في حياة النبي (صلَّى الله عليه وآله) والرسالة الإسلامية مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهما(عليهم السلام) ومعاني ودلالات عميقة حيث إنّه البيت الذي سيحتضن الرسالة ويتحمّل عبء الخلافة ومسؤولية صيانة الدين والأمة.
وكان لا بدّ لهذا البيت أن ينال القسط الأوفى والحظّ الأوفر من فيض حبّ النبي(صلَّى الله عليه وآله) ورعايته وأبوته، فلم يدّخر النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) وسعاً أن يروّي شجرته المباركة في بيت علىّ(عليه السلام) ويتعهّدها صباح مساء مبيّناً أنّ مصير الأمة مرهون بسلامة هذا البيت وطاعة أهله كما يتجلّى ذلك في قوله (صلَّى الله عليه وآله) : (إنّ علياً راية الهدى بعدي وإمام أوليائي ونور من أطاعني)
وحين أشرقت الدنيا بولادة الحسين(عليه السلام); أخذ مكانته السامية في قلب النبي(صلَّى الله عليه وآله) وموضعه الرفيع في حياة الرسالة.
وبعين الخبير البصير والمعصوم المسدّد من السماء وجد النبي(صلَّى الله عليه وآله) في الوليد الجديد وريثاً للرسالة بعد حين، ثائراً في الأمة بعد زيغ وسكون، مصلحاً في الدين بعد انحراف واندثار، محيياً للسنّة بعد تضييع وإنكار، فراح النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) يهيّئه ويعدّه لحمل الرسالة الكبرى مستعيناً في ذلك بعواطفه وساعات يومه، وبهديه وعلمه; إذ عمّا قليل سيضطلع بمهام الإمامة في الرسالة الخاتمة بأمر الله تعالى.
فها هو(صلَّى الله عليه وآله) يقول: (الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار)
وهل الحب إلاّ مقدمة الطاعة وقبول الولاية؟ بل هما بعينهما في المآل.
لقد كان النبي(صلَّى الله عليه وآله) يتألّم لبكائه ويتفقّده في يقظته ونومه، يوصي أمه الطاهرة فاطمة صلوات الله عليها أن تغمر ولده المبارك بكلّ مشاعر الحنان والرفق
حتّى إذا درج الحسين(عليه السلام) صبيّاً يتحرّك شرع النبي(صلَّى الله عليه وآله) يلفت نظر الناس إليه ويهيّئ الأجواء لأن تقبل الأمة وصاية ابن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) عليها، فكم تأنّى النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) في سجوده والحسين يعلو ظهره(صلَّى الله عليه وآله) ليظهر للأمة حبّه له وكذا مكانته، وكم سارع النبي يقطع خطبته ليلقف ابنه القادم نحوه متعثّراً فيرفعه معه على منبره ؟ كلّ ذلك ليدلّ على منزلته ودوره الخطير في مستقبل الأمة.
وحين قدم وفد نصارى نجران يحاجج النبي (صلَّى الله عليه وآله) في دعوته إلى الإسلام وعقيدة التوحيد الخالص وامتنع عن قبولها رغم وضوح الحق أمر الله تعالى بالمباهلة، فخرج النبي(صلَّى الله عليه وآله) إليهم ومعه خير أهل الأرض تقوىً وصلاحاً وأعزّهم على الله مكانةً ومنزلةً: عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ليباهل بهم أهل الكفر والشرك وانحراف المعتقد، ومُدَلّلاً بذلك ـ في نفس الوقت ـ على أنّهم أهل بيت النبوة وبهم تقوم الرسالة الإسلامية، فعطاؤهم من أجل العقيدة لا ينضب.
وما كان من النصارى إذ رأوا وجوهاً مشرقة وطافحة بنور التوحيد والعصمة ؛ إلاّ أن تراجعوا عن المباهلة وقبلوا بأن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون .
لقد كانت هذه الفترة القصيرة التي عاشها الحسين (عليه السلام) مع جدّه (صلّى الله عليه وآله) من أهمّ الفترات وأروعها في تأريخ الإسلام كلّه ، فقد وطّد الرسول (صلّى الله عليه وآله) فيها أركان دولته المباركة ، وأقامها على أساس العلم والإيمان ، وهزم جيوش الشرك ، وهدم قواعد الإلحاد ، وأخذت الانتصارات الرائعة تترى على الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه الأوفياء حيث أخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً .
وفي غمرة هذه الانتصارات فوجئت الأمة بالمصاب الجلل حين توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فخيّم الأسى العميق على المسلمين وبخاصة على أهل بيته (عليهم السلام) الذين أضنتهم المأساة ، ولسعتهم حرارة المصيبة بغياب شخص النبيّ (صلّى الله عليه وآله) .
ميراث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لسبطيه (عليهما السلام) :
ولمّا علمت سيّدة نساء العالمين أنّ لقاء أبيها بربّه عَزَّ وجَلَّ قريب أتت بابنيها الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالت : يا رسول الله إن هذان إبناك فورّثهما شيئاً ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فإنّ له شجاعتي وجودي.
وصيّة النبي (صلَّى الله عليه وآله) بالسبطين(عليهما السلام) :
ووصّى النبي(صلَّى الله عليه وآله) الإمام عليّاً برعاية سبطيه، وكان ذلك قبل موته بثلاثة أيام، فقد قال له: سلام الله عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتيَّ من الدنيا، فعن قليل ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك، فلمّا قبض رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) قال عليّ: هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)، فلمّا ماتت فاطمة(عليها السلام) قال عليّ: هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله
لوعة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السلام) :
حضر الإمام الحسين(عليه السلام) عند جدّه الرسول(صلَّى الله عليه وآله) حينما كان يعاني آلام المرض ويقترب من لحظات الاحتضار، فلمّا رآه ضمّه إلى صدره وجعل يقول: (ما لي وليزيد؟! لا بارك الله فيه). ثمّ غشي عليه طويلاً، فلمّا أفاق أخذ يوسع الحسين تقبيلاً وعيناه تفيضان بالدموع، وهو يقول: (أما إنّ لي ولقاتلك موقفاً بين يدي الله عَزَّ وجَلَّ)
وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف(صلَّى الله عليه وآله) ألقى السبطان(عليهما السلام) بأنفسهما عليه وهما يذرفان الدموع والنبي(صلَّى الله عليه وآله) يوسعهما تقبيلاً، فأراد أبوهما أمير المؤمنين(عليه السلام) أن ينحّيهما عنه فأبى(صلَّى الله عليه وآله) وقال له: (دعهما يتزوّدا منّي وأتزوّد منهما فستصيبهما بعدي إثرة)
ثمّ التفت(صلَّى الله عليه وآله) إلى عوّاده فقال لهم: قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيّع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي، إنّهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض
الإمام الحسين (عليه السلام) في عهد الخلفاء
الحسين (عليه السلام) في عهد أبي بكر :
لقد كان أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم الحسن والحسين (عليهما السلام) مفجوعين بوفاة الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، وألم المأساة يهيمن على قلوبهم وهم مشغولون بجهاز أعظم نبيّ عرفه التاريخ الإنساني ، إذ توجّهت إليهم صدمةٌ أخرى ضاعفت آلامهم وبدّدت آمالهم التي غرسها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في نفوسهم ونفوس الأمة.
إنها صدمة مصادرة الخلافة وتنحية الإمام علي (عليه السلام) عن مسرح القيادة ومصادرة المنصب الذي نصبه فيه الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى.
وكانت هذه الصدمة العنيفة بداية لمُسلسل القلق والاضطهاد الذي فرضه الخط الحاكم بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على أهل بيت الرسول (صلَّى الله عليه وآله); لتحقيق العزل التام والإبعاد الكامل لهم عن موقع القيادة بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله).
لوعة شهادة الزهراء (عليها السلام) :
كان لوفاة الرسول(صلَّى الله عليه وآله) وقع مؤلم في روح الإمام الحسين الطاهرة، وهو لم يكن بعد قد أنهى ربيعه الثامن.
وما هي إلاّ مدّة قصيرة وإذا بالحسين(عليه السلام) يُفجع باستشهاد أمه فاطمة بنت رسول الله بتلك الصورة المأساوية بعد أن ظلّت تعاني من الظلم والقهر وألم اغتصاب حقّها طوال الأيام التي عاشتها بعد أبيها(صلَّى الله عليه وآله) فكانت تنعكس معاناتها في روحه اللطيفة ; إذ كان كلّما نظر إلى أمه بعد وفاة أبيها شاهدها باكيةً محزونة القلب منكسرة الخاطر.
وقد روي أنّها سلام الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟ أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقةً عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما.
وروي أن الزهراء(عليها السلام) بعد وفاة أبيها(صلَّى الله عليه وآله) كانت تصطحب الحسنين معها إلى البقيع حيث تظلّ تبكي إلى المساء، فيأتي أمير المؤمنين(عليه السلام) فيعود بهم إلى البيت.
ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً ، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) دخلا البيت بُعَيد وفاة أمهما فقالا: يا أسماء! ما يُنيم أمنا في هذه الساعة؟! قالت: يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة، بل فارقت روحها الدنيا. فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول: يا أماه ! كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. قالت : وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: يا أماه ! أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله! انطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت أمكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة، فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله ؟ لا أبكى الله أعينكما.
وجاء في نصّ آخر أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين(عليه السلام) من تغسيل الزهراء(عليها السلام) نادى: يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلمّوا
وتزوّدوا من أمكم، فهذا الفراق، واللقاء الجنّة. فأقبل الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما يناديان : وا حسرةً لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء!
فقال أمير المؤمنين علىّ(عليه السلام): إنّي أُشهدُ الله أنّها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن! ارفعهما فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات.
وذكرت أكثر الروايات أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) حضرا مراسم الصلاة على جنازة أمهما (عليها السلام) وتولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخرجها من بيتها ومعه الحسن والحسين في الليل، وصلّوا عليها
لقد فجع الحسين(عليه السلام) وخلال فترة قصيرة بحادثتين عظيمتين مؤلمتين: الأولى وفاة جدّه رسول الله(صلَّى الله عليه وآله)، والثانية استشهاد والدته فاطمة بنت الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بعدما جرى عليها من أنواع الجفاء والظلم.
وإذا أضفنا إلى ذلك مأساة غصب حقوق أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) ومأساة إبعاده عن المسرح السياسي ليصبح جليس بيته; تجلّت لنا شدّة المحن والمصائب التي أحاطت بالحسين(عليه السلام) وهو في صغر سنّه .
ولقد تعمّقت مصائب الإمام الحسين(عليه السلام) بسبب أنواع الحصار المفروض من قِبل خطّ الخلافة وقتذاك على أصحاب الرسول(صلَّى الله عليه وآله) الأوفياء لخطّه الرسالي وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) بشكل خاص، مثل منع الخمس وسائر الحقوق من الوصول إليه، كما تجلّى ذلك بوضوح في تأميم (فدك) والذي كان من أهدافه ممارسة ضغوط مالية أخرى على أهل بيت النبيّ(صلَّى الله عليه وآله) وأبناء أمير المؤمنين(عليهم السلام).
الحسين (عليه السلام) في عهد عمر بن الخطاب :
وفي عهد عمر بن الخطاب اتّخذ الحصار أبعاداً أكثر خطورة، فقد ذكر المؤرّخون أنّ عمر حظر على أصحاب الرسول(صلَّى الله عليه وآله) الخروج من المدينة إلاّ بترخيص منه، وقد طال الحظر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) حتى مثّل هذا الأمر نمطاً آخر من الضغوط التي مورست على أهل بيت الوحي الطاهرين .
أجل لقد أدّت هذه الممارسات القهرية والمواقف الظالمة إلى إقصاء عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وجعلته جليس بيته، ومن ثم تغييبه عن الميادين السياسية والاجتماعية حتى صار نسياً منسياً، وإن كان الخليفة يرجع إليه في بعض المسائل أحيانا، ولعلّ السبب في عدم إبعاده عن المدينة، هو حاجته إليه في القضايا التي كانت تستجد للخليفة، ولم يكن بمقدور أحد غير عليّ(عليه السلام) أن يقدّم الحلّ المقبول لها.
وبالحكمة السديدة والصبر الجميل كظم أمير المؤمنين(عليه السلام) غيظه متغاضياً عن حقّه الذي استأثر به عمر بعد أبي بكر من دون حقّ شرعي ولا حجّة بالغة، وفي كلّ ذلك عاش الحسين(عليه السلام) مع آلام أبيه(عليه السلام)، ورأى كيفية تعامله مع الحدث، وهو يحمل هموم الأمة الإسلامية ويقلقه مصيرها، إنّه يتذكّر كيف كان رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) يؤثر عليّاً على كل من عداه ويوصي به الأمة المرّة بعد المرّة، ولكنّه الآن مقصيٌّ عن مقامه، فما كان يملك إلاّ أن يكتم أحاسيسه ومشاعره.
يروى : أنّ عمر ذات يوم كان يخطب على المنبر فلم يشعر إلاّ والحسين(عليه السلام) قد صعد إليه وهو يهتف: (انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك) , وبهت عمر واستولت الحيرة عليه، وراح يصدّقه ويقول له: صدقت لم يكن لأبي منبر، وأخذه فأجلسه إلى جنبه، وجعل يفحص عمّن أوعز إليه بذلك قائلاً له: من علّمك؟ فأجابه الإمام الحسين(عليه السلام): (والله ما علّمني أحد) وقد كان الحق يقضي بأن لا يكتفي عمر بالتصديق الكلامي للحسين من دون إعادة حقّه في فدك والخمس إليه، وإعادة حقّ والده في الخلافة إليه ، إطاعةً لله وللرسول (صلَّى الله عليه وآله) .
ويروى أيضاً : أنّ عمر كان معنيّاً بالإمام الحسين(عليه السلام) حتى طلب منه أن يأتيه إذا عرض له أمر. وقصده الحسين(عليه السلام) يوماً ومعاوية عنده، ورأى ابنه عبد الله فطلب(عليه السلام) الإذن منه فلم يأذن له فرجع معه، والتقى به عمر في الغد فقال له: ما منعك يا حسين أن تأتيني؟ قال الحسين(عليه السلام): (إنّي جئت وأنت خال بمعاوية فرجعت مع ابن عمر) قال عمر: أنت أحقّ من ابن عمر، فإنّما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم .
الحسين (عليه السلام) في عهد عثمان :
بخُلق الرسالة وآداب النبوة وبالفضائل السامية أطلّ الإمام الحسين(عليه السلام) على مرحلة الرجولة في العقد الثالث من العمر، يعيش أجواء أبيه المحتسب وهو يرى اللعبة السياسية تتلوّن والهدف واحد، وهو أن لا يصل عليّ(عليه السلام) وبنوه إلى زعامة الدولة الإسلامية بل تبقى الخلافة بعيدة عنهم، فهاهو ابن الخطّاب لا يكتفي بحمل الأمة على ما لا تطيق من جفاء رأيه وطبعه وأخطاء اجتهاداته; حتّى ابتلاها بالشورى السداسيّة التي انبثقت منها خلافة عثمان.
ولقد وصف الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) هذه المرحلة وهو الذي آثر مصلحة الدين والأمة على حقّه الخاص في الزعامة فصبر صبراً مُرّاً حتّى قال: فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيالله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر؟! .
وازدادت محنة أهل البيت(عليهم السلام) وتضاعفت مهمّتهم صعوبةً، وهم يواجهون عصراً جديداً من الانحراف بالخلافة، وهو عصر يتطلّب جهوداً أضخم وسعياً أكبر لكي لا تضيع الأمة والرسالة، ولكنّ لوناً متميزاً من المعاناة القاسية بدأ واضحاً يصبغ حياة الأمة الإسلامية، فإنّ خيار رجالها من صحابة رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) يهانون ويضربون وينفون في الوقت الذي تتسابق على مراكز الدولة شرارها من الطلقاء وأبنائهم، تحت ظلّ ضعف عثمان وجهله بالأمور أحياناً وعصبيّته القبليّة الأُموية أحياناً أخرى.
وعاش الحسين(عليه السلام) معاناة الأمة وهي تنتفض على فساد حكم عثمان في مخاض عسير، فتمتدّ الأيادي المظلومة لتزيح الخليفة الحاكم بقوّة السيف.
وفي خطبة الإمام علي (عليه السلام) المعروفة بالشقشقيّة والتي وصف فيها محنة الأمة بتولّي الخلفاء الثلاثة دفّة الحكم قبله تصوير دقيق لما جرى في حكم عثمان بن عفّان; إذ قال(عليه السلام) :
إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ، ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع , إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته
موقف مع أبي ذرّ الغفاري :
أمعن الخليفة عثمان بن عفان في التنكيل بالمعارضين والمندّدين بسياسته غير مراع حرمة أو كرامة أحد من صحابة الرسول(صلَّى الله عليه وآله) الذين طالتهم يداه، فصبّ عليهم جام غضبه وبالغ في ظلمهم وإرهاقهم، وكان أبو ذر الغفاري ـ وهو أقدم أصحاب الرسول(صلَّى الله عليه وآله) الذين سبقوا إلى الإسلام – واحداً من المندّدين بسياسة عثمان والرافضين لها، وقد نهاه عثمان عن ذلك فلم ينته، فالتاع عثمان وضاق به ذرعاً فأبعده إلى الشام، وفي الشام أخذ أبو ذر يوقظ الناس ويدعوهم إلى الحذر من السياسة الأُموية التي كان ينتهجها معاوية ابن أبي سفيان والي عثمان الأموي على الشام.
لقد غضب معاوية على حركة أبي ذرّ وكتب إلى عثمان يخبره بخطره عليه، فاستدعاه إلى المدينة، لكن هذا الصحابي الجليل واصل مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من خطر الأُموية الدخيلة على الإسلام والمسلمين، فرأى عثمان أنّ خير وسيلة للتخلّص من معارضة أبي ذر هي نفيه إلى جهة نائية لا سكن فيها، فأمر بإبعاده إلى الربذة موعزاً إلى مروان بن الحكم بأن يمنع المسلمين من مشايعته وتوديعه، ولكنّ أهل الحقّ أبوا إلاّ مخالفة عثمان، فقد انطلق لتوديعه ـ بشكل علني ـ الإمام علي(عليه السلام) والحسنان(عليهما السلام) وعقيل وعبد الله بن جعفر وعمّار بن ياسر رضي الله عنهم.
وقد نقل المؤرّخون كلمات حكيمة وساخنة للمودّعين استنكروا خلالها الحكم العثماني الجائر ضدّه، وقد جاء في كلمة الإمام الحسين(عليه السلام) ما نصّه :
يا عمّاه! إنّ الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، إنّ الله كلّ يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم إلى ما منعتهم؟ فاسأل الله الصبر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإنّ الصبر من الدين والكرم، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً والجزع لا يؤخّر أجلاً.
وبكى أبو ذر بكاءً مرّاً ، فألقى نظرة الوداع الأخيرة على أهل البيت(عليهم السلام) الذين أخلص لهم الودّ وأخلصوا له، وخاطبهم بقوله: (رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فاُفسد الناس عليهما فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله ، والله ما أريد إلاّ الله صاحباً، وما أخشى مع الله وحشة)
الإمام الحسين (عليه السلام) في عهد الدولة العلوية
انتهى حكم الخلفاء الثلاثة بمقتل عثمان ، وانتهت بذلك خمسة وعشرون عاماً ، من العناء الناشئ عن إقصاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن الحياة السياسية والاجتماعية للمسلمين.
وقد أيقن المسلمون أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) هو القائد الذي يحقّق آمالهم وأهدافهم ويعيد لهم كرامتهم ، وأنّهم سينعمون في ظلال حكمه بالحرية والمساواة والعدل فأصرّوا على مبايعته بالخلافة.
لكن وللأسف الشديد فقد جاءت قناعة الأمة هذه متأخرةً كثيراً ، حيث أصيبت الأمة بأمراض خطيرة وانحرافات كبيرة ، وغابت عنها الروح التضحوية والقيم الإيمانية ، وتسربلت بالأطماع والمنافع الشخصية ، وانحدرت نحو التوجّهات الفئوية الضيّقة. من هنا أعلن الإمام علي(عليه السلام) رفضه الكامل لخلافتهم قائلاً لهم: لا حاجة لي في أمركم، فمن اخترتم رضيت.
وذلك لعلمه(عليه السلام) بأنّه من الصعب جدّاً أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية التي بدّلها الخلفاء وغيّروها باجتهاداتهم الخاطئة، فإنّه(عليه السلام) كان يعرف جيّداً أنّ المجتمع الذي نشأ على تلك الأخطاء سيقف بوجهه وسيعمل جاهداً على مناجزته والحيلولة بينه وبين تحقيق مخطّطاته السياسية الهادفة إلى تحقيق العدل والقضاء على الجور. هذا وإنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) مع سابقته الفريدة إلى الإسلام وحنكته السياسية ومؤهّلاته القيادية العظيمة لم يستطع الوقوف بوجه الانحراف الذي سرى إلى جميع مفاصل المجتمع
الإسلامي ، ولم يتمكّن من إعادة هذا المجتمع إلى طريق الحقّ والعدالة اللاّحب ، إذ وقفت في وجهه فئات من المنافقين والنفعيين ومن كان يحمل في نفسه البغض والكره لله ولرسوله، وقد أكّد ذلك في خطبته الشقشقية بقوله(عليه السلام): فلمّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها
مع أبيه(عليه السلام) في إصلاح الأمة :
لقد بادر الإمام علي(عليه السلام) إلى إعادة الحقّ إلى نصابه والعدل إلى سيادته، محيياً سنّة رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) في الأمة منتهجاً الطريق القويم.
وما أسرع ما وقفت قوى الضلال ضد إصلاحات الإمام(عليه السلام) في مجال الإدارة وفي مجال توزيع الأموال وفي مجال العدل في القضاء وفي مجال مراعاة شؤون الرسالة وشؤون المسلمين!
ولم يتردّد (عليه السلام) في التحرّك لفضح خط النفاق والقضاء على الفساد واجتثاث جذوره لتسلم الرسالة والأمة منه، وقام هو وأهل بيته(عليهم السلام) يخوضون غمار الحروب دفاعاً عن الإسلام مقتدين برسول الله(صلَّى الله عليه وآله) . وشارك الإمام الحسين(عليه السلام) في جميع الحروب التي شنّها المنافقون ضدّ الإمام علي(عليه السلام).
وكان يبرز إلى ساحة القتال بنفسه المقدّسة كلّما اقتضى الأمر وسمح له والده(عليه السلام) وقد سجّل المؤرّخون خطاباً للإمام الحسين(عليه السلام) وجّهه لأهل الكوفة لدى تحركهم إلى صفّين، جاء فيه بعد حمد الله تعالى والثناء عليه: يا أهل الكوفة! أنتم الأحبّة الكرماء والشعار دون الدثار، جدّوا في إطفاء ما وتر بينكم وتسهيل ما توعّر عليكم، ألا إنّ الحرب شرّها وريع وطعمها فظيع، فمن أخذ لها أهبتها واستعدّ لها عُدّتها، ولم يألم كُلومها قبل حلولها فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قَمِن أن لا ينفع قومَه وإن يهلك نفسه، نسأل الله بقوّته أن يدعمكم بالفيئة.
حرص الإمام علي(عليه السلام) على سلامة الحسنين(عليهما السلام) :
قاتل الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة صفّين كما قاتل في معركة الجمل، مع أنّ بعض الروايات أفادت بأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يمنع الحسنين (عليهما السلام) من النزول إلى ساحة القتال خشية أن ينقطع نسل رسول الله(صلَّى الله عليه وآله); إذ كان(عليه السلام) يقول: إملكوا عنّي هذا الغلام لا يَهُدَّني، فإنّني أنفسُ بهذين ـ يعني الحسن والحسين (عليهما السلام) ـ على الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)
وجاء في نصوص أخرى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يبعث ابنه محمّد ابن الحنفية إلى ساحات القتال مرّات عديدة دون أن يسمح للحسنين(عليهما السلام) بذلك، وقد سئل ابن الحنفية عن سرّ ذلك فأجاب: (إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينه بيمينه) ويعكس هذا الجواب مدى ما كان يحظى به الحسنان عند الإمام علي(عليه السلام) .
وتفيد الأخبار بأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ظلّ مع أبيه بعد صفّين أيضاً في جميع الأحداث مثل قضية التحكيم ومعركة النهروان.
ومعلوم أنّ الأحداث التي عايشها الإمام الحسين مع أبيه(عليهما السلام) كانت مأساوية ومرّة جدّاً، وقد بلغت المأساة ذروتها عندما تآمر الخوارج على قتل أسمى نموذج للإنسان الكامل ـ بعد رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) ـ أي عندما ضرب المجرم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي إمامه أمير المؤمنين(عليه السلام) على رأسه بالسيف وهو في محراب العبادة.
وصايا أمير المؤمنين(عليه السلام) للإمام الحسين(عليه السلام) :
تدلُّ وصايا أمير المؤمنين(عليه السلام) لولده الحسين(عليه السلام) على شدّة اهتمامه به ومحبّته له، وقد جاء في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه الله) أوصى للحسن والحسين بالوصية التالية :
(أوصيكما بتقوى الله ، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ، ولا تأسفا على شيء منها زُوِيَ عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للأجر وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً. أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم; فإنّي سمعت جدّكما(صلَّى الله عليه وآله) يقول : (صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام) . الله الله في الأيتام! فلا تغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم. والله الله في جيرانكم! فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورّثهم . والله الله في القرآن! لا يسبقكم بالعمل به غيركم. والله الله في الصلاة! فإنّها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم! لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن تُرك لم تُناظروا. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله! وعليكم بالتواصل و التباذل ، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يا بني عبد المطلب! لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قُتل أميرُ المؤمنين. ألا لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي. اُنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تُمثّلوا بالرجل; فإنّي سمعت رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) يقول : (إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور)
وثمّة وصية أخرى قيّمة وجامعة خاصّة بالإمام الحسين(عليه السلام) ذكرها ابن شعبة في تحف العقول، ونحن ننقلها لأهمّيتها حيث تضمّنت حكماً غرّاء ووصايا أخلاقية خالدة. وإليك نصّ ما رواه ابن شعبة عن الإمام علي(عليه السلام):
(يا بُنيّ! أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر، وكلمة الحقّ في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وبالعدل على الصديق والعدوّ، وبالعمل في النشاط والكسل، والرضى عن الله في الشدّة والرّخاء، أي بنيّ ماشرٌ بعده الجنّة بشرّ، ولا خير بعده النار بخير، وكلّ نعيم دون الجنة محقور، وكلّ بلاء دون النار عافية.
واعلم يا بُنيّ! أنّه مَن أبصر عيب نفسه شُغل عن عيب غيره، ومَن تعرّى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من اللباس، ومَن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته، ومَن سلّ سيف البغي قتل به، ومَن حفر بئراً لأخيه وقع فيه، ومَن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومَن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن كابد الأمور عطب، ومن اقتحم الغمرات غرق، ومن أعجب برأيه ضلّ، ومن استغنى بعقله زلّ، ومَن تكبّر على الناس ذلّ، ومَن خالط العلماء وُقّر. ومن خالط الأنذال حُقّر. ومَن سفه على الناس شُتم، ومَن دخل مداخل السوء اتّهم، ومَن مزح استخفّ به، ومَن أكثر من شيء عرف به، ومَن كثر كلامه كثر خطؤه، ومَن كثر خطؤه قل حياؤه، ومَن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومَن قلّ ورعه مات قلبه، ومَن مات قلبه دخل النار.
أي بنيّ! من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه، ومَن تفكّر اعتبر، ومَن اعتبر اعتزل، ومَن اعتزل سلم، ومَن ترك الشهوات كان حرّاً، ومَن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس.
أي بُنيّ! عزّ المؤمن غناه عن الناس ، والقناعة مال لا ينفد ، ومَن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومَن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما ينفعه .
أي بنيّ! العجب ممّن يخاف العقاب فلم يكفّ، ورجا الثواب فلم يتب ويعمل.
أي بنيّ! الفكرة تورث نوراً والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة ، والسعيد من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين، ليس مع قطيعة الرحم نماء ولامع الفجور غنى. أي بُنيّ! العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلاّ بذكر الله ، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء.
أي بنيّ! مَن تزيّا بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلاًّ ، ومن طلب العلم علم. أي بنيّ! رأس العلم الرفق، وآفته الخرق، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب، والعفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى ، كثرة الزيارة تورث الملالة، والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم ، وإعجاب المرء بنفسه يدلّ على ضعف عقله. أي بُني ، كم نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة سلبت نعمة.
أي بنيّ! لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعزّ من التقوى، ولا معقل أحرزُ من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقوت، ومن اقتصر على بُلغة الكفاف تعجّل الراحة وتبوّأ خفض الدعة.
أي بُنيّ! الحرص مفتاح التعب ومطيّة النصب وداع إلى التقحّم في الذنوب ، والشره جامع لمساوئ العيوب ، وكفاك تأديباً لنفسك ما كرهته من غيرك ، لأخيك عليك مثل الذي لك عليه، ومن تورّط في الأمور بغير نظر في العواقب فقد تعرّض للنوائب ، التدبيرُ قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جُنّة من الفاقة، البخل جلباب المسكنة، الحرص علامة الفقر، وصُول مُعدم خير من جاف مكثر، لكل شيء قوت وابن آدم قوت الموت.
أي بُنيّ! لا تؤيّس مذنباً، فكم من عاكف على ذنبه خُتم له بخير، وكم من مقبل على عمله مُفسد في آخر عمره، صائر إلى النار.
أي بُنيّ! كم من عاص نجا، وكم من عامل هوى، من تحرّى الصدق خفّت عليه المؤن، في خلاف النفس رُشدُها، الساعاتُ تنتقص الأعمار، ويلٌ للباغين من أحكم الحاكمين وعالم ضمير المضمرين.
يا بُنيّ! بئس الزادُ إلى المعاد العدوانُ على العباد، في كلّ جُرعة شرق، وفي كلّ أكلة غصص، لن تُنال نعمة إلاّ بفراق أخرى.
ما أقرب الراحة من النصب ، والبؤس من النعيم، والموت من الحياة، والسقم من الصحة! فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله، وبخ بخ لعالم عمل فجدّ، وخاف البيات فأعدّ واستعدّ، إن سُئل نصح، وإن تُرك صمت، كلامه صوابٌ، وسكوته من غير عيّ جواب.
والويل لمن بُلي بحرمان وخذلان وعصيان، فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره، وأزرى على الناس بمثل ما يأتي.
واعلم أي بُنيّ! أنّه من لانت كلمتُه وجبت محبّته، وفّقك الله لرشدك، وجعلك من أهل طاعته بقدرته، إنّه جواد كريم.
الإمام الحسين مع أبيه (عليهما السلام) في لحظاته الأخيرة :
كان آخر ما نطق به أمير المؤمنين (عليه السلام) هو قوله {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } [الصافات : 61] ، ثمّ فاضت روحه الزكية ، تحفّها ملائكة الرحمن ، فمادت أركان العدل في الأرض ، وانطمست معالم الدين.
لقد مات ملاذ المظلومين والمحرومين الذي كرّس جهده لإقامة دولة تُنهي دور الإثرة والاستغلال وتقيم العدل والحقّ بين الناس.
وقام سبطا رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) بتجهيز أبيهما المرتضى(عليه السلام) فغسّلاه وأدرجاه في أكفانه. وفي الهزيع الأخير من الليل حملاه إلى قبره في النجف الأشرف، وقد واروا أكبر رمز للعدالة والقيم الإنسانية المثلى كما اعترف بذلك خصومه. وكتب المؤرّخون : أنّ معاوية لمّا بلغه مقتل الإمام علي(عليه السلام) خرج واتّخذ يوم قتله عيداً في دمشق! فقد تحقّق له ما كان يأمله، وتمّ له ما كان يصبو إليه من اتّخاذ الملك وسيلة لاستعباد المسلمين وإرغامهم على ما يكرهون
الإمام الحسين في عهد أخيه الإمام الحسن (عليهما السلام)
حالة الأمة قبل الصلح مع معاوية :
لم يكن تفتّتُ أركان المجتمع الإسلامي ـ الذي كان يؤمن بأقدس رسالة سماوية وأعظمها وأشملها ـ في ظلّ حكم معاوية بن أبي سفيان وليد جهود آنيّة، فقد بدأ الانحراف من يوم السقيفة، إذ تولّى زمام اُمور الأمة مَن كان لا يملك الكفاءة والقدرة المطلوبة، وإنّما تصدّى لها من تصدّى على أساس العصبية القبلية
ويشهد لذلك قول أبي بكر: وُلّيت أمركم ولست بخيركم.
وانحدرت الأمة في واد آخر يوم ميّز عمر بن الخطاب في العطاء بين المسلمين مخالفاً سنّة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ومبتدعاً نظاماً طبقياً جديداً، حتى إذا حكم عثمان بن عفّان; استفحل الفساد واستشرى في جهاز الحكم والإدارة، حين سيطر فسّاق الناس وشرارهم على أمور الناس فراحوا يعيثون في الأمة فساداً كالوليد بن عقبة والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط وسعيد بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح.
وأصبحت العائلة الأُموية التي لم تنفتح على الإسلام لتشكل قوّة اقتصادية جرّاء نهبهم لثروات الأمة، وعطايا عثمان لهم بغير حق، وتغلغلوا في أجهزة الحكم، وتمكّن معاوية بن أبي سفيان خلال ولايته على الشام منذ عهد عمر أن يُنشئ مجتمعاً وفق ما تهوى نفسه الحاقدة على الإسلام والنبي(صلَّى الله عليه وآله)
وأهل بيته(عليهم السلام)، فقد دخل هو وأبوه الإسلام مقهورين موتورين يوم فتح مكة، ودخل في عداد الطلقاء، بعد أن كان قد فقد جدّه وخاله وأخاه في الصراع ضد الإسلام قبل فتح مكّة.
على أنّ طوال هذه الفترة ـ منذ وفاة الرسول(صلَّى الله عليه وآله) إلى نهاية حكم عثمان ـ لم يعتنِ النظام الحاكم بالدعوة الإسلامية ونشرها وترسيخها في النفوس، ولم يسع لاجتثاث العقد والأمراض والعادات القبلية، بل كان همّ الحاكمين هو الاندفاع في الفتوحات طمعاً في توسعة الدولة وزيادة الأموال. وقد عمل الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) منذ وفاة الرسول(صلَّى الله عليه وآله) جاهداً على أن لا تفقد الأمة شخصيتها الإسلامية وحاول تقليل انحرافها، فكان يتدخّل ويُعِين الفئة الحاكمة تارةً باللين واُخرى بالشدّة متجنّباً الصدام المباشر معهم، لأجل استرداد حقّه الشرعي في الخلافة، مؤثراً مصلحة الإسلام العامّة على ما سواها من المصالح.
لقد فجعت الأمة بمصلحها الكبير ـ يوم استشهد الإمام علي (عليه السلام) ـ وانهارت بين يدي الإمام الحسن بن علي(عليهما السلام) بعد أن أنهكتها حروب الإصلاح ضد الناكثين والقاسطين والمارقين; إذ أسرعت القوى النفعية والمنافقة والحاقدة على الإسلام إلى الوقوف في وجه الإمام علي (عليه السلام) متنكرة لأوامر الله سبحانه ورسوله (صلَّى الله عليه وآله) غير مبالية بمصلحة الأمة، بالرغم من تجسيده للزعامة الحقيقية التي تقود إلى منهج الحقّ والعدل الإلهي ، وهم يعلمون بشرعيته التي اكتسبها من الرسالة والرسول (صلَّى الله عليه وآله).
وهذا ما كان يشكّل خطراً حقيقياً من شأنه أن يلغي وجودهم من المجتمع الإسلامي، ولهذا كانت حروب : الجمل وصفّين ثم النهروان.
ورأى الإمام الحسن(عليه السلام) أن ينهض بالأمة مواصلاً مسيرة الإصلاح ومواجهة الانحراف، ولكنّ الجموع آثرت السلامة والركون إلى الراحة ، فاضطرّ الإمام الحسن(عليه السلام) إلى الصلح والمهادنة مع معاوية ـ وهو المتحصّن القويّ في بلاد الشام ـ على شروط وعهود مهمّة، ليضمن سلامة الصفوة الخيّرة من الأمة، وليبني قاعدة جماهيرية أكثر وعياً وأعمق إيماناً برسالتها الإسلامية، كي لا يُمسخ المجتمع المسلم ولا تُمحق الرسالة; إذ ليس السيف دائماً هو الفيصل في حالات النزاع، فربما كان للكلمة والمعاهدة أثر أبلغ في مرحلة خطرة، حيث الهدف هو صيانة الرسالة الإسلامية وحفظ الأمة الإسلامية في كلّ الأحوال، وليتّضح دور النفاق والعداء الذي كان يتّسم به بنو أُمية وما كان يُضمِرهُ حكّامهم للإسلام.
ولقد وقف الإمام الحسين(عليه السلام) إلى جانب أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) وعايش جميع الأحداث التي مرّ بها أخوه، وكانا على اتّفاق تامّ في الرأي والموقف، يعاضده في توجيه الأمة وإنقاذها بعد أن رأى كيف أنّ انحراف السقيفة تكاملت أدواره في هذه المرحلة، وقد سرى هذا الانحراف في جسد الأمة حتى غدت لا تتحفّز لنهضة الإمام الحسن(عليه السلام) ولا تستجيب لأوامره.
وأحاط الإمام الحسن(عليه السلام) بكلّ ما دبّره معاوية من المكائد والدسائس، وأصبحت الأكثرية من جيش العراق في قبضة معاوية بن أبي سفيان وطغمته، بعد أن كان يمثّل جيش العراق العمود الفقري لجيش الإمام علي(عليه السلام).
ولم يكن ليخفى على الإمام الحسين(عليه السلام) أنّ المعركة ـ لو قدّر للإمام الحسن أن يدخلها مع معاوية ـ ستكون لصالح الأخير، وستنتهي حتماً إمّا بقتل الحسن والحسين وجميع الهاشميّين وخُلَّص شيعتهم، أو ستنتهي بأسرهم، في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة الإسلامية إلى وجود الإمام المعصوم بينها لإنقاذ ما تبقّى وبناء ما تهدّم; فإنّ الرسالة الإسلامية خاتمة الرسالات ولابدّ من إتمام ما بناه الرسول (صلَّى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ومن ذلك تبيّن أنّ ما رواه بعض المؤرّخين من أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان كارهاً لما فعله الإمام الحسن(عليه السلام) وأنّه قال له: (أنشدك الله أن لا تصدّق أحدوثة معاوية وتكذّب أحدوثة أبيك) وأنّ الحسن قال له: (أُسكت أنا أعلم منك) … يتبيّن أنّ هذه المرويّات لا أساس لها من الصحة.
هذا بالإضافة إلى أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان أبعد نظراً وأعمق غوراً في الأمور ومعطياتها من أفذاذ عصره الذين قدّروا للحسن(عليه السلام)موقفه الحكيم الذي لم يكن هناك مجال لاختيار موقف سواه، وكان(عليه السلام) أرفع شأناً من أن تخفى عليه المصلحة التي أدركها غيره فيما فعله أخوه حتى يقف منه ذلك الموقف المزعوم.
ولا يشكّ المعتقدون بإمامة وعصمة الإمامين الحسنين(عليهما السلام) في عدم صحة الروايات التي تحدّثت عن معارضة الإمام الحسين(عليه السلام) لموقف أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) من الصلح مع معاوية.
فإذا كان الحسنان (عليهما السلام) إمامين مفترضي الطاعة; كان كلّ ما قاما به هو محض التكليف الإلهي، وطبقاً لما أراده الله تعالى لهما، فليس ثمّة مجال لمثل تلك الروايات.
ويشهد على قولنا هذا روايات معتبرة تعارض تلك الروايات غير الصحيحة، منها ما يلي:
1 ـ قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمّون بمن لا يعذر الناس بجهالته.
2 ـ سأل رجل أبا الحسن الإمام الرضا(عليه السلام) فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم، قال: مثل طاعة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)؟ فقال : نعم.
3 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال له حمران: جُعلت فداك، أرأيت ما كان من أمر عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عَزَّ وجَلَّ وما أصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتى قُتلوا أو غلبوا؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): يا حُمران! إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثمّ أجراه، فبتقدّم علم ذلك إليهم من رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) قام عليّ والحسن والحسين وبعلمٍ صمت من صمت منّا.
4 ـ وعن عظيم أخلاق الحسين(عليه السلام) واحترامه لأخيه الحسن(عليه السلام)قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام): ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له.
5 ـ قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّ معاوية كتب إلى الحسن بن عليّ (صلوات الله عليهما) أن أقدم أنت والحسين وأصحاب عليّ، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقدموا الشام، فأذن لهم معاوية، وأعدّ لهم الخطباء … ثمّ قال: يا قيس! قم فبايع، فالتفت إلى الحسين(عليه السلام) ينظر ما يأمره، فقال: يا قيس! إنّه إمامي ( يعني الحسن(عليه السلام) ).
احترام الإمام الحسين (عليه السلام) لبنود صلح الإمام الحسن (عليه السلام) :
استشهد الإمام الحسن(عليه السلام) سنة (49) أو (50) للهجرة ، ومات معاوية سنة (60) للهجرة، وفي هذه المدة كانت الإمامة والقيادة للإمام الحسين(عليه السلام) ولم تجب عليه طاعة أحد، لكنّه(عليه السلام) ظلّ ملتزماً ببنود معاهدة الصلح التي عقدها أخوه الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية، فلم يصدر عنه أيّ موقف ينتهك به بنود المعاهدة المذكورة. بل لمّا طالبه بعض الشيعة بالقيام والثورة على معاوية، أوصاهم بالصبر والتقية مشيراً إلى التزامه بالمعاهدة، وأنّه سيكون في حِلٍّ من المعاهدة بموت معاوية.
رسالة جعدة بن هبيرة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) :
كان جعدة بن هبيرة بن أبي وهب من أخلص الناس للإمام الحسين(عليه السلام) وأكثرهم مودّة له، وقد اجتمعت عنده الشيعة وأخذوا يلحّون عليه في مراسلة الإمام للقدوم إلى مصرهم الكوفة ليعلن الثورة على حكومة معاوية، فدفع جعدة رسالة إلى الإمام الحسين(عليه السلام) هذا نصها: (أمّا بعد، فإن من قبلنا من شيعتك متطلّعة أنفسهم إليك، لا يعدلون بك أحداً، وقد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في الحرب، وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة على أعدائك والشدّة في أمر الله، فإن كنت تحبّ أن تطلب هذا الأمر فأقدم علينا، فقد وطنّا أنفسنا على الموت معك).
فأجابه الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: (أمّا أخي فإنّي أرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدّده، وأمّا أنا فليس رأيي اليوم ذاك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً، فإن يُحدث الله به حدثاً وأنا حيّ كتبت إليكم برأيي، والسلام).
يتبيّن ممّا تقدّم أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ انطلاقاً من مسؤوليته الشرعية ـ اتّبع أخاه الإمام الحسن(عليه السلام) في مسألة الصلح مع معاوية، وقد قبله والتزم به طيلة حكم معاوية، بل إنّ عشرات الشواهد تؤكّد أنّهما كانا منسجمين في تفكيرهما ونظرتهما إلى الأمور ومعطياتها ومتّفقين في كلّ ما جرى وتمّ التوصل إليه.
وكما نسبوا إلى الإمام الحسين(عليه السلام) ذلك فقد نسبوا إلى الإمام الحسن(عليه السلام) أيضاً أنّه كان على خلاف مع أبيه! في كثير من مواقفه السياسية قبيل خلافته وخلالها. ومن الواضح أنّ الهدف من أمثال هذه المزاعم هو زرع الشكّ في نفوس الأمة بالنسبة للموقع الريادي للإمامين الشرعيين الحسن والحسين(عليهما السلام) بغية إيجاد الفرقة والاختلاف كي يبتعد الناس عنهما.
استشهاد الإمام الحسن(عليه السلام) :
أقام الإمام الحسن(عليه السلام) بالكوفة أيّاماً بعد أن صالح معاوية، ثمّ عاد مع أخيه الإمام الحسين(عليه السلام) وجميع أهل بيته إلى المدينة، فأقام بها كاظماً غيظه لازماً منزله منتظراً لأمر ربّه جَلَّ اسمه وكما ذكرنا فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) رفض التحرّك ضد معاوية ما دام حيّاً، التزاماً بمعاهدة الصلح التي كان قد عقدها أخوه الحسن(عليه السلام) معه.
وقد اهتمّ الإمامان(عليهما السلام) في المدينة بالعبادة وترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الناس وتوضيح الأحكام الإسلامية للناس وإرشادهم وهدايتهم والعمل من أجل تربية جيل واع يتحمّل مسؤوليته تجاه الظلم والفساد والانحراف الحاصل في مسيرة الأمة. وفي هذه السنوات العشر ـ كما دوّنته جملة من مصادر التاريخ الإسلامي ـ قد حدثت عدّة مناوشات كلامية من جانب الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) بالنسبة لتصرفات معاوية وجملة من عناصر بلاطه .
المصدر: http://h-najaf.iq