شتان بين ثائر وثائر . .
شتان بين ثائر لا يبتغي من ثورته إلا وجه الله ، وآخر لا يستهدف منها إلا مباهج الحياة .
شتان ما بين من ينهض من أجل مصلحته ، وبين من ينهض من أجل مصلحة الناس .
وشتان بين من يريد لقاء الله بنفس راضية مرضية ، وبين من يريد الحكم والحكومة .
شتان بين من يبحث عن التاج والصولجان ، وبين من يريد تحرير العباد من نير العبيد ، ولا يهمه مصير نفسه وعائلته ، شتان ما بين الحق وبين الباطل . . وان تماثلت مظاهرهما في بعض الأفراد .
حقاً إن الذين يخرجون ضد السلطات القائمة في زمانهم نوعان :
1 ـ نوع يخرج للصلاح والإصلاح ومن ثم فكل أعماله وأساليبه متلونة بلون الصلاح والخير .
2 ـ ونوع يريد أن يكون هو في مكان الحاكم ، فهو أشر أو بطر .
ولا شك أن هذين النوعين لا يختلفان في المنطلقات فحسب ، بل يختلفان في الأهداف والوسائل جميعاً . ذلك أن من يبحث عن الخير . . وينطلق من موقع رضا الله . لن يرتكب حراماً في هذا الطريق مبرراً ذلك بانّ « الغاية تبرّر الوسيلة » وإنما يلتزم بكلّ القيم مؤمناً بأن « الغاية تحدّد الوسيلة » فالله تعالى لا يُطاع من حيث يُعصى .
إن الذين قاوموا سلطات زمانهم كثيرون ، بعضهم انتصر وكثير منهم انهزموا فقتلوا أو سجنوا ، وليس كلهم سواسية بل الذين قاوموا الباطل لتحقيق الحق هم أهل الخير والصلاح ، أما الذين قاوموا الباطل لكي يكونوا هم في مكان من سبقهم ، وليسكنوا في مساكنهم ، ويتمتعوا بامتيازاتهم فليسوا أهل حق ، ولا يختلفون عمن يثورون ضدهم في أي شيء ، من هنا كان الفرق الأساسي بين ثورة العلويين في التاريخ ، و ثورة العباسيين ، وكلتاهما كانت ضد بني أمية ، وقد انتصرت ثورة العباسيين ، ولم تحقق ثورة العلويين أية نتائج ماديّة . فالعباسيون استطاعوا أن يقضوا على الأمويين ويحتلوا مراكزهم ومناصبهم ، أما العلويين ، فقد قتلوا وسجنوا وقضي عليهم ، ولكن في ميزان الحق والباطل ، كان الأمويون والعباسيون سواء ، لأن أهداف الطائفتين ، ومنطلقاتهم ووسائلهم ، لم تكن تختلف في شيء فقد كانت أهداف بني العباس أن يحكموا في هذه الدنيا الدنيئة ، وقد استخدموا ذات الوسائل التي استخدمها بنو أميّة لتحكيم سلطانهم ، لكن العلويين اختلفوا مع بني أمية في مسألة الإيمان والنفاق ، والخير والشر ، والصلاح والفساد ، والحق والباطل ، فكان بنو أميّة أهل باطل ، وكان أهل البيت أهل حق . وهذا ما يجعل ثورة أهل البيت عليهم السلام ميزاناً لتقييم ثورات التاريخ ليس فقط في مواجهة الباطل ، وإنما في نوعية المنطلقات والأهداف والوسائل أيضاً .
ولذلك فإن المنشور الأول لثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام كان يحمل العنوان التالي : « ألا وإني لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ، ولا ظالماً ، ولا مفسداً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) » .
حقاً إن الذين يتمردون على السلطات هم فئات خمس :
1 ـ فهناك من يتمرد وهو ( أشر ) أي ينطلق من موقع ( الشر ) فيتمرد لمجرّد التمرّد .
2 ـ وهناك من يتمرد وهو ( بطر ) أي انه يبحث عن المناصب والامتيازات ، ولأن موقع الحاكم فيه كل متع الحياة ، فهو يريد احتلال ذلك الموقع . . وليس تحقيق العدل والحق والخير للناس .
3 ـ وهناك من يتمرد وهو ( ظالم ) أي انه يخرج ضدّ الحق ، وليس ضدّ الباطل . .
4 ـ وهناك من يتمرد وهو ( مفسد ) حيث يريد الإفساد في الأرض بعد إصلاحها . .
وكل هذه الفئات على باطل ، لأن أهدافها و منطلقاتها فاسدة . .
غير أن هنالك فئة خامسة تخرج ضد سلطات زمانها ، من منطلق آخر ، وهو الإصلاح ومواجهة الفساد . .
وتلك هي سمة ثورة الحق . و هكذا كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام فهو لم يكن يريد التمرّد للتمرّد ، ولا كان يستهدف الحكم لكي يحتلّ منصب الإمارة . . فلم يكن يتنافس مع يزيد في سلطان ولا كان يلتمس شيئاً من الحطام ، وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله .