إن سيرة الرسول الأكرم حافلة بالدروس والعبر، وكلما تأمل الإنسان فيها فإنه سيجدها ترفده بما يحتاجه في هذه الحياة، وتروي ظمأه، فهي سيرة أعظم شخصية عرفها التاريخ، وهي سيرة أنجح شخصية على وجه الأرض.
والذي يدرس السيرة النبوية يتعجب من هذه الشخصية التي استطاعت خلال فترة وجيزة أن تقلب معادلات الجزيرة العربية وأن تأخذ بيد ذلك الإنسان الذي كان يعيش في ظلمات الجهل وبراثن التخلف إلى نور العلم والتحضر.
وخلال فترة وجيزة استطاع الرسول الأكرم أن يبني أرقى حضارة عرفها التاريخ، حضارة تمتلك جميع المقومات التي يتحدث عنها اليوم مفكري الحضارات في كتبهم وتصبح الحضارة الإسلامية النموذج المثالي التي يستلهمون منها رؤاهم وأفكارهم.
فما هو السر في ذلك؟ كيف استطاع الرسول أن ينجز كل هذا التقدم وهذا البناء الإنساني الشامخ؟
الرسول والضغوط
لو تأملنا في بداية الدعوة المحمدية لوجدنا أن صراعاً مريراً واجهه الرسول الأكرم مع جبابرة قريش، فهم لم يرحبوا بالدعوة ولم يفتحوا أبوابهم ويحتضنوها، وإنما كان العكس تماماً فقد استقبلوا الرسالة بكل شراسة ووقفوا في وجه الرسول وأصحابه بكل قوة، وقاوموا الدعوة بكل ما أوتوا من وسائل.
ولقد آذاه قومه بكل أنواع الأذى من البصق في وجهه، وإفراغ أحشاء الشاة على رأسه، ووطئ ظهره، وجعل الأشواك في طريقه، ومصادرة أمواله، وتهجيره، والمؤامرة عليه، والاستهزاء به، وقالوا: ساحر ومسحور ومجنون وشاعر وكاهن، مسه بعض آلهتنا بسوء، إلى غير ذلك من الأذى، حتى قال: “ما أوذي نبي مثل ما أوذيت”.
الرسول… صامداً
تحت هذه الضغوط ماذا يفعل الداعية، ماذا يفعل من يرغب في إصلاح الناس، أمام هذا الهجوم الشرس أليس من الأولى له أن ينسحب؟!
ربما تكون هذه سيرة الناس البسطاء ولكن رسول الله بقي صامداً، (فقد أرسل المشركون عمه أبا طالب إليه ليقول له عنهم: اترك هذا الأمر. فاغرورقت عين رسول الله بالدموع وقال: “يا عم والله، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً”.
فأي صمود كان يتحلى به رسول الله، وأية إرادة كان يتمتع بها رسول الإنسانية!
وكان يقول في الشدائد التي ترد عليه من الجاهليين، (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) فلا يدعو عليهم، ولما كسرت رباعيته، وشجّ وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه، وقالوا: (لو دعوت عليهم يا رسول الله)، فقال (صلى الله عليه وآله): “إني لم أبعث لعاناً، ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). فقال له أصحابه: يا رسول الله لقد وطئ ظهرك وأُدميَ وجهك، وكُسرت سنك فأبيت أن تقول إلا خيراً، فقلت: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
الصمود… طريق النجاح
وهكذا فإن من يرغب في تحقيق النجاح في هذه الحياة فليتخذ من رسول الله خير أسوة وقدوة، فعليه أن يتحلى بروح الصمود والمثابرة وقوة الإرادة، وأن لا يتراجع لأبسط عائق يقف أمامه، بل عليه أن يقاومه ويتغلب عليه، حتى يحقق هدفه ومبتغاه1.
- 1. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 5/12/2017م – 2:28 م.