مقالات

التعليم والمواطنة في المجال العربي …

التعليم هو المهمة الفعالة التي يفترض أن تنهض بها الدولة، وينهض بها المجتمع على حد سواء في بناء وتشكيل فكرة ومفهوم المواطنة، وتعزيز قيمها، وترسيخ ثقافتها على مستوى كافة الشرائح والمكونات المجتمعية المتعددة والمتنوعة بطبيعتها، وتكتسب هذه المهمة التعليمية حيويتها في كونها تتصل بكلية الإنسان عقلاً وروحاً منذ مراحله الأولى في التعليم والتي تتصل بإطار التنشئة التربوية، وتستمر معه إلى مراحل التعليم العالي والتي تتصل بالبناء والتكوين الفكري والعقلي.
وخلال هذه المراحل المتصلة والمستمرة والممتدة لزمن غير قصير قد تقارب العقدين وقد تصل إلى ربع قرن أو تزيد، يقوم التعليم والتعليم العالي أو هكذا يفترض، بمهام تبدأ بالتنشئة والتهذيب والتثقيف النفسي والتربوي والاجتماعي، وتصل إلى مهام البناء والتكوين الأخلاقي والثقافي والعلمي.
وفي الدراسات التربوية الحديثة ترتبط فلسفة التعليم وحكمته على المدى البعيد، بتهذيب المجتمع بكل أفراده وفئاته وشرائحه وأجياله، لكي يتقبل الجميع العيش والاندماج والتفاعل مع بعضهم بعضاً، ولكي يتقبل الجميع كذلك التعدد والتنوع والاختلاف في داخله، على أساس الانتماء إلى المجتمع الواحد، وعلى أساس الشراكة وفق قاعدة الحقوق والواجبات.
هذا على مستوى التصور النظري، وأما على مستوى الواقع التطبيقي وفي نطاق المجال العربي، فإن التعليم وبشهادة الكثيرين من أهل الخبرة والدراية والاختصاص بهذا الشأن، يمثل افدح وأخطر اتجاهات ومجالات الفشل، وذلك عند المقارنة والقياس ما بين الأهداف والتطلعات العليا والاستراتيجية، وما بين النتائج والمخرجات الفعلية والواقعية، ويكفي معرفة أن صورة التعليم هي من أكثر ما يعكس الصورة العامة للدولة وأية دولة في واقعها الفعلي، لأن في التعليم تتجلى الروح العامة للمجتمع والدولة، فالتعليم الرفيع والمتقدم يعكس واقع دولة متقدمة، أو في طريقها نحو التقدم، والتعليم المنحدر والمتخلف يعكس واقع دولة متراجعة ومتخلفة، فصورة العالم العربي تحكي عن واقع التعليم القائم فيه، وهذه الصورة بالتأكيد لا تسر أحداً من العقلاء والحكماء وأهل العلم والدراية.  
وهذا الفشل في التعليم في المجال العربي ليس فشلاً نهائياً وتاماً بالتأكيد، بحيث يكون عصياً على الحل، أو لا يمكن تجاوزه أو التغلب عليه والتخلص منه، وإعادة بنائه وصياغته على أسس ومرتكزات جديدة تتخطئ عناصر وأسباب ذلك الفشل.
ولعل فكرة المواطنة كانت من أبرز تجليات هذا الفشل في التعليم العربي الحديث، حيث لم يلعب التعليم دوراً فاعلاً وحقيقياً في بناء فكرة ومفهوم المواطنة وتعزيز قيمها ومنظوراتها، وفي بعض الحالات، ونتيجة لهيمنة الاتجاه الواحد، كان التعليم يكرس الفروقات بين المواطنين على أسس دينية أو اجتماعية أو غيرها، ويكرس الأحادية، وفرض الاتجاه الواحد، بدل أن يكرس التضامن والتعايش بين المجتمع الواحد، واحترام التعدد والتنوع المجتمعي، والحفاظ على الوحدة الوطنية.
لهذا فإن التعليم في العالم العربي، بحاجة إلى نهضة حقيقية وعميقة، تعيد لنا اكتشاف عظمة التعليم، وتصحح لنا مساراته، وتحوله إلى منبع تشع منه روح المواطنة، وعظمة تجلياتها، ويكفي أن نعرف حكمة القرآن الكريم حين جعل من كلمة﴿ … اقْرَأْ … ﴾ 1أول كلمة نزلت على مبلغ الوحي، حتى ندرك عظمة التعليم2.

  • 1. القران الكريم: سورة العلق (96)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 597.
  • 2. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 12 يوليو 2007م، العدد 14929.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى