نص الشبهة:
روي أن بعض الشيعة قال للإمام الصادق عليه السلام : إنَّا قد نُبِزْنا نَبْزاً أَثْقَلَ ظُهورَنا ، وماتت له أفئدَتُنا ، واستحلت له الوُلاةُ دماءَنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : الرافضة ؟ قالوا : نعم ، فقال : لا والله ما هم سمّوكم . . ولكن الله سمّاكم به ( الكافي 5 / 34 . ) .
الجواب:
ولإيضاح هذا الحديث نقول :
أولاً : هذا الحديث ضعيف السند ، فإن في سنده رواته سهل بن زياد ، وهو ضعيف على المشهور المنصور عند العلماء .
قال النجاشي : سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي ، كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب ، وأخرجه من قم إلى الري ، وكان يسكنها 1 .
وقال الشيخ الطوسي : سهل بن زياد الآدمي الرازي ، يكنى أبا سعيد ، ضعيف 2 .
وقال المحقق الخوئي : وقال النجاشي والشيخ في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى : واستثنى ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى في جملة ما استثناه روايته عن سهل بن زياد الآدمي ، وتبعه على ذلك الصدوق وابن نوح ، فلم يعتمدوا على رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن سهل بن زياد . وقال ابن الغضائري : سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي : كان ضعيفاً جداً ، فاسد الرواية والمذهب ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري أخرجه من قم ، وأظهر البراءة منه ، ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه ، ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل 3 .
وقال : وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً أو أنه لم تثبت وثاقته 4 .
ومن جملة رواة هذا الخبر محمد بن سليمان ، وهو محمد بن سليمان البصري الديلمي ، وهو ضعيف أيضاً .
قال المحقق السيد الخوئي : ولا شك في انصراف محمد بن سليمان إلى البصري الديلمي ، فإنه المعروف المشهور 5 .
قال النجاشي : محمد بن سليمان بن عبد الله الديلمي ، ضعيف جداً ، لا يُعوَّل عليه في شيء 6 .
وقال في ترجمة أبيه : سليمان بن عبد الله الديلمي أبو محمد . . . وقيل : كان غالياً كذَّاباً ، وكذلك ابنه محمد ، لا يُعمل بما انفردا به من الرواية 7 .
وقال الشيخ : له كتاب ، يُرمى بالغلو 8 .
وقال العلامة في رجاله : ضعيف جداً لا يعوَّل عليه في شيء 9 .
ومن جملة الرواة سليمان بن عبد الله الديلمي ، وهو والد الراوي السابق ، وقد مرَّ أيضاً تضعيفه ، كما مر في كلام النجاشي آنفاً .
ثانياً : بعد الغض عن سند هذه الرواية نقول : إنها واردة في مدح الشيعة لا في ذمِّهم ، ولا بأس أن أنقل لك الرواية كاملة كما رواها الكليني قدس سره في كتابه (الكافي) ، وإليك نَصّها :
قال الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه أبو بصير وقد خَفِرَه النفَس ، فلما أخذ مجلسه قال له أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا محمد ما هذا النفَس العالي ؟ فقال : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، كبر سني ، ودق عظمي ، واقترب أجلي ، مع أنني لستُ أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي . فقال أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا محمد وإنك لتقول هذا ؟! قال : جعلت فداك وكيف لا أقول هذا ؟! فقال : يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم ، ويستحيي من الكهول ؟ قال : قلت : جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول ؟ فقال : يكرم الله الشباب أن يعذِّبهم ، ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم . قال : قلت : جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لأهل التوحيد ؟ قال : فقال : لا والله إلا لكم خاصة دون العالم . قال : قلت : جعلت فداك فإنا قد نُبِزْنا نبزاً ـ أي لقبونا بلقب ـ انكسرت له ظهورنا ، وماتت له أفئدتنا ، واستحلتْ له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم . قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : الرافضة ؟ قال : قلت : نعم . قال : لا والله ما هم سمَّوكم ، ولكن الله سمَّاكم به ، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلاً من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم ، فلحقوا بموسى عليه السلام لما استبان لهم هداه ، فسُمُّوا في عسكر موسى الرافضة ، لأنهم رفضوا فرعون ، وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة ، وأشدَّهم حبًّا لموسى وهارون وذريتهما عليهما السلام ، فأوحى الله عزَّ وجل إلى موسى عليه السلام : أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة ، فإني قد سمَّيتهم به ونحلتهم إياه . فأثبت موسى عليه السلام الاسم لهم ، ثم ذخر الله عزَّ وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه ، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر ، افترق الناس كل فرقة ، وتشعبوا كل شعبة ، فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله ، وذهبتم حيث ذهبوا ، واخترتم من اختار الله لكم ، وأردتم من أراد الله ، فأبشروا ثم أبشروا ، فأنتم والله المرحومون المتقبَّل من محسنكم ، والمتجاوَز عن مسيئكم ، من لم يأت الله عزَّ وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ، ولم يتجاوز له عن سيئة ، يا أبا محمد فهل سررتُك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . فقال : يا أبا محمد إن لله عزَّ وجل ملائكة يُسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يُسقِط الريح الورق في أوان سقوطه ، وذلك قوله عزَّ وجل ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا … ﴾ 10، استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق ، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . قال : يا أبا محمد لقد ذكَركم الله في كتابه فقال ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ 11، إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا ، وإنكم لم تبدِّلوا بنا غيرنا ، ولو لم تفعلوا لعيَّركم الله كما عيَّرهم حيث يقول جل ذكره ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾ 12، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . فقال : يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال ﴿ … إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ 13، والله ما أراد بهذا غيركم ، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . فقال : يا أبا محمد ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ 14، والله ما أراد بهذا غيركم ، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . فقال : يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه ، فقال عزَّ وجل ﴿ … هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ 15، فنحن الذين يعلمون ، وعدوّنا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا هم أولو الألباب ، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . فقال : يا أبا محمد والله ما استثنى الله عزَّ وجل بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته ، فقال في كتابه وقوله الحق ﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ … ﴾ 16 يعني بذلك عليًّا عليه السلام وشيعته ، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . قال : يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ 17، والله ما أراد بهذا غيركم ، فهل سررتك يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني ، فقال : يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ … ﴾ 18، والله ما أراد بهذا إلا الأئمة عليهم السلام وشيعتهم ، فهل سررتك يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . فقال : يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال ﴿ … فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ 19، فرسول الله صلى الله عليه وآله في الآية النبيون ، ونحن في هذا الموضع الصدِّيقون والشهداء ، وأنتم الصالحون ، فتسمَّوا بالصلاح كما سمَّاكم الله عزَّ وجل ، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . قال : يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوِّكم في النار بقوله ﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴾ 20، والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم ، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس ، وأنتم والله في الجنة تُحبرون ، وفي النار تُطلبون . يا أبا محمد فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . قال : يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا ، وما من آية نزلت تذكر أهلها بِشَر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدوِّنا ومَن خالفنا ، فهل سررتك يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني . فقال : يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا ، وسائر الناس من ذلك براء ، يا أبا محمد فهل سررتك ؟ وفي رواية أخرى فقال : حسبي 21 .
فهذه الرواية كما يلاحظ القارئ كلها مسوقة لمدح الشيعة ، ولبيان أن لفظ (الرافضة) لفظ شريف ادَّخره الله لأهل الحق ، وأن المراد به الذين رفضوا الباطل واتّبعوا الحق .
لكن بعض المغرضين غير المنصفين لا ينقلون كل الرواية ، وإنما يبترون النص ليوهموا الغافلين أن الرواية مسوقة لذم الشيعة لا لمدحهم 22 .
- 1. رجال النجاشي 1 / 417 .
- 2. الفهرست ، ص 142 .
- 3. معجم رجال الحديث 8 / 339 .
- 4. المصدر السابق 8 / 340 .
- 5. معجم رجال الحديث 16 / 134 .
- 6. رجال النجاشي 2 / 269 .
- 7. نفس المصدر 1 / 412 .
- 8. رجال الطوسي ، ص 343 .
- 9. رجال العلامة ، ص 255 .
- 10. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 7، الصفحة: 467.
- 11. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 23، الصفحة: 421.
- 12. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 102، الصفحة: 163.
- 13. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 47، الصفحة: 264.
- 14. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 67، الصفحة: 494.
- 15. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 9، الصفحة: 459.
- 16. القران الكريم: سورة الدخان (44)، الآية: 41 و 42، الصفحة: 498.
- 17. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 53، الصفحة: 464.
- 18. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 42، الصفحة: 264.
- 19. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 69، الصفحة: 89.
- 20. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 62 و 63، الصفحة: 457.
- 21. الكافي 8 / 28 .
- 22. نُشرت هذه الإجابة في الموقع الرسمي لسماحة الشيخ علي آل محسن .