أحد أسباب الخلاف بين جيل الشباب وج من خصائص الشباب الرغبة في التجديد و التغيير؛ فالشباب يعشقون كل جديد، وينجذبون إلى كـل حديث، ويسايرون كل تغيير، ويعجبون بكل شئ عصري.
فلو خير الشباب بين فكر جديد و فكر قديم، أو بين سلعة جديدة و سلعة قديمة، أو بين صناعة جديدة
وآخرى قديمة… لاختاروا الجديد .فطبيعة الشباب أنهم يعشقون الجديد، وينفرون من القديم… وغالباً ما يكون هذا
يل الشيوخ خصوصاً ما يرتبط بالأفكار ، والثقافات والعادات والتقاليد.
ولذلك نلاحظ أن جيل الشباب هو جيل التجديد والتغيير في كل المجتمعات الإنسانية، لأن الشــباب
لديهم الاستعداد النفسي والعقلي للعمل من أجل التطوير والتجديد والتغيير في حركة المجتمع وإدارته.
الإنسان و التطور المستمر
يعيش الإنسان حالة من التطور المستمر، والتجديد الدائم، لأن الإنسان يستطيع بعقله أن يفكـر، وأن يبدع، وأن يتطور، وبالتالي يمكنه أن يتقدم وأن يجدد في حياته وحياة مجتمعه. بينما عالم الحيوان لاتطور فـــيه ولاتجديد وذلك لأن الحيوان ليس لديه عقل يفكر به، وإنما يسير حسب الغريزة التي أودعها الله عز وجل فيـــه، ولذلك كان الحيوان ومنذ آلاف السنين وإلى الآن وسيبقى كذلك يسير على وتيرة واحدة، ويعيش بنفـــس الأسلوب والطريقة. في حين أن الإنسان في تغير مستمر، وتطور دائم سواء فيما يتعلق بحياته الخاصة. أو فيما يتعلق بحياة المجتمع والأمة.
وكلما استخدم الإنسان عقله كلما كان أقدر على التجديد والتطوير والتغيير. وقد حث القــرآن الكريم الإنسان على استثمار عقله في العديد من الآيات القرآنية كقوله تعالى :﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ 1 وقوله تعالى : ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ 2. الفؤاد يستخدم في القرآن بمعنى العقل، أو القوة الواعية في الإنسان، أو القوة المدركة على وجه العموم. والله سبحانه وتعالى كرم الإنسان بالعقل، وأمره أن يستثمر عقله في التفكير و التفكر، والنظر والتأمل، والإبداع والتجديد.
ومسيرة التجديد والتغيير والتطوير والتقدم التي تشهدها البشرية إنما مدينة لعقل الإنسان… هذا العقل
الخلاق والمبدع هو سر هذا التقدم والتطور الذي وصلت إليه البشرية.
الشباب وحب التجديد
يرغب الشباب في التجديد والتطوير، ومن الضروري إنماء حس التجديد عندهم كي يساهموا في بناء
المجتمع، وإحياء الحضارة، وصنع التقدم والتطور والازدهار. وبذلك يكونون من رواد التجديد والتغيير وليس فقط مجرد مستهلكين لكل جديد وحديث.
وثمة مسألة في غاية الأهمية وهي : إن التجديد والتغيير لايعني الانجرار وراء الموضات والصـرعات المائعة، أو الانسياق وراء الأفكار المنحرفة لأن ذلك يساهم في بناء جيل غير منتج وغير ملتزم . والتجديد والتطوير المطلوب هو الإبداع والابتكار في عالم الصناعة والاقتصاد والتجارة والزراعة… الخ .
كما يحتاج المجتمع إلى علماء ومفكرين يقدمون أفكاراً جديدة، وبرامج حديثة، بحيث يمكن من خـلالها استقطاب الشباب، وتأهيلهم لممارسة دور طليعي في البناء والتغيير والتجديد.
فالمجتمع بحاجة ماسة إلى أفكار خلاقة، وثقافة جديدة، تعالج قضايا العصر ومشكلاته وهمومه. ومن الخطأ الاقتصار على قضايا الماضي ومشاكله، أو اجترار ثقافة عصور غابرة لم يعد لها في واقع اليوم من أثر يذكر.
وفي ظل واقع جديد يعج بالأفكار الجديدة ، والثقافات المتعددة في عالم لم يعد فيه حدود ولاقيود ولاسدود تحول دون وصول ثقافة الآخر إلى شبابنا. ومن هنا علينا أن نقدم ثقافة معاصرة برؤية إسلامية تعالج قضايا العصر، وتجيب على إشكالات الآخر، وتقدم بدائل للأفكار المطروحة. وإلا فإن شبابنا سوف يتأثرون بثقافة الآخر وفكره كما هو حاصل بالفعل بالنسبة للكثير من الشباب والفتيات في المجتمعات الإسلامية.
والتجديد إنما يكون في الفكر الديني وليس في الدين نفسه، كما أنه توجد أشياء ثابتة غير قابلة للتجـديد رغم مرور الزمان وتوالي العصور كالعبادات والأخلاق والقيم الإنسانية العليا… وكل مالايقبل التجديد. ويــبقي بعد ذلك مساحة واسعة جداً قابلة للتجديد وبحاجة إلى إنتاج أفكار خلاقة وجديدة.
أما التجديد والتطوير والتغيير في عالم الأشياء والسلع فهو مفتوح على مصراعيه، والإسلام يشجـع على ذلك ويحث عليه، فالإسلام دين العقل، والعقل منطلق الإبداع والتجديد3.
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 269، الصفحة: 45.
- 2. القران الكريم: سورة الملك (67)، الآية: 23، الصفحة: 563.
- 3. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف (حفظه الله) – 12 / 11 / 2010م – 7:57م.