عندما يكون هناك حدثٌ عالمي خطيرٌ للغاية، يتسبب في إرباك العالم أجمع، ويبعث الخوف والهلع في النفوس، يظهر من هناك وهناك أشخاصٌ يسقطون هذا الحدث على علامات الظهور الشريف لمولانا صاحب العصر والزمان، وأننا على وشك أن نشهد تلك الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واقترب الموعد الذي تكتحل أعيننا بنظرةٍ منا إليه. ويزيد بعضهم في الكلام بأن الذي لا يوقن بأن هذه من العلامات المؤكدة لقرب ظهوره الشريف فهو لا يفتهم في الدين، وقد يخرجونه من المذهب أيضاً، وكأنهم قادمون برسالةٍ خاصة من الإمام المنتظر .
وأعظم من ذلك قد يضع بعضهم توقيتاً زمنياً ولكي لا يقع في التوقيت المنهي عنه في الروايات الشريفة يحدد ذلك بفترة زمنية وليس بوقت محدد، وتجد بعض هؤلاء حين تتجاوز الفترة الزمية يتشدق بمسألة البداء، وأن الله تعالى بيده تغيير كل شيء، كما في قوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ 1. وهذا نوعٌ من أنواع التلاعب على عقول الناس، وخصوصاً غير المطّلعين منهم، وقد يؤثر ذلك في زعزعة إيمانهم بهذه العقيدة وبحقيقة قيام الإمام المهدي وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.
ومن منّا لا يرتقب هذا اليوم العظيم الذي تشرق فيه الدنيا بنور مولانا صاحب العصر والزمان، ومن منّا لا يتوق شوقاً لرؤيته والالتحاق بركبه المبارك، ومن منّا لا يتمنى تحقق ذلك اليوم قبل الغد، إلا أن هذا الأمر لا ينبغي أن يتم تناوله بهذه الطريقة، فحدث عظيم تتوق له كل النفوس الموالية لأهل البيت ، ويؤمن بفكرته كل المسلمين وجميع أتباع الديانات الأخرى، بلا شك هو حدثٌ استثنائي في تاريخ البشرية، وبالتأكيد لن يكون فجائياً بل إن له مقدمات، وهذه المقدمات على نوعين:
الأول – علامات متغيرة بحسب الزمان والمكان.
وهنا يقول أحد العلمات كل العلامات التي تسبق ظهور الإمام صاحب العصر والزمان والتي تحدثت عنها الروايات الشريفة لأهل البيت قد وقعت جميعها، منذ عشرات السنين، وهذه العلامات قد تتكرر بين زمنٍ وآخر، وقد تتعدد في طبيعتها وشدتها بحسب الزمان والمكان.
وهي علامات أيضاً يقع فيها البداء، فقد تشاء حكمة الباري جلّ وعلا أن لا تقع علامة من العلامات، أو أن يتغير زمانها أو مكانها، وكل ذلك بحكمته سبحانه وتعالى.
الثاني – العلامات الحتمية.
يقول العلماء هناك خمس علامات حتمية تسبق الظهور الشريف وهي من النوع الذي لا يقع فيه البداء بحسب تصريح الروايات الشريفة لأهل البيت ، وهذه العلامات ستكون واضحة وجلية ولا تحتمل التشكيك أبداً حين وقوعها، فكل من يشهد عصر حدوثها سيدرك حتماً أنها من العلامات الخمس الحتمية، والتي تأتي تباعاً وليس بينها وبين الظهور الشريف سوى أشهر معدودة. والعلامات الخمس هي: اليماني والسفياني والصيحة وخسف في البيداء وقتل النفس الزكية؛ وهي علامات لم تحصل حتى يومنا الذي نعيش فيه. وبالتالي فنحن إنما نترقب هذه العلامات الحتمية والتي قد تحدث قريباً أو يطول امدها، كل ذلك بعلم الله تعالى؛ وأما تلك العلامات التي تعددت وتكررت وقد تتعدد وتتكرر، وقد تتغير وتتبدل بأمر الله سبحانه وتعالى، فهي ليست بتلك الأهمية لأنه كما ذكرت فإنها قد تحققت بصورٍ متعددة قديماً وحديثاً.
والسؤال المهم الذي ينبغي أن نتوجه إليه بقلوبنا وعقولنا هو: ماذا علينا أن نعمل ونحن نتشوق لذلك اليوم الذي يظهر فيه إمامنا ومقتدانا صاحب العصر والزمان ؟
إن من الواجب علينا في هذا الزمان الذي نتطلع فيه لظهوره الشريف عدة أمور:
اولاً – أن نؤمن يقيناً بالظهور الشريف؛ وأنه أمرٌ حتمي، ووعدٌ إلهي، ولطالما أكد ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أحاديثه التي تواترت عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمة الطاهرين . وأن لا يعتري قلوبنا الشك والريب في ذلك مهما طال الأمد، ولو شاءت حكمة الله تعالى أن نرحل عن هذه الدنيا قبل تحقق الوعد الإلهي فليكن ذلك مع عمق إيماننا بمولانا صاحب العصر والزمان ، فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): ” من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية “.
ثانياً – أن نهيء أنفسنا لظهوره المبارك.
إذ ليس صحيحاً أن ننتظر بلاءً من الله تعالى حتى ننتبه، ويأتي من يُذكرنا بالظهور الشريف، لنعيد حسابتنا لبرهة من الزمن، ثم إذا انتهى البلاء ولم يحصل ما كنّا نأمل يعود كلٌّ منا لسابق عهده وأعظم. إن هذا العمل نوع من الاستهزاء بالخالق سبحانه، والله تعالى قادرٌ على أن يهلكنا جميعاً فلا نشهد تلك الدولة المباركة حين يرى منا استهزاء بعظمته تعالى.
إن علينا أن نكون مستعدين لتلك الطلعة البهية، فنصحح ما بيننا وبين خالقنا فلا يفقدنا حيث أمرنا، ولا يجدنا حيث نهانا؛ ونتحمل مسؤولياتنا العائلية، وندافع عن حقوقنا مع احترامنا لحقوق الآخرين وعدم التعدي عليها بأي حالٍ من الأحوال سواءً كانت تلك الحقوق ماديةً أو معنويةً. وبذلك فقط نكون قد هيأنا أنفسنا لاستقبال مولانا صاحب العصر والزمان ، ونكون مستحقين للانتماء لتلك الدولة الكريمة المباركة.
ثالثاً – أن نكثر من الدعاء بتعجيل الفرج، فيكون ذلك وردٌ من أورادنا في كل فريضة، فمن جهة تتعمق صلتنا بالإمام ، ومن جهة نلح على الله تعالى بالدعاء والمسألة بأن يشرح صدورنا بظهوره المبارك.
أيها الأحبة فلنواظب على هذا الدعاء الشريف في كل صباحٍ ومساء عسى أن يكون الفرج قريباً جداً.
﴿اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد؛ اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلِّ ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين﴾.
اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره، وعجّل لنا ظهور، إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً، برحمتك يا أرحم الراحمين.
- 1. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 39، الصفحة: 254.