاد والعصبية والضغائن لا تفلح ، ولا يمكن ان يوفق اصحابها لان كل واحد منهم يدعو الى حزبه وجماعته .
ولكي تفلح القلوب وتتنور وتوفق لابد من ان تتنور بنور الله من خلال مخافته واتقائه ، كما يشير الى ذلك الدعاء الشريف : ” اللهم اني اسألك خشوع الايمان قبل خشوع الذل في النار ” ، فنسأله ـ تعالى ـ ان يعطينا ويرزقنا هذا الخشوع لنغير به انفسنا بعدان فشلنا في تغييرها بالوسائل الاخرى .
شكر النعم اساس الحياة الفاضلة
فلنحي حياة طيبة من خلال ازالة الحجب التي تحول دون رؤيتنا للنعم الالهية ، وفي هذا المجال يروي لنا التاريخ ان رسول الله (ص) كان عند عائشة ليلتها ، فقالت : يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
فقال (ص) : يا عائشة ألا أكون عبدا شكورا 5 .
كذلك يروى ان رسول الله (ص) كان في سفر يسير على ناقة له ، اذا ـ به ـ نزل فسجد خمس سجدات . فلما ان ركب قالوا : يا رسول الله انا رايناك صنعت شيئا لم تصنعه ؟
فقال : نعم استقبلني جبرئيل ( عليه السلام ) فبشرني ببشارات من الله عز وجل ، فسجدت شكرا ، لكل بشرى سجدة 6 . وبينما تجد هناك من يجلس على مائدة فيها ما لذ وطاب من الطعام ، لكنك تراه يجلس متوتر الأعصاب قلقا يفكر في مصالحه الدنيوية ، فتجده يركض وراء هذا السراب واذا به يسقط فجأة لتنتهي في تلك اللحظة وتنهار كل آماله وأحلامه ، فيغادر الدنيا ولما يعرف الطعم الحقيقي للحياة ، لانه كان يعيش قلق الدنيا ويلهث وراء سرابها .
اذا اردنا ان نعرف معنى الحياة ونعيش معها ينبغي علينا حين تداهمنا الهموم والغموم ان نعتبر بالدنيا ونعرف قيمتها من خلال بعض الممارسات من مثل زيارة القبور ، والمستشفيات ، فلننظر الى المرضى وخاصة اولئك الذين قضوا سنين في الأسرة لا تغادرهم العلل ، فلننظر اليهم ، ولنتعرف على أحاسيسهم ، سنجدهم كيف يتمنون ان يعيشوا ولو ليوم واحد سالمين معافين كالاخرين ، وحينئذ سنحمد الله ونشكره على نعمة العافية والسلامة ، ولنعرف قيمـة حياتنا ، فلا نكن عبيدا لهذه الدنيا ، وغرضا لها ، وآلة مسخرة لخدمتها .
نحن نرى الكثير من الناس يعيشون هوامش هذه الحياة ، ولا يتفاعلون مع جوهرها ، فتراهم يبحثون بحثا مستمرا عن شيء مجهول ، في حين ان هناك قضايا اساسية عليهم ان يعيشوها ، ويعملوا من اجلها ، ومن ضمن هذه القضايا المهمة ولاية أهل البيت (ع) التي تشير اليها الاية الكريمة : ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ 7.
علينا ان ندرس ونتفهم حياة ائمتنا (ع) بأجمعهم ، وان نتصفح تاريخهم الوضاء وسلوكهم ونهجهم في الحياة ، ونتشبع بنورهم البهي ، ونغذي ارواحنا بعذب وصاياهم .
فعلينا ان نشكر الله ونحمده على كل نعمة ظاهرها وباطنها ، فهناك من النعم مالا نحس به الا بعد انقطاعها ، فهذا الهواء الذي نتنفسه هو من النعم الالهية العظيمة التي قد لانحس بها لدوامها ، وهكذا الحال بالنسبة الى النعم الاخرى التي لا تعد ولا تحصى بشهادة قوله ـ تعالى ـ : ﴿ … وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا … ﴾ 8.
فليتمتع كل منا بملذات ونعم هذه الحياة ، ولكن عليه ان لا يهمل مسؤولياته و واجباته تجاه ربه ، ولنصبر ونتحمل عندما يمسنا الضيق برحابة صدر ، فلا نجعل الكآبة والحزن طابعا لنفوسنا تظهر ملامحه على وجوهنا فهو نوع من الكفران بأنعم الله ـ سبحانه ـ .
حذار من الخلط بين الدين والخرافات
وقد بعث النبي (ص) لتحقيق أهداف رسالية عظيمة منها معالجة هذه الناحية في حياتنا وهي عدم الخلط بين الدين والبدع والخرافات ، فنحن نرى ان بعض الناس قد خلطوا الدين بالخرافة والوهم والعجز والضعف والتخلف فينسبون هذه الامور السلبية الى الدين وهو براء منها، فتراهم خاملين كالموتى ، لا يعملون ولا يتحركون ولا يسيحون في الارض ولا يتزوجون ، بل تجدهم منزوين عن هذه الدنيا في زوايا هي اشبه بمقابر الاحياء ، فهم يتخذون هذا الاسلوب في الحياة باسم الدين والتعبد وحاشا للدين والقران ان يدعوا الى هذا الاسلوب وهما اللذان يقولان : ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ … ﴾ 9، فليس لك ان تتقاعس وتنزوي في ركن من الاركان ، وتدعي انك تتفرغ للعبادة تاركا النشاط والعمل والبذل والعطاء ، ثم تدعي بعد ذلك انك اخترت الدنيا على الاخرة ، وان لغيرك ممن بلغوا مراحل عظيمة من التقدم والازدهار والنمو الاقتصادي ، في حين ان الحديث الشريف يقول : ” من لا معاش له لا معاد له ” و ” الفقر سواد الوجه في الدارين ” و ” نعم العون على الدين الغنى ” .
افلا يعلم مثل هذا الانسان الاتكالي المتقاعس ان الأنبياء والأوصياء كانوا يعملون ويكدون ويأكلون من عرق جباههم ، وكانوا يضعون نصب اعينهم تقدم الامة وازدهارها ، فما الذي يا ترى يمنع احدنا من ان يملك الملايين بالحق والحلال بعد ان يؤدي ما عليه من حقوق الله والناس ؟!
روي عن ابن ابي يعفور انه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : انا لنحب الدنيا .
فقال لي : تصنع بها ماذا ؟
قلت : اتزوج منها ، واحج وانفق على عيالي ، وانيل اخواني ، واتصدق .
قال لي : ليس هذا من الدنيا ؛ هذا من الاخرة 10 .
هذا على صعيد الاقتصاد والاجتماع اما على صعيد السياسة والنظام السياسي ، فان شئت ايها الحاكم ان تكون دولتك قوية تمتلك السلاح القوي لتدافع عن وجودها واستقلالها ، وان يكون لها اقتصاد راسخ وزراعة مزدهرة وصناعة متطورة ، فهذه امور مستحسنة ومطلوبة وتثاب عليها عند الله ـ تعالى ـ ، اما ان تسلب من الامة حقوقها وتهدر ثرواتها ، وتستنزف امكانياتها وطاقاتها فهذه امور دنية تدان عليها في الدنيا اولا ، وفي الاخرة سيكون بانتظارك اشد العذاب والانتقام الالهي .
أليس من الافضل لو أنفقت كل هذه الثروات والأموال و الإمكانيات والطاقات العظيمة في تطوير الزراعة والتنمية ليسعد ابناء الامة ، ولا يبقى هناك فقر ولا جوع ولا مرض وجهل ؟
فلا ضير ـ اذن ـ ان نجمع بين الدين والدنيا : ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ 11، وهذا هو هدف من اهدافنا الكثيرة في الحياة .
الغلو في الدين مرفوض
وهناك جوانب سلبية اخرى يتصف بها بعض الذين يدعون الالتزام الديني ، فكثيرا ما نجدهم لا يعتنون بمظهرهم ، ولا بنظافة أجسامهم ، متذرعين بانهم من أهل الآخرة لا الدنيا ! وكأنهم لم يسمعوا يوما بالحديث المعروف عند كل المسلمين ” النظافة من الايمان” و ” تنظفوا فان الاسلام نظيف ” وقوله (ص) ايضا ” احب من دنياكم ثلاثا ؛ الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة ” .
ان من مصائبنا نحن المسلمين ان فينا اناسا خلطوا افكارهم ومعتقداتهم الرجعية المتخلفة التي ما انزل الله بها من سلطان بالدين ثم ادعوا ان هذا هو الدين الاسلامي !
وهذه الفئة ذات التفكير السلبي المتخلف لم تظهر حديثا ، ولم تكن مقتصرة على حقبة الاسلام ، فاليهود بالأمس حرموا على انفسهم الكثير مما احله الله ـ تعالى ـ لهم ، كما ان النصارى فاقوا من كان قبلهم حتى كادوا ان يحرموا كل شيء ، فهم الذين ابتدعوا الرهبانية التي تجعل كل ما يتعلق بالحياة حراما لا يحل لهم ، فاتخذوا الانزوائية والانطوائية وحرمان النفس والجسد تحت يافطة الرهبنة والتعبد لله زورا وبهتانا ، حتى ترى ان احدهم يفتخر انه احسن من كل راهب لانه لم ير الحمام منذ ثلاثين عاما !
ولذلك فان القرآن الكريم يستنكر عليهم مواقفهم وسلوكهم المنحرف هذا قائلا : ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ 12. ثم ينبههم بعد ذلك الى انحرافاتهم واخطائهم حين يبين لهم الحكمة من بعث الرسول (ص) : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ 13. فبعد ان حرف اليهود والنصارى التوراة والانجيل عن مقاصدهما واهدافهما الرسالية جاءهم الرسول (ص) لينهاهم عن هذا التحريف ، وليوجههم التوجيه الرسالي الصائب ، حيث بين لهم (ص) خطأ تفسيراتهم ، ونبههم ايضا الى ان الكثير مما يعتقدون بحرمته انما هو حلال طيب ، ولذلك سميت الشريعة الاسلامية بـ ” الشريعة السمحاء ” لانها شريعة التسامح والحب والعفو : ” ويعفو عن كثير ” ، وهدفها اشاعة المحبة والوئام والسلام والامن بين الامم .
نريدها حياة طيبة
ثم يستأنف ـ تعالى ـ قائلا : ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ 14، و السلام هنا هو السلام في كل آفاقه وابعاده ، فدعوتنا الى هذا الدين انما هي مسعى خير نريد به ازالة الطغاة عن كراسي الظلم والبغي والتسلط باسم الحكم وادارة النظام ، ذلك لانهم يحولون بين الناس وبين معرفة طعم هذه الحياة والتمتع بها بالحلال .
نحن لا نريد ان تكون الحياة مظلمة في عيون الناس ، ولا ندعو الى ترك الحلال والطيبات من الرزق ، انما نريدها حياة حقيقية طيبة يحيونها في ظل السعادة والخير والرفاه والسلام ، وهذا هو هدف جميع شهدائنا الابرار الذين ضحوا بأنفسهم الزكية في هذا الطريق القويم، فهم عندما بذلوا الدماء والارواح رخيصة في سبيل الله فانما فعلوا ذلك من اجل ان نسعد نحن .
اننا نريد ان نعيش الروح الايجابية المتفتحة ، نريد ان نعيش الانطلاقة لكي نصحح المسيرة، لذلك فان الانسان الذي ينظر الى الحياة نظرة التشاؤم والسخط وعدم الارتياح ، ولا يشغل باله بغير السلبيات ، مثل هذا الانسان لا يمكنه ان يتحرك ويتقدم في طريق الصلاح والاصلاح ، ولا يمكنه ان يقدم العون الى اخوته .
فلنعش حقيقة الاخاء الاسلامي التي هتف بها القران والرسول (ص) اذ يقول ـ تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ … ﴾ 15، والنبي (ص) يقول : ” المسلم اخو المسلم ” و ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضوا تداعى لهسائر الجسد بالسهر والحمى ” ، كما ويؤكد (ص) في حديث آخر ان ” من اصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ” .
هدفنا فرض المقاييس الدينية على السياسة لا العكس
فلنتحمل مسؤوليتنا بأنفسنا قبل ان ينبهنا الاخرون عليها ، ولنربي انفسنا على الصبغة الدينية الخالصة ، ولا نجعلها حبيسة الافق والتفكير السياسيين ؛ فهدفنا هو حمل الدين الى السياسة لا العكس ، نحن نريد اصلاح السياسة بالدين ، وللأسف فان هناك من يدخل عالم السياسة بغية اصلاحه ولكن السياسة تستحوذ عليه فتفسده من خلال افساد دينه .
فلنكن سياسيين نحمل الى عالم السياسة رسالة الدين ، وروحه المؤطرة بالتقوى والعمل الصالح ، ولا ننسى ان نذكر انفسنا بأننا مؤمنون نساهم في حمل اعباء الرسالة الى امتنا والامم الاخرى ، وما نستهدفه هو رضوان الله تعالى وثوابه في الاخرة ، فلنتذكر ذلك في كل عمل ونشاط نمارسه وفي اية ظروف او مرحلة كانت .
ولننظر اولا الى قيمة كل عمل او مهمة توكل الينا ثم لنجعلها على محك الدين ، ولندقق النظر فيها لئلا يكون فيها ما يقود الى الانحراف والفساد والاعوجاج ، ثم علينا ان ننظر كم هو تأثير هذا الانحراف والاعوجاج وهل يمكن تلافيهما بصورة او اخرى .
لابد لنا من التمعن في هذه الامور الخطيرة ثم بعد ذلك نستطيع ان نباشر عملنا وجهادنا وانشطتنا ، فلنقدر الوضع جيدا ، ولنتكاتف ونتواصل ونتراحم ، ولنعن الضعفاء ونساعد الفقراء .. فان في هذه الاعمال دفعا للبلاء عن انفسنا ، ومدا في اعمارنا ، وعافية وسلامة في ديننا ودنيانا 16 .
- 1. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 99 و 100، الصفحة: 348.
- 2. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 100، الصفحة: 348.
- 3. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 65، الصفحة: 383.
- 4. القران الكريم: سورة النبإ (78)، الآية: 40، الصفحة: 583.
- 5. الأصول من الكافي ج 2 ص 95 .
- 6. المصدر السابق ج 2 ص 98 .
- 7. القران الكريم: سورة التكاثر (102)، الآية: 8، الصفحة: 600.
- 8. القران الكريم: سورة ابراهيم (14)، الآية: 34، الصفحة: 260.
- 9. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 32، الصفحة: 154.
- 10. موسوعة بحار الأنوار ج 73 ص 106 .
- 11. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 201، الصفحة: 31.
- 12. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 14، الصفحة: 110.
- 13. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 15، الصفحة: 110.
- 14. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 16، الصفحة: 110.
- 15. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 10، الصفحة: 516.
- 16. الوعي الإسلامي ، آية الله السيد محمد تقي المدرسي ، الناشر : دار الكلمة الطيبة ، مجلد واحد في قطع الرقعي ، الطبعة الثانية .