في آية الصلاة على النبي (ص) في القرآن : ﴿ … صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ، فلماذا لا يقول الشيعة : (وبارك وسلم ) ؟
الجواب:
يفتي فقهاؤنا وغيرهم بوجوب استحباب الصلاة على رسول الله وآله صلى الله عليه وآله في تشهد الصلاة وتسليمها وباستحبابه في غيرها . وكذلك باستحباب التسليم عليه في تسليم الصلاة بصيغة :
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
ولكن التسليم في قوله تعالى: ﴿ … يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 1ليس معناه وسلموا عليه سلاماً ، بل معناه سلموا له تسلمياً ، وأطيعوا أوامره ونواهيه . كقوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 2.
ففي معاني الأخبار للصدوق قدس سره ص368 : (عن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 1فقال : الصلاة من الله عز وجل رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء . وأما قوله عز وجل : ﴿ … وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 1، فإنه يعني التسليم له فيما ورد عنه ) .
وفي البحار : 2 / 204عن الصادق عليه السلام قال : (الصلاة عليه والتسليم له في كل شئ جاء به ) .
وفي الإحتجاج للطبرسي قدس سره : 1 / 377 : ( ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله: صَلُّوا عَلَيْهِ، والباطن قوله: ﴿ … وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ 1، أي سلموا لمن وصاه واستخلفه وفضَّله عليكم وما عهد به إليه تسليماً) .
ويؤيد ذلك ما قاله النووي في شرح مسلم : 1 / 44 : ( فإن قيل: فقد جاءت الصلاة عليه (ص) غير مقرونة بالتسليم وذلك في آخر التشهد في الصلوات ؟
فالجواب : أن السلام تقدم قبل الصلاة في كلمات التشهد وهو قوله : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، ولهذا قالت الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف نصلي عليك… الحديث) . انتهى .
فنحن نصلي على نبينا صلى الله عليه وآله ونقرن به آله عليهم السلام في الصلاة وغيرها كما أمرنا صلى الله عليه وآله . ونسلم عليه في الصلاة كما علمنا: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ، نسلم عليه بذلك في زيارتنا له عند قبره الشريف أو من بعيد .
ويصح أن نقول في الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض علمائنا يقول ذلك ويكتبه في مؤلفاته . ولكنه تسليم ناقص لأنه في الحقيقة دعاء بالسلام عليه صلى الله عليه وآله وليس سلاماً ، فإن المتبادر من السلام عليه صلى الله عليه وآله مخاطبته بالسلام ، مثل: (السلام عليك يا رسول الله، أو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ويدل على نقصان قولنا(وسلَّم) عن السلام عليه صلى الله عليه وآله أن الشخص لو نذر أن يسلم على النبي صلى الله عليه وآله لما صح له أن يكتفي به .
ويبدو لي أن صيغة التسليم السنية : (صلى الله عليه وسلم) روجها العثمانيون الأتراك ، فقد كان الرائج في الصلاة عليه ذكر آله حتى عند علماء السنة ، كما نشاهده في مخطوطات مؤلفاتهم القديمة، فحذف الأتراك (وآله) فبقيت (صلى الله عليه) ناقصة ، فأضافوا إليها (وسلم) لتكميل قافيتها !
على أي حال ، لا مشكلة عندنا في هذا الموضوع ، لكن المشكلة عندكم في خمس مسائل ، بل خمس مصائب ، ولا جواب عندكم عليها :
- أنكم تقرنون بالنبي غير آله صلى الله عليه وآله الذين خصهم بالصلاة عليهم وقرنهم به صلى الله عليه وآله . ولا دليل عندكم على جواز هذه البدعة !
- أنكم تخصصون صيغة الصلاة النبوية الإبراهيمية بتشهد الصلاة ؟ مع أن حديث النبي صلى الله عليه وآله فيها جاء جواباً على من سأله كيف نصلي عليك؟ فهو صلى الله عليه وآله في مقام البيان والتعليم ، وأمره بالصلاة على آله معه أمرٌ مطلق وهو أمرٌ تعليمي توقيفي ، فلا وجه لتخصيصه بالتشهد ، كما لا وجه لابتداع صلاة أخرى عليه صلى الله عليه وآله في غير التشهد ؟!
- أنكم أحياناً تردون على النبي صلى الله عليه وآله فتحذفون آله من الصلاة عليه ، وتضعون مكانهم الصحابة وتقرنوهم بالنبي صلى الله عليه وآله ! بلا دليل عندكم ، ولو نصف حديث عن النبي صلى الله عليه وآله !
- أنكم تنوون بصلاتكم على آل النبي صلى الله عليه وآله جميع ذريته من فاطمة وعلي صلى الله عليه وآله وكل ذرية بني هاشم وعبد المطلب إلى يوم القيامة ، فتقرنون هؤلاء كلهم بالنبي صلى الله عليه وآله مع أن فيهم من ثبت أنهم أعداء لله ورسوله صلى الله عليه وآله ، وفيهم اليوم نصارى وملحدون وقتلة و فساق وأشرار ؟! فلماذا تخربون صلاتكم على نبيكم بنيتكم الصلاة عليهم؟! ومحالٌ أن يأمرنا الله تعالى أن نصلي على كفار فجار ، ونقرنهم بسيد المرسلين صلى الله عليه وآله ؟! بينما نحن لا يرد علينا هذا الإشكال لأنا نقصد(آل محمد) الذين حددهم المصطلح النبوي : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي عليهم السلام ، وأحاديثنا فيهم صحيحة متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله رواها لأئمة المعصومون من العترة الطاهرة ، والصحابة ، وقد ألف الصدوق قدس سره وكذا الخزاز القمي قدس سره كتاباً جمع فيه النصوص على إمامة الأئمة الإثني عشر ، بأسانيده عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله ، وأنهم هم العترة وأهل البيت عليهم السلام . حتى لو حليتم مشكلة ضمكم للصحابة وقرنكم إياهم مع النبي في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله ، فهل يجوز لكم أن تعمموا الصلاة عليهم جميعاً بدون تخصيص أو تقييد ؟!
- فأنتم عندما تقولون (صلى الله وعلى أصحابه أجمعين) تشملون أكثر من مئة ألف شخص ، و تقرنونهم بالنبي صلى الله عليه وآله !
وهؤلاء فيهم من شاركوا في محاولة اغتياله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة ، وفيهم من ثبت نفاقهم بنص القرآن ونص النبي صلى الله عليه وآله ، وفيهم جماعة شهد النبي صلى الله عليه وآله بأنهم لن يروه بعد وفاته ، وأنهم سوف ينقلبون من بعده ، ويمنعون من ورود حوضه يوم القيامة ، وسيؤمر بهم إلى النار ! بل روى البخاري بأنه لا ينجو منهم من جهنم إلا مثل هَمَل النَّعَم ! فلماذا تقرنون هؤلاء بنبيكم ، وتخربون صلاتكم عليه صلى الله عليه وآله بهذه البدعة ؟! 3 .
- 1. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 56، الصفحة: 426.
- 2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 65، الصفحة: 88.
- 3. من كتاب : مسائل مجلة جيش الصحابة ( أجوبة على مسائل وجهتها إلى علماء الشيعة ، مجلة الخلافة الراشدة الباكستانية ، التابعة لمنظمة جيش الصحابة ) للشيخ علي الكوراني العاملي ، السؤال رقم : 29 .