يوم السبت الماضي كانت ذكرى الإمام جعفر بن محمد الصادق، كنت أفكر في حديثي لمن سألتقيهم بهذه المناسبة، وكما يعلم القارئ فإن تحديد رأس الموضوع وعنوانه وزواياه يأخذ وقتا وجهدا لا بأس به، غير أن سؤالا عبر الهاتف أوحى لي بشيء أظنه يستحق الحديث: لماذا سمي صاحب الذكرى بالصادق؟
إحدى الإجابات – وهناك إجابات أخرى – كانت ترتبط بأخلاق الناس في عصر الإمام، فقد كثرت الكذّابة والوضّاعة، وملئت كتب بالأحاديث المزيفة عن رسول الله ، ووصل الحال إلى أن يدعي بعضهم مناصب دينية خصه الله بها، كما هو الحال في جعفر بن علي إمام الفطحية، فكان الصدق علامة فارقة بين الإمام وبين غيره من الناس.
ربما يكون الكذب والتدليس الديني هو الحاكم في فترة من الفترات، وربما يكون الكذب والتدليس والغش الاقتصادي هو الحاكم والمسيطر على حياة الناس في فترة أخرى، فيعتني القرآن الكريم بهذا الوضع لينزل سورة كاملة في أمر التطفيف (سورة المطففين)، وربما يكون الكذب السياسي أو الاجتماعي هو المهيمن، والأمر سهل فالكذب قبيح مهما كان جنسه وبأي لون من الألوان تدثر وتزين، وفي أي زمن أوبقعة هيمن وتمكن.
الصدق السياسي نادر في زماننا، فالحياة تضج بتصريحات الرسميين وغير الرسميين في مختلف نقاط ومناطق العالم، لكنها في الأعم الأغلب ذات اتجاهين، الأول استهلاكي إعلامي منزوع الدسم والدلالة، والثاني غزلي يتعاطى مع معادلات داخلية أو خارجية، والهدف واحد وهو تسجيل نقطة في الحساب ومن ثم تحقيق بعض المكاسب، والشيء المشترك بين الاتجاهين هو الكذب والدجل والمماطلة.
الهيئات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان تثبت الأيام أنها لا تنشد الحق على إطلاقه، بل لا يمكن لأحد أن يتصيد صدقها من عدمه دون أن يلحظ مصالحها وارتباطها بالقوى المؤثرة فيها والضاغطة عليها.
ولو استرسلنا في سعة من القول وربطنا ما يسمى بالربيع العربي بمقالنا، لأمكننا القول: إن الربيع العربي لم يكن لولا فقد الشعوب لثقتها التي بلغت مداها من قياداتها السياسية، إما بسبب عامل الزمن الذي برهن على الكذب، ثم الكذب، ثم الكذب، أو بسبب المطالبات التي تواجه ببرود التصريحات وتبطينها بالتهديد، ثم العمل عكس التطلعات الشعبية والجماهيرية، كما هو الحال في عهد المخلوع حسني مبارك، وكما هو الوضع الحالي في اليمن السعيد.
هل بالفعل أصبحنا في زمن نبحث فيه عن الصادق سياسيا لينتهي ربيعنا العربي إلى وضع أفضل؟ لست أدري إن كنا وصلنا إلى هذا الحد، ولكن إجابة القارئ مقدرة ومحترمة1.
- 1. الشيخ محمد الصفار نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله) و المقال منشور في صحيفة الوسط البحرينية 26 / 9 / 2011م – 2:33 م – العدد 3306.