الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين…
هُوَ أَبُو الْحسن، مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى، بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم، بْن مُوسَى بن جَعْفَر، بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ، بن أبي طَالب (عَلَيْهِم السَّلَام)([1])، المعروف بالموسوي([2])، والشريف الرضي، وكان الأدباء يُسَمُّونه النايحة الثكلى؛ لرقة شعره([3]).
هذا العالم سليل الأطهار ومعدن علم الجبار، ورث العلم عن باب مدينة العلم؛ فكان أعلم أهل زمانه، ذاع صيته في البلاد، ونال الشرف والرِّفعة بما حواه من علمٍ وأدب وخلق قويم . وِلِد بِبَغْدَاد سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة للهجرة، وما لبث أن تفتَّقت مواهبه في ريعان غضاضته، وابتدأ يَقُول الشّعْر بعد أَن جَاوز الْعشْر سِنِين بِقَلِيل، وَهُوَ الْيَوْم أبدع أَبنَاء الزَّمَان، وأنجب سادة الْعرَاق، يتحلى مَعَ محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظَاهر، وَفضل باهر وحظ من جَمِيع المحاسن وافر، ثمَّ هُوَ أشعر الطالبيين من مضى مِنْهُم وَمن غبر، على كَثْرَة شعرائهم المفلقين كالجماني وَابْن طَبَاطَبَا وَابْن النَّاصِر وَغَيرهم، وَلَو قلت إِنَّه أشعر قُرَيْش لم أبعد عَن الصدْق، وكان شعره عاليًا عن القدح مُمْتَنعًا عَن المجاراة، يجمع فيه مع السلاسة متانة وَمع السهولة رصانة، ويشتمل على معَان يقرب جناها وَيبعد مدها([4])، وكان أَبوهُ أَبُو أَحْمد يتَوَلَّى نقابة الطالبيين، وَالْحكم فيهم أَجْمَعِينَ، وَالنَّظَر فِي الْمَظَالِم وَالْحج بِالنَّاسِ، ثمَّ ردَّتْ هَذِه الْأَعْمَال كلهَا إِلَى وَلَده الشريف الرَّضي في حياته وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة([5])، وخُلِعَتْ عَليْهِ خلعة سوداء، وهو أوَّل طالبي خُلِعَ عليه السواد([6]) .
توفي بكرة يوم الأحد سادس المحرم، وقيل صفر، سنة ست وأربعمائة ببغداد، ودفن في داره بخط مسجد الأنبارين بالكرخ، ولم يتمكَّن أخوه المرتضى أبو القاسم من مشاهدة مواراته في قبره؛ ولذلك مضى إلى مشهد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)؛ لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه، وصلى عليه الوزير فخر الملك مع جماعة كثيرة([7]).
ولم تنتهِ حياة الرَّضي بمواراته في قبره؛ بل تسامت روحه لتبقى خالدةً على مرِّ الأزمان، متوهجةً بنور ما ترك من آثار، مُزدانة بألق العلم والمعرفة، قد تواترت كلمات العلماء على اختلاف مشاربهم في مدحه والثناء عليه، ولم يُعهد أنَّ أحدًا نال منه ببنت شفه؛ لما شاع عنه من الفضل وسمو الروح وعلو المهابة ورفعة الوقار، على الرغم من قصر عمره الشريف إذ لم يتجاوز السادسة والأربعين؛ إلَّا أنَّ مناقبه سارت مع الركبان فضجَّت بذكره الأقلام، وعجَّت بتداول آثاره أنامل العلماء بمختلف أصناف تخصصاتهم المعرفية والعلمية، وهكذا فإنَّه لم يمت قلمٌ أحيا ذكر محمَّدٍ وآل محمَّد (اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد) رحم الله تعالى الشريف الرَّضي وأسكنه فسيح جنانه مع آبائه الطاهرين..
جعلنا الله تعالى وإيَّاكم ممَّن ينال شرف خدمة محمَّد وآله (صلوات الله عليهم)
الهوامش:
([1]) يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر: 3/155 ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 4/414 .
([2]) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 4/414 .
([3]) الوافي بالوفيات: 2/276
([4]) يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر: 3/155
([5]) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 4/415 .
([6]) تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 9/13
([7]) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 4/415 .
المصدر: http://inahj.org