نجاح أي عمل من الأعمال الخيرية يستلزم توافر إرادة النجاح عند القائمين عليه، كما يتطلب المشاركة التطوعية لأبناء المجتمع في إنماء العمل التطوعي والخيري، ذلك لأن الأعمال التطوعية لا يمكن أن تنجح بدون تفاعل المجتمع معها، والمشاركة فيها، وتشجيع القائمين عليها، وهذا بدوره يستدعي نشر وتعميم ((ثقافة العمل التطوعي)) في البنية لاجتماعية.
والمشاركة في العمل التطوعي لها أبعاد متنوعة ولكنها تصب جميعاً في إنماء مؤسسات الخدمة الاجتماعية والإنسانية من جمعيات خيرية، ونوادي رياضية، ولـجان كافل اليتيم، وصناديق الزواج الخيرية، ومهرجانات الزواج الجماعي، والأسواق الخيرية… وغير ذلك من مؤسسات ومشاريع خيرية تطوعية تعمل كلها لصالح إنماء العمل التطوعي في المجتمع.
ويمكن تحديد أهم أنواع المشاركة في العمل التطوعي في الأبعاد التالية:
- المشاركة المعنوية: ونعني بها دعم المشاريع التطوعية معنوياً وذلك من خلال الوقوف المعنوي مع المشروع الخيري سواءً بالتشجيع، أو الدفاع عن المشروع الخيري، أو التعريف به في المحافل العامة… إلى غير ذلك من صور المشاركة المعنوية.
- المشاركة المالية: ونعني بها دعم المشاريع الخيرية بالمال، ومما لا شك فيه أن المال يمثل أحد مقومات نجاح الأعمال الخيرية، وقد سمى القرآن الكريم المشاركة المالية في سبيل الله بـ(الجهاد) حيث يقول تعال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ 1. وهذا يدل على أهمية الجهاد بالمال كما بالنفس، فهو مما له أكبر الأثر في النهضة والإحياء والتقدم والازدهار في مختلف جوانب الحياة.
- المشاركة العضوية: ونعني بها أن يكون الشخص عضواً فعّالاً في الأعمـال التطوعية وذلك عبر انتسابه لإحدى مؤسسات الخدمة الاجتماعية، وهذا يتطلب بـذل الجهد، والتضحية بالوقت، وممارسة التفكير الجاد، وشحذ الهمة … من أجل خدمـة المجتمع، وتقوية العمل الخيري، وإنماء الممارسة التطوعية بما يخدم الشأن الاجتماعي العام.
هذه هي أهم ألوان المشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية، وكلها مهمة وضرورية لنجاح أي عمل خيري. والمطلوب من كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون مشاركاً بأي لون من ألوان المشاركة التطوعية كي تنمو الأعمال الخيرية، بما يعزز من التكافل الاجتماعي، ويقوي من مسيرة المؤسسات الخيرية، وينمي الوعي بالعمل التطوعي … ففي ذلك من الفوائد التي تعود بالنفع على الأفراد المتطوعين كما على المجتمع والأمة ما لا يخفى على كل عاقل.
وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي: أن الكثير من المؤسسات الخيرية في مجتمعنا تواجه ألواناً من المواقف السلبية من قبيل: عدم المشاركة بأي لون من ألوان المشاركة التطوعية، والنقد السلبي لأي عمل خيري، والهروب من المشاركة في العمل التطوعي، وأسوأ المواقف السلبية هو: بث الشائعات والشكوك ضد أي عمل خيري والقائمين عليه، وخلق جو سلبي، وزرع الإحباط واليأس في المحيط الاجتماعي، وممارسة الهدم ضد أي عمل تطوعي بدلاً من المشاركة في البناء … ومما لا شك فيه أن مثل هذه التصرفات الشائنة تساهم في تأخير مسيرة الأعمال الخيرية، وعرقلة نموها وتقدمها، وعزوف الكثير من الشباب عن الالتحاق بقطار الأعمال التطوعية. والنتيجة ستكون خسارة المجتمع لما يمكن أن تقدمه مؤسسات الخدمة الاجتماعية من فوائد لصالح المجتمع الأهلي.
ولكي تتقدم المسيرة التطوعية لمؤسسات الخدمة الاجتماعية ينبغي أن يشارك كل فرد بما يستطيع من ألوان المشاركة في العمل التطوعي بما ينمي الحركة التطوعية في مجتمعنا، ويرفع من مستوى المؤسسات الخيرية وقدرتها على العطاء والإنتاج والفاعلية، ويرتقي بالأعمال التطوعية إلى مستوى متقدم من العمل والإنجاز المتميز.
وبالمقارنة بين ما وصلت إليه المؤسسات التي تعمل في مجالات الخدمة الاجتماعية والإنسانية في بلاد الغرب وبين حال مؤسساتنا الخيرية نجد الفارق كبيراً جداً، إذ تقول لغة الأرقام: إنه في أمريكا وحدها يوجد (32000) مؤسسة خيرية بلغت ممتلكاتها عام 1989م أكثر من (138) مليار دولار، كما يشارك في العمل التطوعي حوالي (93) مليون أمريكي يشكلون نسبة 30% من مجمل الأمريكيين، ينفقون سنوياً (20) بليون ساعة في العمل التطوعي لصالح الأطفال والفقراء والتعليم وقضايا أخرى. كما يقدر معدل التبرع المالي لكل أمريكي (500) دولار سنوياً، وقد تبرع الأمريكي ” تيد تورنر” مؤسس شبكة CNN الإعلامية بثلث ثروته إلى المنظمات الإنسانية في الأمم المتحدة ويساوي مبلغ مليار دولار أمريكي.
وفي بريطانيا يوجد أكثر من 20 مليون شخص من البالغين يمارسون نشاطاً تطوعياً منظماً. أما في فرنسا فقد جاء في تقرير لجمعية فرنسا للشؤون الاجتماعية أن 10 ملايين ونصف المليون فرنسي يتطوعون في نهاية الأسبوع للمشاركة في تقديم خدمات اجتماعية مختلفة تخص الحياة اليومية من مجالات التربية والصحة والبيئة والثقافة وغيرها. وتتراوح أعمار 51% من المتطوعين ما بين الخامسة والثلاثين والتاسعة والخمسين، ويمثل الطلبة نسبة 21% وتتراوح أعمار المتطوعين منهم ما بين 18 و 25 عاماً.
وتكشف هذه الأرقام والإحصائيات عن المستوى المتقدم الذي وصل إليه المجتمع الغربي في مجال الأعمال التطوعية، وبالرغم من أن بعض دوافع المؤسسات الخيرية في الغرب تشوبها دوافع مصلحية أو سياسية أو تبشيرية إلا أن بعضها ناتج من مستوى الوعي المجتمعي بأهمية العمل الخيري، ومن الفطرة الإنسانية التي تدفع بالإنسان كإنسان إلى خدمة أخيه الإنسان وخدمة مجتمعه وأمته.
وكان الأحرى بنا – نحن المسلمين – أن نكون سباقين للأعمال الخيرية كما كان المسلمون في القرون الأولى أسبق الناس للأعمال الخيرية والتطوعية، فتعاليم ديننا تحثنا على ذلك، والأعمال الخيرية من أفضل الأعمال التي تقرب الإنسان إلى الله عز وجل، كما توجب له الأجر والثواب الجزيل، فقد روي عن نبينا محمد وآله قوله: “من قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله دهراً”، وعنه أيضاً قال : “من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهد في سبيل الله”. وقال الإمام الصادق (ع) : “قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجة متقبلة بمناسكها وعتق ألف رقبة لوجه الله”.
فالمشاركة في الأعمال الخيرية هي مطلب ديني، كما أنها حاجة إنسانية، وضرورة اجتماعية. فلنشارك في الأعمال الخيرية بما نستطيع، وبأية صورة ممكنة، وبأي لون من ألوان المشاركة … فهذا من أفضل الأعمال المندوبة عند الله سبحانه وتعالى، والمحبوبة عند الناس2.
- 1. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 15، الصفحة: 517.
- 2. الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف – 12 / 11 / 2010م – 7:57 م، نقلا عن مجلة النبأ (مجلة شهرية ثقافية عامة) رقم 70 -السنة العاشرة-ربيع الأول1425هـ-أيار2004م.