لعل أهم سؤال يمكن أن نطرحه على أنفسنا في مجالنا الثقافي هو: ما هو سؤالنا الثقافي؟
لا شك أن الإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى عصف العقول، والمزيد من إعمال الفكر، وتكثيف التأمل والنظر. لأنه السؤال الذي يبلور وجهة الثقافة، ويصيغ روحها العامة، ويحدد لنا ماذا نريد منها، وكيف ترتبط الثقافة بحاجاتنا الملحة الراهنة والمستقبلية، وهي الحاجات التي يفترض أن تنتهي في حركتها إلى ما يخدم ويعزز التقدم العام والتطور الشامل.
كما أن هذا السؤال هو بمثابة اكتشاف بوصلة الثقافة، وهل يمكن للثقافة أن تكون بلا بوصلة ترسم لها الطريق، وتبلور لها المسارات والاتجاهات.
والثقافة بلا سؤال ثقافي، هي ثقافة بلا وعي وبلا بصيرة بذاتها ووجودها، بحركتها وفاعليتها، بحاضرها ومستقبلها. وتصبح الثقافة في مثل هذه الحالة مشتتة، ومعرضة للتفتت والانقسام، وتتنازعها الرغبات والأهواء من كل جانب.
وهذا يعني أن البحث عن سؤالنا الثقافي هو بحث عن جوهر الثقافة وعمقها، وهو من جهة أخرى بحث عن الجانب الوظيفي في الثقافة، بمعنى أنه السؤال الذي يحدد للثقافة وظيفتها، ولكن ليس أي وظيفة، وإنما الوظيفة الواعية التي تتصل بالمتطلبات الفعلية في نطاق علاقة الثقافة بالمجتمع.
والسؤال اللافت والمحير هو كيف يغيب عنا مثل هذا السؤال؟ أو لا يتجدد طرحه باستمرار؟ وهو السؤال الذي يفترض أن لا يغيب عنا، لأن الإجابة عليه أو الاقتراب من هذه الإجابة، ليس فقط لا تتوقف على مجرد إبداع هذا السؤال واكتشافه، وإنما على طرحه المتكرر، وكثرة النظر فيه. لأنه ليس من نمط الأسئلة البسيطة أو السهلة أو العادية، بل هو سؤال الأسئلة في الثقافة، وسؤالها الحيوي، ويمثل محور النقاشات فيها.
ومتى ما غاب هذا السؤال غابت معه تجليات الثقافة، وتجليات الفعل والحضور. وكيف للثقافة أن تتطور بدون سؤال ثقافي يحدد للثقافة عنصر الفعل والحركة، ويحدد لها أيضاً عنصر الدور والوظيفة، ويربطها بقضية تتصل بها وتتفاعل معها. يضاف إلى ذلك أن السؤال الثقافي هو الذي يشكل طبيعة العلاقة بين الثقافة والمجتمع. فكل مجتمع يفرض سؤاله الثقافي بحسب طبيعة مكوناته، وكيف ينظر إلى ذاته، وكيف يفكر في مستقبله، وحاجته للتطور والتقدم.
من هنا يختلف السؤال الثقافي من مجتمع إلى آخر، فالسؤال الثقافي في مصر مثلاً يختلف بطبيعة الحال عن السؤال الثقافي في لبنان، وكذا عن السؤال الثقافي في العراق، وهكذا الحال عن السؤال الثقافي في السعودية.
كما أن هذا السؤال الثقافي يتغير ويتجدد في داخل المجتمع الواحد بحسب المراحل والأطوار التاريخية والفكرية التي يمر بها كل مجتمع. لكن هذا التغير والتجدد في السؤال الثقافي لا يكون سريعاً أو فورياً، ولا يكون أيضاً عفوياً أو طارئاً، وإنما يحصل بقصد ووعي، ويحدث نتيجة محصلة تراكم الوعي، وتطور التجربة والخبرة الفكرية والتاريخية.
فما هو سؤالنا الثقافي في حاضرنا الراهن؟
لعلنا اليوم نحن أقدر من أي وقت مضى في اكتشاف هذا السؤال والتعرف عليه، وذلك بعد خوض تجربة الحوار الوطني التي أتاحت أكبر فرصة لأن يتحاور المجتمع مع كل مكوناته، ويتعارف ويتواصل مع هذه المكونات. لأن سؤالنا الثقافي بالتأكيد هو سؤال المجتمع بكل فئاته ومكوناته، وهو سؤال المرأة والرجل، وسؤال الشباب والشيوخ، وسؤال باقي مكونات التعدد الأخرى.
وفي تقديري يتحدد سؤالنا الثقافي الراهن في بناء هويتنا المشتركة التي تتجلى وتتخلق فيها الوحدة الوطنية، وتماسك النسيج المجتمعي، مع الانطلاق نحو التحديث الشامل1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 15 مارس 2006م، العدد 14445.