مقالات

الصحابي زيد بن أرقم يمتنع عن التحديث بحجَّة كبر السنِّ والنِّسيان

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريا بركات
١٩ أغسطس ٢٠٢٢


سنن ابن ماجه 1 : 11 برقم 25 (دار الفكر بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر، عن شعبة ح ، وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قلنا لزيد بن أرقم: حدِّثنا عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شديدٌ.

قال الألباني: صحيح.

أقول: هل كان الصحابي (زيد بن أرقم) جادًّا في تبرير ترك التحديث بحجَّة (كبرنا ونسينا)؟ إن كان الأمر كذلك فينبغي إعادة النظر في أحاديثه التي صدرت منه بعد أن كبر في السنِّ وعدم عدِّها صحيحة لاعترافه باختلال الحفظ عنده.

وإن كان الأمر كذلك، فهذا يبيِّن أهمِّية الكتابة التي رُوي أنَّ الخليفتين أبا بكر وعمر منعا منها وأنهما أحرقا المكتوب من الأحاديث في زمانهما.

كما إنَّ طروء النسيان بسبب كبر السن ليس أمراً يختص به زيد بن أرقم، بل هو أمرٌ محتمل جداً في كل الصحابة الذين كبروا.. وهنا تظهر أهمية التساؤل عن الضمان لحفظ السنَّة النبويَّة بالنظر إلى الخطأ والنسيان والرواية بالمعنى والاختلاف بين الصحابة، مما يبين صحَّة ما يذهب إليه أتباع مدرسة أهل البيت (ع) من لزوم توفير الضمان لذلك من خلال صفة العصمة ـ علماً واستقامةً ـ في الأئمَّة من أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كما إنَّ الاعتراف بالنسيان بالإضافة إلى منع التحديث وحرق الأحاديث وغير ذلك من الأحداث التاريخية تبيِّن أنَّ الصحابة (بصفة عامَّة) لم يكونوا يمثِّلون ضماناً لسلامة النقل وحفظ التراث الديني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف ما يحاوله أتباع مدرسة الخلفاء.

وبالرجوع إلى المجمع عليه من النصوص والشواهد التاريخية، نجد البون شاسعاً بين الصحابة وبين الإمام علي عليه السلام، مما يؤكِّد صحَّة ما يقول به أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.. ولنذكر بعض تلك النصوص والشواهد من مرويات مدرسة الخلفاء:

روى ابنُ سعد (ت 230 هـ) في الطبقات الكبرى 2 : 338 ، بسنده عن الإمام عليٍّ (عليه السلام) أنه قال: “والله ما نزلتْ آيةٌ إلَّا وقد علمتُ فيما نزلتْ، وأين نزلتْ، وعلى من نزلتْ…”. ومثله في “حلية الأولياء” لأبي نعيم (ت 430 هـ) ، برقم 206 .

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد أيضاً، بسنده عنه (عليه السلام) أنه قال: “سلوني عن كتاب الله؛ فإنَّه ليس من آية إلَّا وقد عرفتُ بليلٍ نزلت أم بنهارٍ، في سهلٍ أم في جبلٍ”. وروى مثلَهُ الخطيبُ البغدادي (ت 463 هـ) في كتاب “الفقيه والمتفقِّه” 2 : 352 .

وفي “حلية الأولياء” لأبي نعيم، برقم 195 ، بسنده عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، قال: “إنَّ القرآنَ أُنزِلَ على سبعةِ أَحْرُفٍ، ما منها حرفٌ إلَّا له ظهرٌ وبطنٌ، وإنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ عندَهُ علمُ الظَّاهر والباطن”.

ويشهد لذلك ما صحَّ من أنَّه ـ عليه السلام ـ بابُ مدينةِ علم رسول الله (ص) وحكمته، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: “أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب”، أخرجه الحاكم في “المستدرك على الصحيحين” 3 : 137 . وممَّن رواه: الطبراني في “المعجم الكبير” 11 : 55 ، والخطيب في “تاريخ بغداد” 5 : 110 و 7 : 182 وغيرهما. وحكى السيوطي في “الدُّرر المنتثرة” (ص62) برقم (38) تحسين الحافظين العلائي وابن حجر، وحسَّنه السخاوي في “المقاصد الحسنة” 1 : 170 برقم (189) ، والزرقاني في “مختصر المقاصد الحسنة” (170) ، والزركشي في “اللآلئ المنثورة” (1/165) ، والشوكاني في “الفوائد المصنوعة” (ص349) برقم (52) .

وفي “حلية الأولياء” لأبي نعيم، برقم 205 ، بسنده عن رسول الله صلى الله عليه، أنه قال: “يا علِيُّ؛ إنَّ اللهَ أمرني أن أُدنِيَكَ وأعلِّمَكَ لِتَعِيَ، وأُنْزِلَتْ هذه الآيةُ: (وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) ، فأنتَ أذنٌ واعيةٌ لعلمي”.

وعن سعيد بن المسيَّب، قال: “لم يكن أحدٌ من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول سلوني إلَّا عليَّ بنَ أبي طالبٍ”. انظُر: فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 : 646 برقم 1098 ، وقال المحقِّق وصي الله محمَّد عباس: “إسناده صحيح”. أقول: ورواه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” برقم 514 ، وسنده صحيح.

إلى غير ذلك، ممَّا تواتر معناه عند أهل التدقيق، ويصعب حصره عند أهل التحقيق.. والله وليُّ التوفيق.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى