وسقط السبط الشهيد مضرجاً بدمائه على بوغاء كربلاء، وارتفع الرأس الشريف على رأس رمح طويل ليسمع أهل الأرض والسماء بصرخته المدوية.. هل من ناصر ينصرنا.. وعَبرت هذه الصرخة لتتجاوز الزمان والمكان.. والآن وبعد أربعة عشر قرناً لا تجد بقعة من بقاع الأرض تخلو من استجابة لتلك الصرخة: لبيك ياحسين.
كل ذلك لأنه قام دفاعاً عن الدين وقيمه، وضحى بنفسه وبكل ما يملك من أجل إنسانية الإنسان وسعادته، فخلد بالدين الخالد، وأجابه التواقون إلى الحرية والعدل والكرامة، والباحثون عن السعادة.
أوليس هو القائل: إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي؟
إن كان دين محمد لا يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني
بلى.. لقد قال ذلك وأكثر.. وقرنه بالعمل، ومن أجله ضحى وقتل.
ترى كم هو مهم أمر الإصلاح عند السبط الشهيد؟ حتى كان ما كان.. وقدم ما قدم.
لقد عمل بنو أمية وعمالهم على التحريف والتزييف لقيم الدين فاعتمدوا القتل والسجن والعذاب بدلاً عن الأمن والعدل والعزة والحرية، واعتبروا الحرمات كلها – ومن دون استثناء بما فيها الكتاب والسنة والكعبة – مستباحة.
فأصبح الدين غير الدين، والحكم غير الحكم.. فالدين الذي جاء به النبي يدعو إلى الرحمة والرأفة والعلم والعزة والكرامة، فهو يحرر الإنسان من الجبت والطاغوت، ويضع عنه الإصر والأغلال.. بينما الصورة التي قدمها بنو أمية للدين يعلوها الكبر والجبروت وسفك الدماء وانتهاك الحرمات.
والحكم الذي جاء به الأمين من ربه يحقق الأمن ويحفظ الحق ويرتقي بالإنسان إلى السعادة والكرامة، بينما الحكم الأموي وخلافاً لمدرستي النص التي يتبناها أئمة أهل البيت ومدرسة الشورى التي يتبناها أهل السنة، أصبح ملكاً يستمد شرعيته من البطش والإرهاب ومسخ إنسانية الإنسان.
فكان لا بد من عمل إصلاحي يفصل بين حقيقة الدين والصورة المشوهة التي عرضها ملوك بنو أمية، فكان ما كان من ثورة الإمام الحسين.
واليوم حيث رايات الحسين ترفع من كل بيت، وحيث عم السواد جميع البلاد، وحيث يمتزج الحزن والأسى واللوعة بالإصلاح والتغيير والتطلع إلى واقع أفضل ينبغي أن نلتفت إلى ما يلي:
أولاً: إن ما فعله بنو أمية من التحريف والتزييف ما زالت آثاره موجودة في الكتب والسلوك، لذا فإننا بحاجة إلى تنقية التراث من المخترعات الأموية، وتطهير النفوس من آثارهم، فالعنف والحقد والكراهية والبغضاء والبطش والتعالي صفات تتكئ على مرتكزات من الثقافة الأموية فلا بد من محاربتها، وإصلاح المتلبسين بها.
ثانياً: يجب علينا أن نوصل الدين المحمدي الأصيل إلى العالم، فما وصل إليهم مختلط بين الأصيل وغيره، والأعداء يبرزون ما يشين بالدين، والجهلة يلتبس الأمر عليهم مما يدفع بالعداوة والشحناء والبغضاء لتحل محل التعايش والحوار بين المنصفين والأحرار من هذا العالم.
ولعل الإساءة للرسول الأعظم من قبل الصحف الدنماركية تدخل في هذا الإطار، مضافاً إلى الحقد الصليبي الأعمى الذي يوجه العالم باتجاه التناحر والاضطراب.
ومعلوم أن هذه الإساءة إلى الرسول لم تكن هي الأولى وربما لا تكون الأخيرة، لذا فإن الدعوة إلى سن قوانين تمنع من التعرض للمعتقدات الدينية أمر في غاية الأهمية، بل وكذلك المعتقدات المذهبية.
ثالثاً: لم تكن مقولة رسول الله في حق الإمام الحسين (حسين مني وأنا من حسين) نابعة من عاطفة أو هوى، بل هي من صميم الدين، ودعوة الإمام ونهضته في كربلاء هي الأخرى من صميم الدين لذا ينبغي على المسلمين جميعاً- شيعة وسنة- إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين لأنها تذكير بالإصلاح والصلاح على الدوام.
ونحن هنا في هذه المنطقة نتأمل من إخواننا السنة مشاركتنا في إحياء عاشوراء في كل عام، وإقامة مجالس العزاء على سبط النبي، ونتأمل أيضاً أن تتحول مراكز إدارة البلاد في عاشوراء إلى مجالس تحيى فيها هذه النهضة المباركة ويتدارس فيها القيم الإصلاحية التي حملها الإمام الحسين.
كما أن إبراز بعض الجزئيات (كالعزاء والتطبير) من قبل بعض الصحف وبعض الفضائيات واعتبارها الهدف الأساس من عاشوراء يفوت الفرصة من الاستفادة من عاشوراء ويوسع الفجوة بين أبناء الوطن والأمة1.
- 1. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 8/2/2006م – 5:53 م.