من الواضح جداً أن التقدم الهائل في وسائل الاتصالات اليوم قد جعل العالم كله يبدو كقرية صغيرة لا يخفى شيء من أحداثها على الإنسان الذي يستطيع معرفة كل ما يجري حوله في هذا العالم بوسائل اتصال صارت متيسرة لكل الناس وبمختلف اللغات المعروفة في العالم ومن دون الحاجة إلى تكلفة مرتفعة أو مرهقة للإنسان على المستوى المادي. ومن أهم وسائل الاتصال الأكثر تطوراً اليوم في العالم وسيلتان: الستالايت والإنترنت، وسوف نتحدث عن هاتين الوسيلتين نظراً لأنهما الأكثر انتشاراً وتواجداً في معظم بيوت الناس ومحال تواجدهم.
أولاً: الستالايت
وهو عبارة عن منظومة أجهزة متطورة قائمة على ما يلي:
1. أجهزة بث تلفزيوني من محطات أرضية تبث إشعاعات كهرومغناطيسية إلى الفضاء الخارجي حيث توجد الأقمار الاصطناعية الدائرة حول الأرض.
2. تلتقط الأقمار الاصطناعية السابحة في الفضاء الإشعاعات المرسلة من محطات البث الأرضي وتعيد بثها إلى مناطق أخرى من العالم لا يمكن للبث التلفزيوني العادي أن يصل إليها عادة لأنه بث محلي يقتصر على حدود البلد فقط، وهذا القمر الاصطناعي هو المسمى بـ (الستالايت) والذي يدور حول الأرض بارتفاع يتراوح بين (150 كلم الى حدود 1000 كلم).
3. اللاقط أو ما يسمونه بالإنكليزية (Receiver) ووظيفته التقاط ما بثته الأقمار الاصطناعية من إشعاعات لتحويله إلى الشاشة التلفزيونية الموجودة في البيوت والمحال والمراكز وما شابه ذلك.
ثانيا: الإنترنت:
هو وسيلة اتصال وتواصل عالمية تقدم حلولاً متكاملة الحاجات كنقل الأخبار والمعلومات والرسائل داخل كل دولة وبين دول العالم قاطبة، وهو يقوم على مبدأ إقامة صلات (تشبيك) بين أجهزة الكومبيوتر لدى المشتركين من أجل تزويدهم بما يطلبون والسماح لهم بنشر ما يرغبون بنشره، ونظراً لشمولية هذه الشبكة وعدم وجود مركزية محددة لها شبهت بشبكة العنكبوت العالمية.
وبعد توضيح معنى (الستالايت) و (الإنترنت) لا بد من بيان التوجه الشرعي في التعامل مع هاتين الوسيلتين الإعلاميتين، وذلك يكون ضمن النقاط التالية:
الإنترنت: من الواضح أن الإسلام لا يحرم على الإنسان المعرفة والتعلم بل يدعوه إلى تحصيل العلم بقوة، لأن العلم سلاح بيد الإنسان يفيده في طريقة التعامل مع كل ما حوله ومن حوله، ولذا لا مانع من الاطلاع على كا ما تبثه شبكات الإنترنت من معلومات سواء منها الأخبار أو المعلومات الجغرافية أو ما يرتبط بالطبيعة وكائناتها وتاريخ الأمم والشعوب والشخصيات التاريخية وما شابه ذلك. نعم لا يجوز الاستفادة من أجهزة الكومبيوتر الموصولة بالإنترنت في النظر إلى الأفلام الخلاعية التي صار من الممكن بثها من خلال شبكات الإنترنت نظراً لمفاسدها الأخلاقية والسلوكية ولما لها من الآثار الضارة على الأجيال وخصوصاً الناشئة منها. كما لا يجوز الاستفادة من الإنترنت لبث العقائد الفاسدة والمنحرفة، ويحرم على كل من يستفيد من هذه الشبكة الاطلاع على هذه العقائد إذا كان ذلك مؤدياً إلى اختلال أو انحراف في عقيدته الصحيحة. وكذلك لا يجوز الاستفادة من الإنترنت للإستماع الى أنواع الموسيقى المحرمة والغناء المحرم المتعارف عند أهل الفسق الفجور. وبالجملة فالإنترنت يعتبر من الوسائل المشتركة التي يمكن الاستفادة منها فيما هو حلال وفيما هو حرام، إلا أن التكليف الشرعي يوجب الاقتصار على الاستفادة مما هو محلل من هذه الوسيلة وعدم جواز التعامل مع ما هو محرم منها، تماماُ كما هو الحال في الراديو و التلفزيون.
الستالايت: ويمكن القول وفق الأصول الشرعية أنه من الأدوات المشتركة أيضاً، حيث إن البرامج التلفزيونية الملتقطة من أجهزة البث الفضائي ـ الأقمار الاصطناعية ـ فيها ما هو حلال وما هو حرام. وبحسب المبدأ لا مانع من الاستفادة من البرامج المحللة كالأخبار السياسية أو الأخبار بشكل عام والبرامج الرياضية والعلمية والجغرافية والتاريخية والأدبية والمقابلات الصحفية والبرامج الدينية بشكل عام لأن كل هذا يدخل في باب العلم والمعرفة اللذين لا مانع شرعاً من الحصول عليها والإلمام بها لتوسيع أفق الإنسان وزيادة معلوماته عن نفسه وعن الطبيعة والإنسان من حوله. وهنا أيضاً لا يجوز الاستفادة من (الستالايت) في البرامج الخلاعية والفاسدة وهي للاسف كثيرة ومتوفرة أكثر من (الإنترنت) بكثير، كما أنها موجودة في كل بيت من بيوتنا، ولذا فلا يجوز لأي إنسان لا يضمن من نفسه عدم الانجذاب إلى البرامج الفاسدة من وضع هذا الجهاز مع توابعه في بيته، وكذلك إذا كان لا يضمن أن أولاده يمكن أن ينضبطوا في هذا المجال لأنه مسؤول عنهم وعن تربيتهم وتنشئهم النشأة الإسلامية الصحيحة المبنية على الأخلاق الفاضلة والسلوك الأدبي المتزن. وللسيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظله) العديد من الاستفتاءات في هذا المجال نقتصر على ذكر ما يلي منها:
سؤال ـ 132 ـ هل يجوز شراء واقتناء واستخدام جهاز التقاط البرامج التلفزيونية من الأقمار الصناعية (الدش والطبق) وما الحكم فيما لو حصل عليه مجاناً؟
الجواب: جهاز الدش بما أنه مجرد آلة لالتقاط البرامج التلفزيونية بما منها البرامج المحرمة والمحللة فحكمه حكم الآلات المشتركة في حرمة بيعها وشرائها واقتنائها للانتفاع بها في الجهات المحرمة، وفي جواز ذلك إذا كان للانتفاع المحلل منها، ولكن هذه الآلة حيث إنها تسّهل ـ لمن كانت لديه ـ التورط في التقاط البرامج المحرمة أو قد تترتب على اقتنائها مفاسدـ فلا يجوز شراؤها واقتناؤها الا لمن يطمئن من نفسه بأنه لا يستفيد منها في الحرام ولا يجعله في متناول من يريد الانتفاع المحرم منها ولا تترتب على حصوله عليها ولا على اقتنائه لها في بيته مفسدة.
سؤال ـ 133 ـ هل يجوز لمن يعيش خارج الجمهورية الإسلامية شراء الجهاز اللاقط للقنوات الفضائية من أجل متابعة قنوات الجمهورية الإسلامية الفضائية؟
الجواب: الجهاز المذكور وإن كان من الالات المشتركة القابلة للإنتفاع المحلل منها إلا أنه لما كان الغالب فيه الابتلاء بالانتفاع المحرم منه مضافاً إلى ترتب المفاسد الأخرى على استخدامه في البيت إلا لمن يطمئن بعدم استعماله في الحرام ثباتاً وبعدم ترتب أي مفسدة على نصبه في البيت. ومما لا شك فيه أن مساوئ الستالايت أكبر بكثير من فوائده كما هو الملاحظ، لأن الإنسان أسرع انجذاباً إلى برامج الفساد والخلاعة منه إلى البرامج المفيدة للدين والدنيا، ولذا فمن الأفضل عدم نصب هذه الأجهزة في البيوت خصوصاً مع وجود أبناء وبنات في سن التكليف، أو ما قبله بقليل فصاعداً حماية لهذا الجيل من الإنسياق وراء رغباته بالنظر إلى ما تبثه هذه الأجهزة من برامج فاسدة. نعم مع وجود الرقابة الدقيقة والإشراف التام من الأهل الملتزمين على برامج الستالايت ومنع الاستفادة من البرامج المحرمة لا مانع من تركيبه مع توافر الضمانات إذا كان يمكن توفيرها. إلا أن الذوق الشرعي الإسلامي العام لا يشجع على الإستفادة من هذه الوسيلة إلا للجهات المختصة بحماية المجتمع الإسلامي من الفساد والإنحراف لوضع الضوابط للاستفادة من هذه الوسيلة النافعة الخطيرة في آن معاً.
والحمد لله رب العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.