إسئلنا

التفويض لله…

نص الشبهة: 

فإن قيل فما معنى قوله تعالى حاكيا عن عيسى (ع): ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ وكيف يجوز هذا المعنى مع علمه ( ع ) بأنه تعالى لا يغفر للكفار؟

الجواب: 

قلنا: المعنى بهذا الكلام تفويض الأمر إلى مالكه وتسليمه إلى مديره، والتبري من أن يكون إليه شئ من أمور قومه. وعلى هذا يقول أحدنا إذا أراد أن يتبرأ من تدبير أمر من الأمور ويسلم منه ويفوض أمره إلى غيره، يقول: هذا الأمر لا مدخل لي فيه فإن شئت أن تفعله، وإن شئت أن تتركه، مع علمه وقطعه على أن أحد الأمرين لا بد أن يكون منه. وإنما حسن منه ذلك لما أخرج كلامه مخرج التفويض والتسليم.
وقد روي عن الحسن أنه قال: معنى الآية إن تعذبهم فبإقامتهم على كفرهم، وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم. فكأنه اشترط التوبة وإن لم يكن الشرط ظاهرا في الكلام.
فإن قيل: فلم لم يقل وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم؟ فهو أليق في الكلام ومعناه من العزيز الحكيم؟.
قلنا: هذا سؤال من لم يعرف معنى الآية، لأن الكلام لم يخرج مخرج مسألة غفران، فيليق بما ذكر في السؤال. وإنما ورد على معنى تسليم الأمر إلى مالكه. فلو قيل فإنك أنت الغفور الرحيم، لأوهم الدعاء لهم بالمغفرة. ولم يقصد ذلك بالكلام. على أن قوله ﴿ … الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ 1 أبلغ في المعنى وأشد استيفاء من ” الغفور الرحيم ” وذلك أن الغفران والرحمة قد يكونان حكمة وصوابا، ويكونا بخلاف ذلك. فهما بالاطلاق لا يدلان على الحكمة والحسن.
والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على معنى الغفران والرحمة، وإذا كانا صوابين. ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة، لأن العزيز هو المنيع القادر الذي لا يذل ولا يضام، وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم البتة.
وأما الحكيم فهو الذي يضع الأشياء مواضعها ويصيب بها أغراضها، ولا يفعل إلا الحسن الجميل. فالمغفرة والرحمة إذا أقضتهما الحكمة دخلتا في قوله العزيز الحكيم. وزاد معنى هذه اللفظة عليهما من حيث اقتضاء وصفه بالحكمة في سائر أفعاله، وإنما طعن بهذا الكلام من الملحدين من لا معرفة له بمعاني الكلام. وإلا فبين ما تضمنه القرآن من اللفظة وبين ما ذكروه فرق ظاهر في البلاغة واستيفاء المعاني والاشتمال عليها 2.

  • 1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 118، الصفحة: 127.
  • 2. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء: 148 ـ 149.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى