منوعات

صراع الحق والباطل

قال أمير المؤمنين عليه السلام : (من صارع الحق صرعه)[1].

الباحث: محمد حمزة الخفاجي

لو تأملنا تاريخ البشرية نجد أن الصراع بين الحق والباطل بدأ منذ أن خلق الله نبينا آدم (عليه السلام) فحينما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم سجد الملائكة إلا ابليس أبى ذلك حيث تجسد الباطل بهذا اللعين، فنصب لآدم العداء ومن ثم لأبنائه، قال تعالى : { فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ }[2]،

وقال تعالى:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[3]،

 فصراع الحق والباطل مستمران كونهما طريقين مختلفين، ولكن كل من صارع الحق وأهله صُرِع،  قال أبوعبدالله (عليه السلام): (ليس من باطل يقوم بأزاء حق إلا غلب الحق الباطل، وذلك قول الله:( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)[4].

فالإمام علي (عليه السلام) يتكلم عن الواقع الذي عاشه في حياته كون الإمام علي مع الحق بل هو الحق، وهذا ما قاله الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقه: (علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض )[5].

 لذا نجد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يهزم في أي مبارزة، أو مناظرة في حياته، ففي ميادين المعرفة نجده لسان الله الناطق، وما من معضلة إلا ولها أبو الحسن وهذا ما شهد به الناس، وكان عمر ابن الخطاب يقول: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن)[6].

 ولا زلنا نستلهم من أقواله وحكمه وعلمه الذي سبق الزمان .

 أما في ميادين القتال فقد شهد له جميع الخلق، فما برز لعلي(عليه السلام) أحد من المشركين إلا أورده جهنم، ومن أبرز تلك المعارك التي خاضها الامام (عليه السلام) معركة الخندق ومعركة الأحزاب وغيرها من المعارك ، فمن كلام له عليه السلام قال: (وايْمُ اللَّه لأَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ، حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِه)[7].

وروي في البحار عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) على بابه شيخاً فعرفه أنه الشيطان، فصارعه وصرعه قال: قم عني يا علي حتى ابشرك فقام عنه فقال: بم تبشرني يا ملعون ؟ قال: إذا كان يوم القيامة صار الحسن عن يمين العرش والحسين عن يسار العرش، يعطيان شيعتهما الجواز من النار، قال: فقام إليه وقال: اصارعك ؟ قال: مرة اخرى، قال: نعم، فصرعه أمير المؤمنين قال: قم عني حتى ابشرك، فقام عنه فقال: لما خلق الله آدم خرج ذريته من ظهره مثل الذر فأخذ ميثاقهم فقال: \ألست بربكم قالوا بلى\ قال: فأشهدهم على أنفسهم فأخذ ميثاق محمد وميثاقك فعرف وجهك الوجوه وروحك الأرواح، فلا يقول لك أحد: احبك، إلا عرفته، ولا يقول لك أحد: ابغضك، إلا عرفته، قال: قم صارعني، قال: ثلاثة، قال: نعم فصارعه وصرعه فقال: يا علي لا تبغضني وقم عني حتى ابشرك قال: بلى وأبرأ منك وألعنك، قال: والله يا بن أبي طالب ما أحد يبغضك إلا شركت في رحم امه وفي ولده، فقال له: أما قرأت كتاب الله \ وشاركهم في الأموال والأولاد )[8].

ونجد أن أهل الحق كانوا محاربين من قبل أهل الباطل وما أكثر أهل الباطل، قال تعالى:{وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }[9]، فلا ينبغي ان نستوحش من طريق الحق وإن قل سالكيه لأن الله مع الحق فمن كان مع الحق كان الله معه.

 ومن مواعظ الله لعيسى ابن مريم (عليه السلام) قال: (يا عيسى لا تشرك بي شيئا وكن مني على حذر ولا تغتر بالصحة وتغبط نفسك فإن الدنيا كفيئ زائل وما أقبل منها كما أدبر، فنافس في الصالحات جهدك وكن مع الحق حيثما كان وإن قطعت وأحرقت بالنار)[10].

وكوننا سائرين على نهج الأنبياء والمعصومين فلا بد من الاقتداء بهم والسير على خطاهم ومحاربة أهل الباطل كما دافع الإمام عن الدين وحارب الخوارج علينا اليوم محاربة كل من يخرج عن دين الإسلام وندافع عن بلدنا وأعراضنا فنحن اليوم نواجه وجه جديد للباطل تمثله مجاميع منحرفة تعرف باسم (الدواعش) وهم مرتزقة جمعتهم الصهاينة ليشوهوا  الإسلام.  

 وليعلم المسلمون أن هذه الحرب التي شنتها هذه العصابات بقدر أن نراها حرباً بالسلاح إلا انها حرب اعلامية والغرض منها تشويه سمعة الإسلام بأن الدين الإسلامي هو دين القتل وانتهاك الاعراض، ولكن كل من قرأ سيرة النبي وتنهل من خلق الإسلام الذي تجسد بشخصه وبشخص المعصومين (عليهم السلام) عرف الإسلام وعرف إن هؤلاء خوارج، خرجوا عن دين الإسلام الحنيف لأن دينهم دين القتل والنهب والسلب، وهذا ينافي ما يدعوه بأنهم مسلمين لأن الإسلام هو السلم والأمان وحب الخير لكل الناس، قال تعالى : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}[11]، ومعنى إحدى الحسنيين إشارة الى  النصر، أو الشهادة فكلاهما نصر لنا، ومن غرر حكمهِ (عليه السلام) قال: (الحق سيف على أهل الباطل)[12].

فلا بد من نهاية لهذا الصراع ومن احقاق الحق وازهاق الباطل من قبله تعالى فلا يزال الباطل قائماً حتى يأذن الله للحجة المنتظر (عج) بالظهور ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا فبظهور الحجة(عج) ينتهي هذا الصراع بنصر الحق على الباطل، قال تعالى:{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}.

وكون ابليس إمام المتعصبين وأول من صارع الحق، فالإمام المهدي(عج) حينما يظهر أول ما يصرع ابليس، إذ روي عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول إبليس : ( رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ) قال له وهب : جعلت فداك أي يوم هو ؟ قال : يا وهب أتحسب انه يوم يبعث الله فيه الناس ؟ ان الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة ، وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول : يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم)[13].

وقال (عليه السلام) في وصفه أئمة الحق قال (عليه السلام): (لا يُخالِفُونَ الحَقّ وَلا يَختَلِفُونَ فِيهِ، وَهُم دَعائِمُ الإسلامِ، وَوَلائجُ الاعتصام، بِهِمْ عَادَ الحَقّ الى نِصابِهِ، وَانزاحَ الباطِلُ عَن مُقامِهِ).

فنسأل الله بحق محمد وعترته الطاهرة أن يعجل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.

 الهوامش:

[1]- نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الحكمة : 408 ، ص548 .

[2] – طه: 117.

[3] – يس: 60.

[4] – ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص654 .

[5] – الأمالي، الشيخ الصدوق، ص150 .

[6] – بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج109، ص36 .

[7]- نهج البلاغة – تحقيق صبحي الصالح ، خ104 ، ص150 .

[8]- بحار الأنوار، ج60، ص208 .

[9]- المؤمنون 70 .

[10]- الكافي، ج8 ، ص141 ، ح103 .

[11]- التوبة 52 .

[12]- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص654 .

[13]- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ج2 ، ص242 .

المصدر: http://inahj.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى