التقليد في الأحكام الشرعية هو الرجوع إلى فتوى المجتهد الجامع للشرائط و العمل برأيه في جميع مسائل الأحكام الخمسة، و هي: الواجب و الحرام و المستحب و المكروه و المباح.
ما هي حقيقة التقليد؟
قال العلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي 1 رحمه الله: ان التقليد الشرعي هو التقليد العرفي المتمثل برجوع غير العالم إلى العالم، و ذلك عندما يثبت لديه أن هذا الفقيه العالم بالأحكام الشرعية قد توفرت فيه الشروط التي تصحح الرجوع إليه واخذ الأحكام الشرعية منه، فيكون معذوراً أمام اللّه تعالى عند عدم إصابة الفتوى للواقع المطلوب.
و إنما سمي تقليداً لأن المقلِد يجعل ما يلتزم به من قول الغير من حق أو باطل قِلادةً في عنق من قلّده.
ثم إن المقصود من التقليد في الأحكام الشرعية هو الرجوع إلى فتوى المجتهد الجامع للشرائط والعمل برأيه في جميع مسائل الأحكام الخمسة، و هي: الواجب و الحرام و المستحب و المكروه و المباح.
التقليد العرفي ظاهرة بشرية
التقليد العرفي ظاهرة بشرية عامة قامت عليها سيرة الناس (سيرة العقلاء) في جميع شؤونهم الحياتية، حيث يرجع غير العالم في كل مجال من مجالات الحياة الى العالم و المتخصص تماماً كرجوعنا الى الأطباء و المهندسين.
وجاء المشرع الاسلامي، واقر هذه الظاهرة في مجال الامتثالات الشرعية فانبثق منها مظهر من مظاهر سيرة المتشرعة (المسلمين) حيث يرجع العامي الى المجتهد، كما يرجع العقلاء الى ذوي الإختصاص.
لقد بدا التقليد الشرعي، بوصفه ظاهرة شرعية اجتماعية، في عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)، وبتخطيط منه،ثم بتطبيقه من قبل المسلمين بمرأى ومسمع منه وتحت إشرافه و بإرشاده (صلى الله عليه و آله).
وتمثل هذا في الأشخاص الذين كان ينتدبهم (صلى الله عليه و آله) للقيام بمهمة تعليم الأحكام الشرعية في البلدان و الأماكن التي اسلم أهلها في عصره.
ومن هذا بَعْثِه (صلى الله عليه و آله) مصعب بن عمير إلى المدينة المنورة، و معاذبن جبل إلى اليمن.
وكان المسلمون عندما يحتاجون إلى معرفة حكم شرعي للعمل به يسالون هؤلاء و يجيبونهم و يعملون وفق ما يفتونهم به، و هذا هو عين التقليد الذي نقصده.
متى وجب التقليد على المسلمين؟
قال آية الله العظمى السيد الخوئي: “التقليد كان موجودا في زمان الرسول (صلى الله عليه و آله) وزمان الأئمة لان معنى التقليد هو اخذ الجاهل بفهم العالم، ومن الواضح أن كل احد في ذلك الزمان لم يتمكن من الوصول إلى الرسول الأكرم أو أحد الأئمة و أخذ معالم دينه منه مباشرة، واللّه العالم”.
كانت هذه هي البداية الأولى لنشوء ظاهرة التقليد الشرعي، والمظهر الأول لانبثاق سيرة المتشرعة في هذا المجال من أحضان سيرة العقلاء.
ثم استمر التقليد يتبلور مفهومه بتبلور مفهوم الاجتهاد.
يقول شيخ الطائفة ابو جعفر محمدبن الحسن الطوسي في كتابه “عدة الأصول”: “اني وجدت عامة الطائفة (يعني الإمامية) من عهد أمير المؤمنين إلى زماننا هذا (القرن الخامس الهجري) يرجعون إلى علمائها و يستفتونهم في الأحكام و العبادات، و يفتيهم العلماء فيها، و يسوغون لهم العمل بما يفتون به”.
و عليه فإن العقل و الشرع يحكمان بوجوب رجوع عامة الناس ــ غير الفقهاء ــ الى ذوي الاختصاص في الشريعة الإسلامية و هم الفقهاء المراجع ليكونوا من المعذورين عند الله في العمل بالأحكام الشرعية 2.
- 1. أنظر كتاب التقليد للعلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي رحمه الله.
- 2. المصدر السابق بتصرف يسير.