صعصعة بن صوحان أنموذج
الباحث: سلام مكّيّ الطَّائيّ.
الحمد لله ربّ العالمين وصلَّى الله تعالى على نبيّنا وشفيع ذنوبنا مُحمّد وآله الطَّييبين الطَّاهرين.
أما بعد:
فالحديث عن الصَّحابة الخلَّص الذين التزموا بوصية النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله الذي أكد فيها بالموالاة للإمام عَلِيّ عليه السَّلَام، والبراءة من أعدائه حديث طويل، ولهؤلاء الصحابة مواقف مع الإمام عليه السَّلَام كثيرة، ومن هؤلاء الصحابة صعصعة بن صوحان العبديّ الكوفيّ رحمه الله تعالى.
هو صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس ابن صبرة بن حدرجان بن عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن أقصى بن عبد القيس بن أفصى ابن جديلة بن دعمي بن أسد بن ربيعة بن نزار[1] أبو عمر، ويكنى بأبي طلحة. ولد صعصعة بن صوحان عام 24 قبل الهجرة، وكان مسلماً في عهد النبي صلَّى الله عليه وآله، ولازم الإمام عَلِيّ عليه السَّلَام، وتبعه في حياته إلى استشهاده. وكانت وفاة صعصعة أيّام حكومة معاوية، وله أخوان هما: زيد وسيحان كانا من الموالين لأمير المؤمنين (عليه السلام) وجاهدا معه واستشهدا في معركة الجمل[2].
كان صعصعة بن صوحان يتمتع بثقافة عالية، وهذه الثقافة ناتجة من عدة أسباب، ومنها ملازماً للإمام عَلِيّ عليه السلام، فأخذ عنه (عليه السلام) فنال صعصعة مكانة علمية فذة، فكان شاعراً محترفاً لفن الشعر، وله قصائد في العديد من المناسبات، وقد جاء عن الإمام جَعْفَر بن مُحمَّد الصَّادق عليه السلام: أنَّه عندما استشهد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، قال صعصعة بن صوحان قصيدة يرثيه فيها، فقال:
ألا من ليّ بنشرك يا أخيّا * ومن لي ان أبثك ما أريا.
طوتك خطوب دهر قد تولى * كذاك خطوبه نشرا وطيا.
وكانت في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أوعظ منك حيا[3].
فهنا يتبين للقارئ المتمعن أن صعصعة كان متأثراً جداً لفقده أمير المؤمنين عليه السلام، لأنَّه كان معلمه الأوَّل ومصدراً لثقافته، وواعظاً له وملهمه الأخلاق والمعارف والعلوم الدِّينية، كالفقه والحديث وغيرها من العلوم الأخرى.
وبالإضافة إلى قوله الشعر فيروى أنه كان خطيباً بارعاً وكان يخطب بالناس، ذلك أنَّه كان عميق الفكر، خطيباً شحشحاً بليغاً، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام بحقّه: (هَذَا اَلْخَطِيبُ اَلشَّحْشَحُ[4])[5].
كان صعصعة مسلماً في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله ولكن لم يره وكان من التابعين له، وكذلك كان من كبار الصَّحابة المخلصين الموالين للإمام عليّ عليه السلام، فكان رضوان الله تعالى عليهِ عارفاً به حقاً، وأنَّه فعلاً ينطبق عليه لفظ الصَّحابي المخلص الذي يمتثل لأوامر الرَّسول صلَّى الله عليهِ وآلهِ وأوامر وصيِّه إمام المتقين عَلِيّ بن أبي طالب عليه السلام، فكان صعصعة بن صوحان ملتزماً بوصيَّة النَّبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وآله، ومؤمناً ومعتقداً بإمامة الإمام عَلِيّ بن أبي عليه السلام، وموالياً له ولمواليه، ومخالفاً لمخالفيه ولم يخالفه في حياته وحتى بعد استشهاد الإمام عليه السلام.
عُرف عن صعصعة أنه كان راوياً للحديث النَّبويّ الشريف، فمما رواه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله: (خلقني الله نوراً تحت العرش قبل أن يخلق آدم عليه السَّلَام باثني عشر ألف سنة، فلمَّا أن خلق الله آدم عليه السَّلَام ألقى النور في صلب آدم عليه السَلَام فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتَّى افترقنا في صلب عبد الله بن عبد المطلب وأبي طالب، فخلقني ربي من ذلك النور لكنَّه لا نبيّ بعدي)[6].
فصعصعة يُعد المثال الحيّ لوفاء الصَّحابة للإمام عَلِيّ عليه السَّلَام، واعتقادهم بإمامته والالتزام بتنفيذ أوامر رسول الله صلَّى الله عليه وآله من دون زيغ، وبنية خالصة لله تعالى وحده.
وفي هذا الصحابي كلام كثير ولكن اختصرنا على ما قدمناه وبينَّاه من مادة مختصرة تجعل القارئ الكريم يتعرف عن جزء بسيط من حياة أحد أصحاب الإمام عَلِيّ عليه السلام، وأخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله تعالى على سيِّدنا مُحمَّد وآله الطَّييبين الطَّاهرين.
الهوامش:
[1] ينظر في جمهرة انساب العرب ابن حزم: ص297.
[2] ينظر: الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي الكوفي: 2/887.
[3]روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 137.
[4]الشحشح: أي الماهر الماضي في كلامه. النهاية في غريب الحديث، مجد الدِّين بن الأثير:2/449.
[5]مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي: 3/126.
[6] بحار الأنوار: 15 /7.
المصدر: http://inahj.org