قالت لي إحدى قريباتي: إن ابنتها الصغيرة (في السنة الخامسة) أحيانا تخجلها مع الناس، بسبب طلاقة لسانها وجرأتها وعفويتها، ولذلك هي تقلل من الزيارة للآخرين.
فقلت لها: قليل من صغارنا من يثق بنفسه، فافرحي بثقتها ونميها في نفسها وساعديها على تطويرها وتهذيبها، فأجابتني أن الكثير من الأحاديث معها قد تخرج عن السيطرة، فقد كنت مرة (والكلام لقريبتي) في زيارة لإحدى صديقاتي العزيزات التي تحبني كثيرا، وحين رأت ابنتي توجهت إليها بالسؤال ملاطفة كيف حالك يا فلانة؟ فردت ابنتي عليها بالقول: أنت تريني ألعب واركض وأتكلم، وهذا يعني أني بخير، فما فائدة سؤالك؟
أشياء كثيرة قد تخرج عن السيطرة وتتحرك دون توجيه وإرادة، وقد تسبب لصاحبها ولمن حوله أضرارا لا قدرة له على تحملها، وأتذكر خبرا قرأته في جرائدنا المحلية قبل أكثر من عام مفاده، أن طالبا مجدا ملتزما انتابته نوبة ضحك مع دخول المرشد الطلابي للصف، وقد سعى المدرس والمرشد لإيقافه بشتى السبل بما في ذلك الوعيد والتهديد ولكنهما لم يفلحا.
لقد شاهدت على اليوتيوب مقطعا مبهجا لعفويته وقد كان فارسه الشيخ عائض القرني الذي كان في لقاء مباشر على إحدى الفضائيات، فأصابته والمقدم نوبة ضحك، خرجت عن سيطرته، مما اضطر الفضائية لإيقاف البث، ومثل هذا الموقف تكرر مع المذيعة في قناة العربية ميسون عزام وهي تقدم نشرة العربية الإخبارية.
وفي عالم الأشياء، نقرأ كثيرا عن الحوادث التي يسببها فقد السيطرة على الأشياء، أو خروج تلك الأشياء عن السيطرة، وكان آخر ما قرأت مما يخيف خبرا فحواه (أفادت وزارة الدفاع الأمريكية الأربعاء أن 50 صاروخا نوويا خرجت السبت عن سيطرة البنتاغون) 1.
علينا أن نقتنع بأن هناك أمورا تخرج فعلا عن السيطرة وقد يصعب عودتها لدائرتها الأولى، كما يصعب إرجاعها وإن فاقت الجهود حد التصور.
لقد سعى نبي الله نوح حتى الرمق الأخير أن يعود فلذة كبده إلى جادة الصواب وينجو من الهلكة، لكن الله سبحانه أخبره أن ابنه أصبح خارج معادلته ﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … ﴾ 2..
هناك أبناء يخرجون عن السيطرة فلا تفيد فيهم النصائح والتعاليم، ولا يجدي معهم الإحسان والرأفة، وهناك أبناء مجتمع يخرجون عن النسق العام، ويتصرفون بعيدا عن آداب المجتمع ونظمه ومسلماته، وهناك أشخاص ينفلتون من كل قيد، ويتجاوزون كل الخطوط الحمر سواء الأدبية أو الأخلاقية وحتى تلك الخطوط التي يعرفها الإنسان بفطرته، فإنهم لا يقيمون لها وزنا، ولا يجعلون لها في أنفسهم مقاما.
ومن أولئك على سبيل المثال الذين يقدمون على حرق أو قتل أو تشويه آبائهم وأبنائهم والانتقام منهم.
بقي أن أقول إن وعي الناس بوجود هؤلاء في كل عائلة أو جماعة أو مجتمع يساوي أن لا يدفع الآخرون ثمن خروج هؤلاء عن السيطرة التوافقية والأخلاقية والأدبية وحتى العلمية.
نعم في تصفية الحسابات بين الناس مع بعضهم، وبين الجهات والتوجهات مع بعضها يحلو الربط، ليسهل التشويه وأخذ البريء بجريرة المسيء، لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحق والعدل والصواب3.