مقارنة الانبياء بالعلماء
لا يصح مقارنة الانبياء بالعلماء المتميِّزين أو تشبيههم بالنوابغ الذين يتمتعون بذكاء خارق أو عدِّهم في مستوى أصحاب القدارات العلمية الفائقة، ذلك لأن العلماء الأعلام و النوابغ البشرية رغم تميُّزهم عن غيرهم و رغم تقديمهم خدمات قيمة للنوع البشري إلا أن سبب تفوقهم يكمن في تمتعهم بذكاء خارق و قوة فكرية عالية و حواس متميزة، و هذه الأمور هي التي مكنتهم من التفوق على غيرهم من الناس بفضل ما أنعم الله عليهم بهذه النعم.
الانبياء و الوحي
الانبياء عليهم السلام هم أمناء الله فهم و رغم تمتعهم بما يتمتع به العلماء و النوابغ فإنهم مزودون بمدد إلاهي خاص لا يمكن لأحد أن يحصل عليه حتى لو كان الأذكى و الأعلم و الأقوى بالمقياس المتعارف، و هذا المدد الخاص هو الوحي الذي هو الإتصال الوثيق و الاعلام السريع الذي خصَّ الله عَزَّ و جَلَّ أنبياءه به ليوصل اليهم كل معلومة يكونوا بحاجة اليها دون أدنى تأخير أو أدنى خطأ أو خلل، فيسددهم و يمدهم بما يحتاجون اليه و يخبرهم بما كان و ما سيكون حسب الحاجة و المصلحة و الحكمة الإهية، فالوحي هو احد الفروق الاساسية الموجودة بين الأنبياء و العلماء و المفكرين و النوابغ.
و مما يميز الانبياء عن العلماء و المفكرين هو أن العلماء و المكتشفين و النوابغ رغم حصولهم على نتائج علمية باهرة في الغالب إلا أنهم قد يخطأون أيضاً في حساباتهم و تقديراتهم و تنبآتهم، أما الانبياء فلا خطأ أبداً في تنبؤآتهم و أخبارهم لأنهم يأتون بها من مبدأ الوجود و عن طريق الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.
قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1.
و قال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ 2.
و قال سبحانه و تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ 3.
ما هو الوحي ؟
الوحي في اللّغة : هو الإعلام السريع الخفي.
أما الوحي في المصطلح الإسلامي فهو ـ كما قال العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ـ : كلمة اللّه جلّ اسمه التي يلقيها إلى أنبيائه و رسله بسماع كلام اللّه جَلَّ جَلالُه دونما رؤية اللّه سبحانه مثل تكليمه موسى بن عمران (عليه السَّلام)، أو بنزول ملك يشاهده الرّسول و يسمعه مثل تبليغ جبرائيل (عليه السَّلام) لخاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله)، أو بالرؤيا في المنام مثل رؤيا إبراهيم (عليه السَّلام) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل (عليه السَّلام) ، أو بأنواع أخرى لا يبلغ إدراكها علمنا 4.
- 1. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 50، الصفحة: 133.
- 2. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 203، الصفحة: 176.
- 3. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 110، الصفحة: 304.
- 4. مصطلحات قرآنية : للعلامة المحقق آية الله السيد مرتضى العسكري (رحمه الله).