نص الشبهة:
يهاجم الشيعة مروان بن الحكم، ويعلقون به كل شنيعة، ثم يتناقضون فيروون في كتبهم: أن الحسن والحسين «رضي الله عنهما» كانا يصليان خلفه! (بحار الأنوار: 10 / 139. النوادر للراوندي ص 163). والعجيب أن معاوية بن مروان هذا قد تزوج رملة ابنة علي «رضي الله عنه»!! كما ذكر ذلك النسابون (نسب قريش لمصعب الزبيري: ص 45 و جمهرة أنساب العرب لابن حزم: ص 87). وكذلك زينب بنت الحسن «المثنى» كانت متزوجة من حفيد مروان: الوليد بن عبد الملك (نسب قريش: ص 52، و جمهرة أنساب العرب: ص 108.). وكذلك تزوج الوليد: نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، لابن عنبة الشيعي: ص 111، وطبقات ابن سعد: 5 / 34).
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن ما يذكره الشيعة عن مروان بن الحكم لا يأتون به من كتب الشيعة، بل من كتب أهل السنة، وبعضه يرويه أهل السنة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» 1. فهل كذب عليه علماء أهل السنة ونسبوا إليه الباطل؟!
ثانياً: لقد روى أهل السنة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «صلوا خلف كل بر وفاجر» 2.
وقد أفتى العلماء من غير الشيعة بمضمون هذا الحديث، فالعمل بمضمونه لا يفيد شيئاً في إثبات أية فضيلة لمروان، أو في امتناع نسبة ما ارتكبه من رذائل إليه.
ثالثاً: لقد روى غير الشيعة أيضاً: أن الإمامين الحسنين «عليهما السلام» كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدان صلاتهما 3.
وهذا يدلُّ على أمور ثلاثة:
أحدها: أن مروان لم يكن من أهل التقوى والورع، لأن من يشترط العدالة في إمام الجماعة لا يكتفي بصلاته خلفه، بل يعيدها..
الثاني: أن صلاته «عليه السلام» خلف مروان لم تكن عن اختيار منه، بل كان «عليه السلام» مكرهاً على حضور الجماعة، إذ لا يستسيغ عاقل أن يعمل ـ باختياره ـ عملاً يراه باطلاً، ثم يعيده.
الثالث: من المعلوم: أن التقية تبيح للإنسان الإكتفاء بصلاته التي صلاها خلف الإمام غير العادل.. ولكنه «عليه السلام» كان يعيد صلاته ربما لمزيد من الإصرار على مناوأة مروان، حيث إنه بإعادته هذه يخبر الناس كلهم بأنه مجبر عليها، وأنه لا يؤتمن على صلاة آحاد المسلمين، فهل يؤتمن على حياتهم، وأعراضهم وأموالهم، وتدبير شؤونهم وفق الشرع الشريف؟!
رابعاً: روى ابن سعد عن الإمام الباقر «عليه السلام»: أن الحسنين «عليهما السلام» كانا يصليان خلف مروان، وأن الإمام الحسين «عليه السلام» كان يسبه وهو على المنبر حتى ينزل 4.
ونقول:
إن الإمام الحسين «عليه السلام» ليس سباباً، ولا سفيهاً، ولا يمكن أن يخالف سيرة جدِّه وأبيه في التنزه عن هذا الأمر، وهو المعصوم الذي طهَّره الله.. وكما أن مروان لم يكن حليماً، ولا رضيّ الخلق.
والظاهر: أنه «عليه السلام» كان يرد على مروان بعض ترهاته التي كان يسعى لنشرها بين الناس، فزعم أتباع بني أمية: أنه كان يسبه، ليطعنوا بالإمام الحسين «عليه السلام»، وليعظِّموا بذلك مروان وينسبوا إليه الحلم عمن يسبُّه.. وليصبح الحسين «عليه السلام» الرجل السفيه المعتدي على الأبرياء والحلماء.
ونحن نرى: أن الرواية غير دقيقة في تعابيرها، فإن الإمام لا يمكن أن يكون سبَّاباً، فلعله كان يذكر أفعاله القبيحة، والراوي يعتبر ذلك سباً.
خامساً: حديث الزواج المتبادل بين الأبناء، لا يعني وثاقة الآباء، كما لا يعني وثاقة الزوج والزوجة أنفسهم، كما أنه لا يصلح دليلاً على محبة، ولا على كراهة، فللزواج دوافعه وأسبابه المختلفة الخاصة بالزوجين، ولا ربط لها بغيرهما..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 5.
- 1. المستدرك للحاكم ج 4 ص 479 و 481 والجامع لأحكام القرآن ج 18 ص 197.
- 2. راجع: سنن أبي داود كتاب الصلاة: الباب 63 وجامع الخلاف والوفاق ص 84 وفتح العزيز للرافعي ج 4 ص 331 والمجموع للنووي ج 5 ص 268 ومغني المحتاج للشربيني ج 3 ص 75 والمبسوط السرخسي ج 1 ص 40 وتحفة الفقهاء للسمرقندي ج 1 ص 229 وبدائع الصنائع ج 1 ص 156 والجوهر النقي للمارديني ج 4 ص 19 والبحر الرائق لابن نجيم المصري ج 1 ص 610 وتلخيص الحبير ج 4 ص 331 ونيل الأوطار ج 1 ص 429 وشرح أصول الكافي ج 5 ص 254 والمسترشد للطبري، والإفصاح للشيخ المفيد ص 202 والمسائل العكبرية للشيخ المفيد ص 54 والطرائف لابن طاووس ص 232 وعوالي اللآلي ج 1 ص 37 والسنن الكبرى للبيهقي ج 4 ص19 وعمدة القاري للعيني ج11 ص48 وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 145 وسنن الدارقطني ج 2 ص 44 وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج 1 ص 256 و 257 ونصب الراية ج 2 ص 33 و 34 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج 1 ص 168 والجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 97 وكنز العمال ج 6 ص 54 وكشف الخفاء للعجلوني ج 2 ص 29 و 32 وشرح السير الكبير للسرخسي ج 1 ص 156.
- 3. مستدرك الوسائل ج 6 ص 456 والنوادر للراوندي ص 163 والصراط المستقيم ج 3 ص 218 وبحار الأنوار ج 44 ص 123 وج 85 ص92 وكتاب المسند للشافعي ص 55 و 56 والسنن الكبرى للبيهقي ج 3 ص 122 والمصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 271 ومعرفة السنن والآثار ج 2 ص 399 وسير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 478 وج 5 ص 232 والبداية والنهاية ج 8 ص 283.
- 4. راجع: ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد ص 28 وسير أعلام النبلاء ج 4 ص 406 وفي المصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 272: الحسن بن علي.
- 5. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م، الجزء الرابع، السؤال رقم (148).