لا تزال الحواشي أو بتعبير أدق «البطانة» المحيطة بالزعيم السياسي أو العالم الديني تلعب دورها في فرض الكثير من المعادلات، واستصدار القرارات من الزعماء السياسيين، والفتاوى من الزعماء الدينيين.
وتمارس هذه البطانة دورها بعد أن تتميز بقدرتها الفائقة في انتزاع الثقة بها من قبل الجهة التي يفترض منها أن تكون عوناً وسنداً لها، وبذكاء حاذق تتمدد وتوسّع رجالها ومشابهيها في الرؤية والمزاج والتفكير إلى أن تتمكن من حجب الرؤية عن زعيمها بشكل تام، وان كان ما يريد مشاهدته شمساً لها سطوعها ووضوحها لكن تشابك الأغصان وتداخل الأوراق مع بعضها وكثافتها وتراكمها على بعضها يستطيع كما هو ملاحظ في الأحراش أن يمنع أشعة الشمس من التسلل والنفاذ.
لا يمكننا التعميم هنا بالقول: أن كل البطانات السياسية والدينية تمارس دوراً سلبياً وسيئاً على الزعيم المفترض وتحول بينه وبين الاطلاع على الأمور كما هي، فمن البطانات كواكب تزين العالم والحاكم وتُبيّض وجهيهما بعد أن تتزين هي بالعقل والحكمة والأخلاق، وبعد أن تكون المصالح العامة والتطلعات الكبرى هي شغلها الشاغل، وبعد أن تفصل بين مواقف أفرادها من الأشخاص أو الأحداث والقضايا، وتعي الفارق بين موقفها كندٍ أو خصمٍ أو مختلفٍ وبين موقف الزعيم الذي نفترض فيه أن يكون أباً وراعياً وحامياً للجميع سياسياً كان هذا الزعيم أم دينياً.
وعدم التعميم هذا لا يمنع من القول ان البطانات الإيجابية نادرة في الماضي وفي الحاضر، مما يسمح بالقول: ان أغلبها يحترف أدواراً سلبية سيئة، يصدق هذا الرأي على اصغر المؤسسات والدوائر الرسمية والأهلية في عالمنا العربي والإسلامي، ويأخذ طريقه صعوداً إلى أهمها وأعلاها سياسياً ودينياً.
الخواص ضرورة
الخواص ضرورة لابد منها في كل دائرة ولكل منصب ومع كل زعيم، وإذا كان ثمة حديث من أي نوع كان فهو لا يعني إلغاءها، لأنها تشكل في أغلب الأحيان امتداداً لصداقات الرئيس أو الزعيم أو تكون من الأقارب والأنساب والأحساب، كتب الأستاذ علي الخشيبان في جريدة الوطن28/8/1425هـ «من الواضح أن طريق الوصول إلى أن تكون «بطانة عربية» يمر بمسارات تشوبها الشبهات ويضطر صاحبها إلى استخدام وسائل غير قانونية لكي يرتقي إلى تلك المكانة التي ما إن يصل إليها حتى يبدأ الأبناء والأحفاد باستلامها بالتناوب طويل الأجل»، نعم في بعض الأحيان تتسلل البطانة وتتصدر موقعها بكفاءات متميزة، يشعر الزعيم أنه يحتاجها في تسيير أموره، وقضاء المهمات الموكلة له والخاصة به.
على أي حال يحتاج كل صاحب موقع ومكانة إلى مشيرين يقدمون له الرأي ويبادرونه بالمقترحات، ويعينونه على رسم الخطوط العامة علاجاً لبعض المشكلات، ويُنيرون له طريقاً يسهل عليه بعد ذلك سلوكه دون تردد أو شك.
إن تعقيدات الحياة، وتسارع قضاياها، وكثرة مشاكلها تدعو كل مسؤول إلى البحث عن مستشارين ومقربين يأنس بهم وبآرائهم، وحين يفعل منطلقا من ذلك، فإنه يدل على رجاحة في العقل تحثه على السعي إلى جمع عقول الناس إلى عقله ليكون الرأي حصيفاً صائباً قوياً، وهذا الوجه يحتاج إلى دقة في اختيار الخواص الأكفاء والمؤهلين لتحمل مسؤولية الرأي واقتراح الحلول، والقادرين على استيعاب ما حولهم من متغيرات ومستجدات، أما إذا تغير الهدف وأصبح البحث عن الخواص ينطلق من الحاجة إلى الاستقواء وتعزيز المكانة والموقع بأي نحو كان، وكيفما اتفق، خوفاً وتحسباً من حراك الأيام وتغير الزمان، فإن ذلك هو الطامة الكبرى وهو الفساد الذي لا يبقي يابسا ولا أخضر إلا أحرقه.
سنكون على موعد في المقال القادم للكتابة عن بعض الأدوار السلبية التي يتمكن الخواص والمقربون من لعبها، والتأثير على حياة الناس جراء ممارستهم لها، لكن سأودعك أيها القاري الكريم بقصة نقلها الشاعر الإيراني سعدي عن الملك أنوشيروان تحمل بعض الإشارات بأن الأخطاء موزعة، ولا يمكن تحميلها بتمامها للبطانة، فربما كان السبب الرئيس هو المسؤول الأول لتلك المؤسسة يقول سعدي: اصطاد الملك أنوشيروان صيداً في البرية، ولم يكن لديه ملحاً، فأرسل غلامه ليأتي إليه بالملح، وقال له اشتر الملح بالمال لكي لا تكون سنة ورسما، وتفسد القرية، فقال الغلام: وما وجه الفساد فيها؟ فقال: كان بناء الظلم في العالم حقيراً، فأضاف عليه كل من جاء إلى العالم حتى صار بهذا المستوى، ثم قال: لو تناول الملك تفاحة من بستان رعيته، فغلمانه سيقطعون الشجرة من أصلها، ولو أخذ السلطان خمس بيضات ظلماً، فإن جيشه سيشوي بالسيخ ألف دجاجة1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله_ صحيفة اليوم 22 / 7 / 2007م.