المشهور بين الموالين لأهل البيت عليهم السلام أن السيدة رقية بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام هي المدفونة في الشام بمحلة العمارة بدمشق، و هذا هو المعروف أيضا بين غير الموالين لأهل البيت عليهم السلام من أهالي محلة العمارة.
تنبيه هام
مما يؤسف له هو أن هناك أفراد بل فئات تنشط بين الفينة و الأخرى لبث التشكيك و الفتنة و الاختلاف بين صفوف الموالين لأهل البيت عليهم السلام، و من الواضح أنهم يسعون في محاولة يائسة إلى الصيد في الماء العكر من خلال اشغال المؤمنين بما لا فائدة فيه.
و من جملة هذه القضايا هي قضية إسم يتيمة الإمام الحسين عليه السلام “رقية” متسائلين عما يثبت وجودها بهذا الاسم في كتب التاريخ و السير و الأعلام.
و مما يزيد في إشعال الفتنة هو غفلة بعض الباحثين المخلصين و عدم تفطنه لنوايا المتسائلين و تسرعه في الإجابة و إبداء رأيه ببراءة علمية، و حينها يجد المغرضون بغيتهم فتبدأ الحملات التشهيرية البغيضة و لا تكون نتيجتها سوى الفرقة و الاختلاف.
و لعل الأجدر بالعلماء و الباحثين و أصحاب الرأي بصورة دائمة و عامة هو التنبه و عدم الإسراع في الإجابة بصورة ارتجالية و غير مدروسة و التأكد من نوايا السائل و ما قد يترتب على الإجابة على سؤال السائل هذا و ما قد يخفيه خلف سؤاله هذا من المكائد، فقد قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام محذراً من الوقوع في مصائد المشاغبين: ” كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ 1 لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَ لَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ” 2، كناية عن تخييب ظن أصحاب النوايا الفاسدة و عدم تمكينهم من استغلال الطيبين.
من هي السيدة رقية ؟
قال بعض المحققين:
رقية تصغير لراقية، و التصغير جاء للتحبيب و الدلال.
ولدت بين سنة 57 و 58 هجرية بالمدينة المنورة.
أمها أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي.
عاشت ثلاث سنوات، توفيت شهيدة في الخامس من شهر صفر سنة 61 هجرية.
توفيت شهيدة إثر ما طالها من الظلم و تحمل المشقة التي تفوق طاقتها و نتيجة للتعامل القاسي معها من قبل الأعداء بعد واقعة الطف الأليمة، و بسبب الحزن الشديد على والدها الحسين عليه السلام و إخوتها و أهل بيتها.
ورد ذكرها في التاريخ و بعض المقاتل.
قال السيّد مصطفى جمال الدين 3 فيها قصيدة رائعة كتبت على الكتيبة الذهبية على جبين ضريح مرقدها الطاهر، و إليك القصيدة الرائعة:
في الشامِ في مَثوى أُميّةَ مَرقَدُ *** يُنْبيكَ كيف دمُ الشهادةِ يَخلُدُ
صَرحٌ مِن الإيمان، زَهْوُ أُميّةٍ *** و شموخُ دولتِها لَدَيهِ يَسجدُ
رَقَدت به بنتُ الحسين فأوشَكَت *** حتّى حِجارةُ ركنِهِ تَتوقَّدُ
كانت سَبيّةَ دولةٍ تَبني على *** جُثَثِ الضحايا مجدَها و تُشيِّدُ
حتّى إذا دالَت تَساقَطَ فَوقَها *** بأسُ الحديد، و قامَ هذا العَسجَدُ
هيَّا آستفيقي يا دِمشق، و أيقِظي *** تَرَفاً على وَضَرِ القُمامةِ يَرقُدُ
و أَريهِ كيف تَربَعّتْ في عرشِهِ *** تلك الدماءُ يَضوعُ فيها المَشهَدُ
مَن راحَ يَعدِل مَيلَ بدرٍ أمسُهُ *** فُلّتْ صوارمُه و مالَ به الغَدُ
ستَظَلُّ هندٌ في جَحيمِ ذُحولِها *** تَجتَرُّ أكبادَ الهُدى و تُعَربِدُ
و يَظَلُّ مجدُكِ يا رُقيّةُ عِبرةً *** للظالمينَ على الزمانِ يُجَدَّدُ
يَذكو به عِطرُ الأذانِ و يَزدَهي *** بجلالِ مَفرِقهِ النبيُّ محمَّدُ
و يَكادُ مِن وَهَجِ التِّلاوةِ صَخرُهُ *** يَنْدى، و مِن وَضَحِ الهُدى يَتَورَّدُ
و عليه أسرابُ الملائكِ حُوَّمٌ *** و هُمومُ أفئدةِ المَوالي حُشَّدُ
و بِهِ يَطوفُ فمُ الخلودِ مُؤرِّخاً: *** بالشامِ قبرُ « رُقَيّةٍ » يَتجَدَّدُ
و قال فيها شاعر آخر:
في رُبى قاسيون قبرٌ صغير *** فيه غصنٌ من البتول نظير
تُربةٌ هومت رقية فيها *** حضن الطهر رملها و الحفي
- 1. ابن الناقة إذا استكمل سنتين.
- 2. نهج البلاغة : 469 ، طبعة صبحي الصالح .
- 3. هو الدكتور السيد مصطفى جمال الدين ( آل جمال الدين ) من مواليد سنة: 1346 هـجرية / 1926 ميلادية، ولد بقرية المؤمنين، و هي إحدى قرى مدينة سوق الشيوخ التابعة لمحافظة الناصرية في جنوب العراق.
و هو من أسرة علمية عريقة، و يتصل نسبه عبر أجداد الكرام إلى الامام علي بن أبي طالب عليه السلام،
درس في كتاتيب ثم تابع الدراسة في المدارس الابتدائية، و بعد إكماله الدراسة في الصف الرابع الابتدائي هاجر إلى النجف الأشرف حيث الحوزة العلمية لدراسة العلوم الدينية، فأكمل دراسته بتفوق حتى عرف بالنبوغ ، ثم تابع الدراسة و التدريس في كل من كلية الفقه في النجف الأشرف، و جامعة بغداد و كلية الآداب في جامعة بغداد فذاع صيته في العراق و العالم العربي و حاز على شهادة الدكتوراه بدرجة ممتاز من قسم اللغة العربية عام 1979م.
قال فيه الشاعر فالح الحجية في كتابه في الأدب والفن: ان مصطفى جمال الدين عملاق الشعر النجفي الحديث و من احد مقولاته التي دلَّ فيها على انه لم يتكسب بشعره : “عاشرت ملوك العراق و حكامه و رؤساءه و المتنفذين فيه … فلم امدح احداً منهم”.
له مؤلفات أدبية و فقهية و سياسية عديدة، منها: القياس حقيقته و حجيته (رسالة ماجستير) و البحث النحوي عند الأصوليين (رسالة دكتوراه) و الانتفاع بالعين المرهونة ( بحث فقهي و أصولي)، و الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة، و ديوان شعر كبير (مطبوع)، و غيرها.