إسئلنا

الحديث القدسي…

الحديثُ يرادف الكلام في المعنى ، و إنما سُمي حديثاً لتجدده و حدوثه شيئاً فشيئاً 1 ، و القُدسُ هو الطُهر ، و عندما يُنسب الحديث إلى القُدس يُراد منه الكلام الإلهي المنزل على أنبيائه لا على وجه الإعجاز و التحدّي ، لذا فلا يُسمى القرآن الكريم حسب المصطلح العلمي حديثاً قُدسياً رغم كونه كلاماً إلهياً .
أما كيفية و صول الحديث القُدسي إلينا فيكون حكايةً بواسطة الأنبياء و أوصيائهم .

قال العلامة المحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني في بيان الحديث القُدسي : ” الحديث القدسي : هو كلام الله المنزل ـ لا على وجه الإعجاز ـ الذي حكاه أحد الأنبياء أو أحد الأوصياء ، مثل ما رُوي أن الله تعالى قال : ” الصوم لي و أنا اُجزي به ” .
و من الفوارق بينه و بين القرآن : أن القرآن هو المنزّل للتحدي و الإعجاز بخلاف الحديث القدسي ، إذ كان رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يلقي أحيانا على أصحابه مواعظ يحكيها عن ربه عَزَّ و جَلَّ و لم يكن وحياً منزلاً حتى يسموها بالقرآن ، و لا قولاً صريحاً يسنده ( صلَّى الله عليه و آله ) إسناداً مباشراً حتى يسموها حديثاً ، و إنما كانت أحاديث يحرص النبي على تصديرها بعبارة تدل على نسبتها إلى الله لكي يشير إلى أن عمله الأوحد فيها ، حكايتها من الله بأسلوب يختلف اختلافاً ظاهراً عن أسلوب القرآن و لكنّ فيه ـ مع ذلك ـ نفحة من عالم القُدس ، و نوراً من عالم الغيب ، و هيبة من ذي الجلال و الإكرام ، تلك هي الأحاديث القدسية التي تسمى أيضاً : إلهية ، و ربانية ” 2 .
و يقول العلامة الشهيد السيد حسن الشيرازي ( رحمه الله ) في الحديث القُدسي : ” … هو الكلمة النقيّة التي عصمها الله من البيان الأنيق ، فلم يرصّعها بالإعجاز ، لأنه ضنّ بها إلا على العقول الواعية التي حرمها على طائف الأوهام و الظنون … فهي كلمة الله ، و كلمة الله هي العليا ، و هل ترقى إلى كلمة الله كلمة في الأرض أو في السماء ، لو استثنينا القرآن ، ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه من رب العالمين … ” 3 .
و قال أيضا : ” … و بهذا كله أصبح الحديث القدسي صِنوَ القرآن ، الذي جاء ليؤدّي دور القرآن في أمم قد خلت من قبل ، و ليكمل مسؤولية القرآن في خير أمة أخرجت للناس ” 4 .
نماذج من الحديث القُدسي :
1. أوحى الله تعالى إلى داود : ” قل لعبادي : لم أخلقكم لأربح عليكم ، و لكن لتربحوا عليَّ ” 5 .
قال موسى ( عليه السَّلام ) : يارب ، أي الأعمال أفضل عندك ؟
قال : ” حُبّ الأطفال ، فإني فطرتُهُم على توحيدي ، فان أمَتُّهُم أدخلتُهُم برحمتي جَنَّتي ” 6 .
2. قال النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : يقول الله سبحانه : ” أنا خير شريك ، من أشرك معي شريكاً في عمله ، فهو لشريكي دوني ، فإني لا أقبل إلا ما خلص لي .
عبدي خلقت الأشياء لأجلك ، و خلقتك لأجلي ، وهبتُك الدنيا بالإحسان و الآخرة بالإيمان ” 5 .
3. قال الله تعالى : ” إذا أردتُ أن أجمعَ للمسلم خير الدنيا و الآخرة ، جعلتُ له قلباً خاشعاً ، و لساناً ذاكراً ، و جسداً على البلاء صابراً ، و زوجةً مؤمنةً ، تُسرّهُ إذا نظر إليها ، و تحفظه إذا غاب عنها في نفسها و مالِهِ ” 7 .
كتب أُلّفت في الحديث القدسي :
لقد أفرد بعض العلماء كتباً خاصة بالأحاديث القدسية ، فجمع فيها مجموعة مما اختاره أو تمكَّن من جمعه من الأحاديث القدسية ، و من جملة هؤلاء العلماء :
1. شيخ المحدثين محمد بن الحسن بن علي الحسين الحر العاملي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) المتوفى سنة : 1104هجرية ، ألف كتاباً في الأحاديث القدسية أسماه بـ ” الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ” و قد طبع الكتاب سنة : 1405هجرية / 1984 ميلادية بمؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان .
2. الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي ( قدس سره ) المستشهد سنة : 1400 هجرية ، ألّف كتاباً جمع فيه مجموعة من الأحاديث القدسية أسماه بـ ” كلمة الله ” و قد طبعته مؤسسة الوفاء ببيروت .

  • 1. مجمع البحرين : 2 / 246 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
  • 2. أصول الحديث و أحكامه في علم الدراية :20 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السُبحاني ( حفظه الله ) ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) قم/ إيران ، طبعة سنة : 1414هجرية .
  • 3. كلمة الله : 18 ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان .
  • 4. كلمة الله : 18 .
  • 5. a. b. كلمة الله : 169 .
  • 6. كلمة الله : 23 .
  • 7. كلمة الله : 191 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى