قال أمير المؤمنين عليه السلام : (الجَهْلُ مُمِيْتُ الأَحْيَاءِ، َومُخَلِّدُ الشَّقَاءِ)[1].
الباحث: سلام مكي خضير
الجهل من الصفات الذميمة التي تقدح بشخصية صاحبها، وهو داء خطير، علاجه الأمثل السعي في طلب العلم وتثقيف النفس من أدرانه, ولو تأملتم معنا ماهية الجهل لوجدناه ينسدل على المجالات كافة. المعرفية منها والاجتماعية والاقتصادية والنفسية وهي في مجموعها تجعل شخصية الفرد مضطربة ومنعزلة عزلا قسريا لا إراديا وهذا الأمر جعل الإمام (عليه السلام) يشير إليه ويعطيه الحل الأمثل على ما سيأتي بيانه.
والجهلُ خلاف العلم، وقد جهل فلان جهلا وجهالة، وتجاهل، أي أرى من نفسه ذلك وليس به، و استجهله: عدّه جاهلاً، واستخفه أيضاً([2]), ويظهر من هذا أنّه اعتقـاد الشيء على خلاف ما هـو عليه.
وقد بين الإمام (عليه السلام) خطر الجهل الذي يغيب الهوية الإنسانية من الوجود ويجعل الإنسان ميتا في حياته أي إنّه جسد خاليا من الروح. وهذا ما أراده الإمام (عليه السلام) بقوله: (الجَهْلُ مُمِيْتُ الأَحْيَاءِ) فهذه الثنائية التي عبّر بها الإمام (عليه السلام) تختزل أسباب التطور المجتمعي إذ جعل الجهل يقابل الموت فكما أن الموت يغيب الناس عن الحياة فكذا الجهل يغيبهم عنها؛ لأنّهم لن يروا الحياة فهي متوقفة عندهم لا تتغير ولا تتطور وقدم ذلك التشبيه مستعيرا له هذه اللفظة لبين لنا خطورة هذا الأمر على سبيل الاستعارة التصريحية. فإن تحقق ذلك فيقينا سيكون الشق الثاني من قوله (عليه السلام): (ومخلد الشقاء) أي إن بغياب العلم سيحل الشقاء محله وبذا يخلد كما يخلد العلم في الناس، وقد لخص لنا الإمام(عليه السلام) مفهوم الجاهل بقوله: (الجاهل من جهل أمرهِ)([3]).
وقد وصف النّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله)، الإنسان الجاهل بأنّه: (يظلم من خالطه، ويتعدى على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، كلامه بغير تدبر، إن تكلم أثم، وإن سكت سها، وإن عرضت له فتنة سارع إليها فأردته، وإن رأى فضيلة أعرض وأبطأ عنها، لا يخاف ذنوبه القديمة ولا يرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب، يتوانى عن البر ويبطئ عنه، غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيعه)([4]).
أما الإمام عليّ(عليه السلام) فوصفه بالصخرة التي لا يتأمل منها خروج الماء، وكالشجرة الميتة التي لا يخضر غصنها، أو كالأرض الصحراء التي لا ينبت فيها نبات؛ فهذا هو حال المرء الجاهل في قولهِ (عليه السلام): (الجَاهِلُ صَخْرَةٌ لَا يَنْفَجِرُ مَاؤُهَا وَشَجَرَةٌ لَا يَخْضَرُّ عُودُهَا وَأَرْضٌ لَا يَظْهَرُ عُشْبُهَا)([5]).
ومن الجهل ما يكون بسيطاً وهذا النوع من الجهل يكون فيه الجاهل لا يعلم شيئاً، سواء أكان لديه علم أنَّه لا يعلم أم ليس لديه علم أنَّه لا يعلم، ومنه ما يكون مركباً: وهو من اخطر انواع الجهل في المجتمع: ويتألف من جهلين هما عدم العلم وتوهّم العلم، والجاهل المصاب بهذا الجهل لا يعلم ويتوهّم أنّه يعلم؛ ولهذا صرح الإمام علي u إنّ على الآخرين إزاء مثل هذا الجاهل هو الرفض، إذ إنَّه قال: (فذاك جاهل فارفضوه)[6]، وأمر الإمام الصادقu الناس باجتنابه بقوله:(فذاك أحمق فاجتنبوه)[7].
مخاطر الجهل وأثره على المجتمع:
1- الجهل أصل كل شر، أي إنّ كل ما يحدث في المجتمع من مشاكل هي ناتجة بسبب الجهل، وهذا ما أكده أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: (الجَهْل أَصْلُ كُلِّ شَرِّ)([8]).
2- ومن مخاطر الجهل إنّه يقلل من مكانة صاحبه بين الناس، ويشعر إنه لا مكانة له بين الناس، مما يؤثر سلباً على نفسيتهِ، وشخصيتهِ؛ فيصبح يعيش في عزلة عن المجتمع الذي نشأ فيه إذ قال الإمام علي(السلام): (الجَاهِلُ مَنْ جَهِلَ قَدْرُهُ)([9])
3- عدم تأدية العمل على الوجه المطلوب منه بصورة تامة.
4- عدم معرفته بالأمور التي تضره وتنفعه في الدنيا والآخرة.
5- يجعله مغفلاً ولا ينتبه إلى أفعاله التي يفعلها، سواء أكانت صائبة أم لا، ولا يأخذ النصيحة، ولا يستقبلها منه، ويكون متمسكاً برأيه، وكذلك إنه لا يعلم ما هو تقصيره، كما جاء في قول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): (الجَاهِلُ لَا يَعْرِفُ تَقْصِيْرَهُ وَلَا يَقْبَلُ النَّصِيْحِ لَهُ)([10])
6- الجاهل يكون متَّبِعاً لهواه، وعبداً لشهواتهِ ومنخدعاً بها، وهذا ما أكده الإمام علي (عليه السلام) بقوله: (الجَاهِلُ مَنْ انْخَدَعَ لِهَوَاْهِ و غُرُوْرِهِ)([11]).
7- الجهل يساوي الضلالة، كما قال رسول الله r: (الجهل ضلالة)([12])
8- الجهل يؤدي بصاحبه الى الندامة والخروج عن طاعة الله تعالى، كما قال الإمام عليّu (الجَهْلُ يَزِلُّ القَدَمَ و يُورِثُ النَّدَمَ)([13]) .
ومن الجهل ما يكون:
1- الجهل بالدين وعلوم الشريعة الإسلامية وبتأدية الواجبات الشرعية المترتبة على الفرد المسلم من صلاة وصيام وخمس وزكاة وحج وجهاد وغيرها.
2- الجهل بكيفية التعامل مع الآخرين، فيكون تصرفه معهم غير متزنٍ.
3- الجهل بتأدية حقوق الآخرين؛ كتوزيع التركة بالتساوي وغيرها.
النتائج المترتبة على الجهل:
ونتيجة الجهل هو أنه يؤدي بصاحبه إلى الهاوية إذا عمل عملاً وهو يجهل العواقب المترتبة عليه ولا يدركها بسبب جهله بها وبنتائجها؛ فممكن أن يؤدي به هذا الامر إلى غضب الله تعالى، يكون من أحد الأسباب وأكبرها التي تقود الفرد إلى الهلاك والى أذية الناس، ولكن هو لا يقصد غضب ربه سبحانه وتعالى عليه ولا يقصد أذية الناس؛ فنتيجة فعله هذا يصبح نادماً على ما حدث بسبب جهله، كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز: ]أنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[([14]) .
ولكن الله تعالى أعطى فرصة للجاهل إذا تجاوز جهله وعدل عنه؛ فإنه سبحانه سيعفو عنه ولا يحاسبه على الفعل الذي فعله بجهالة؛ لأنّ الله تعالى خلق الإنسان كريماً ولا يريد له السوء، وأنَّه يتجاوز عن أخطاء عباده إذا تابوا له إنَّه غفور رحيم، حيث قال تعالى:]مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيم[([15]).
كيفية معالجة الجهل و تفادي خطره:
على الأمم أن تحث أبناءها على طلب العلم والسعي في تحصيله لتنهض بهم في بناء مستقبل زاهر لأجيالها وقد أكد جميع الكتب السماوية على طلب العلم كما في قوله تعالى: (فسلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)([16])؛ فبحصوله ينتفي الجهل وهذا ما جاء في الأحاديث الشريفة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) فهم مفاتيح العلم وخزائنه، فقد روي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام( قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك اللّه به طريقاً إِلى الجنّة،…)([17]) .
[1])) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص462ٍ.
[2])) الصحاح، الجوهري ، ج 4، ص1663.
[3]))عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمّد الواسطي الليثي، ص29.
[4])) العقل والجهل في الكتاب والسنة، محمَّد الريشهري، ص201.
[5])) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص63.
[6] موسوعة العقائد الإسلامية، محمد الريشهري، ج1، ص350.
[7] شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، ج 12،ص 263.
[8])) العقل والجهل في الكتاب والسنة، محمد الريشهري، ص192.
[9])) المصدر نفسه، ص206.
[10]))المصدر نفسه، ص 202.
[11])) الأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة، محمَّد الغروي، ص393.
[12])) العقل والجهل في الكتاب والسنة، محمد الريشهري، ص197.
[13])) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص48.
[14]))الحجرات:6.
[15]))الأنعام:54.
[16]))الأنبياء:7.
[17])) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول)، ج 12، ص161.
المصدر http://inahj.org