الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه نبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد وعلى آله، بعد:
سعى أمير المؤمنين منذ توليه الخلافة إلى توسيع جهوده في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تجييش الجيوش وإرسال السّفراء إلى المعارضين وادخالهم تحت راية الدولة الإسلامية، واهتمامه بالإشراف على الجيوش وتوليته القادة والأمراء أمثال قيس بن سعد بن عبادة ومالك الأشتر وغيرهم من الصحابة والتابعين (رضوان الله عليهم)، وتمثل ذلك في عهده لمالك الأشتر في قوله (عليه السلام): (وَلْيَكُنْ آثَرُ رُؤوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ، حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ)[1].
وهؤلاء كان لهم دور سياسي في كثير من المعارك التي شاركوا فيها مع الإمام علي (عليه السلام) قبل دورهم العسكري العظيم، فقد أرسل مالك الأشتر رسالة إلى عائشة يحذرها فيها من محاربة الإمام علي – عليه السلام – ، جاء فيها: (أما بعد فإنك ظعينة رسول الله – صلى الله عليه وآله – وقد أمرك أن تقري في بيتك، فإن فعلت فهو خير لك وإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك[2] وتلقي جلبابك وتبدي الناس شعيرتك، قاتلتك حتى أردك إلى بيتك والموضع الذي يرضاه لك ربك، إلا أن عائشة لم تقتنع بذلك وردت عليه رداً قاسياً)[3].
فالدور السياسي يعد من صميم رسالة أصحاب أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) سيمّا وأن مصاحبتهم له (عليه السلام) كانت تعبيرا عن رأي ديني سياسي و وفكري في الوقت نفسه، وكذلك الجانب العسكري إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الجانب العسكري هو جزء من الجانب السياسي أو نتيجة له لكون الأحداث العسكرية في مجملها هي تطورات لأحداث سياسية تعذر الوصول إلى حلول سلميّة لها، إذ أصبح السلاح حلاً للمعضلة السياسية.
فالجندي الحائز على الشروط التي تحمل توفير القيم والأخلاق والشمائل الحسنة فيه هو بالتأكيد عنصر فاعل في المعركة وعامل حسم ضروري في توجيه المعركة نحو هزيمة العدو ولذا حرص الإمام علي (عليه السلام) على انتخاب الصالحين وخصوصاً إذا تعلق الأمر بالقادة والأمراء.
كذلك ساهم كثير من صحابة الإمام علي – عليه السلام – بتوفير الدعم المالي لإخوانهم المقاتلين لتلبية احتياجاتهم كالسلاح والمؤونة، اذ قام عمرو بن محصن بتجهيز الإمام علي – عليه السلام – بمائة Hلف درهم في مسيره إلى حرب الجمل[4].
وخير دليل على حب صحابة الإمام علي – عليه السلام – للقيام بالعمل الاجتماعي أو الاشتراك به ومساعدة كل ذي حاجة ما نجده في توجه ثلة منهم (فيهم عمار بن ياسر ومالك الأشتر وحذيفة بن اليمان) لمساعدة صبية تندب أباها عجزت عن مواراته الثرى وقد شاءت الحكمة الإلهية أن يكون ذلك المتوفى أخاهم وصاحبهم ورفيق دربهم أبا ذر الغفاري (رضوان الله عنه) إذ إنه لما نفي أبو ذر إلى بادية الربذة حضرته الوفاة فيها وكان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) قد تنبأ له بالموت وحيداً بعيداً عن المسلمين وتنبأ له أن من يدفنه جماعة من المسلمين الصالحين من عابري السبيل، فكان مؤمناً بذلك لا يداخله إليه شك، فلما أحس بالموت قال لابنته: أترين أحدا، فقالت له: كلا، فقال: كلا انه سيحضرني نفر مؤمنون، فقالت: إني وحدي في هذا الموضع وأخاف أن تغلبني عليك السباع وجزعت جزعاً شديداً، وإذا بركب مقبلين فأخبرت أبيها، فقال: الله اكبر صدق رسول الله حولّي وجهي إلى القبلة فإذا وصل القوم أقرئيهم مني السلام، فإذا فرغوا من أمري فاذبحي لهم هذه الشاة وقولي لهم أقسمت عليكم أن برحتم حتى تأكلوا ثم مات فوصلها القوم ووجدوا لديها جنازة على قارعة الطريق فشمروا أيديهم لمساعدتها وإذا بها تقرئهم السلام من أبيها قبل أن يروه وتخبرهم بأنه أبا ذر الغفاري صاحبهم وهي بهم غير عالمة فاخذوا بالبكاء ثم غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه ثم حملوا ابنته معهم إلى المدينة[5].
وعليه:
نستنتج أن أولئك الصحابة جمعت فيهم صفات عدة كالصمود وعدم الميل عن الحق والصحبة والشجاعة والعلم والحلم والإيمان بقضية الإمام علي (عليه السلام) كما ساهموا بنشر قضيته وتعريف الناس بظلامته وأهل بيته، وقد لاقى أصحابه الكرام في سبيل ذلك ما لاقوا حتى شردوا ونفوا عن ديارهم وقتلوا على أيدي أعدائهم ومخالفيهم الرأي ولم يأبهوا بذلك ولم يستكثروه لإيمانهم بقضيتهم وعلمهم بوعورة طريق الحق وقلة سالكيه.
الهوامش:
[1]- نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ فارس الحسون: 707- 708.
[2] – منسأتك، عصاتك (ينظر: الجاحظ، البيان والتبين، ج 3 ص 81).
[3] – ينظر: شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد، ج6 ص 225؛ 29؛ بحار الانوار، المجلسي، ج 32 ص 138؛ النص والاجتهاد، شرف الدين، ص 432.
[4] – الطوسي، رجال الطوسي، ص 73؛ الفتوح، ابن اعثم، ج 2 ص 234؛ خلاصة الاقوال: الحلي، ج 4 ص 212؛، اسد الغابة، ابن الاثير، ج3 ص 288؛ ابن حجر، الاصابة، ج 4 ص143؛ جامع الرواة، الاردبيلي، ج1 ص 627.
[5] – ينظر اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي:2/ 173؛ تاريخ الرسل: الطبري، ج 4 ص 308؛ الكامل: ابن الأثير، ج 2 ص264؛ سير أعلام النبلاء: الذهبي، ج 2 ص 77.
المصدر: http://inahj.org