قال الله تعالى:﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ . وقال أيضاً:﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ .
فلماذا قال في المرة الأولى:﴿ … لَجَعَلْنَاهُ … ﴾ بإثبات اللام، ثم قال في المرة الثانية ﴿ … جَعَلْنَاهُ … ﴾ بحذفها؟!..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فربما يكون السبب في ذلك هو: أن الآيات الأولى قد تحدثت عن الحرث، وحصول الزرع، مما يعني أن العناصر التي يتكون منها هذا الزرع قد توفرت.. فيأتي قوله تعالى: ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا … ﴾ 1.. ليقول: إننا لو شئنا لألغينا تلك العناصر، ودمرنا كل نتاجها، وما تحقق منها، أو نشأ عنها..
فإنهم يقولون: إن اللام حرف يدل على ما كان سيقع لأجل وقوع الأول.
فهي تربط بين الحالة الأولى ـ وهي ما كان سيقع ـ وهي جعله حطاماً، من خلال المشيئة المتعلقة بالتدمير للزرع وناتجه، على سبيل العقوبة لهم.. وبين الحالة الثانية، وهي رؤيتهم زرعهم وحرثهم.
فدخلت اللام لتفيد التأكيد على التصميم الإلهي على إحداث هذه العقوبة، وتحويل الزرع وتبديله من حالة إلى حالة، وعلى أن الله لو شاء لألغى السنن الطبيعية وتجاوزها وتصرف بصورة مباشرة في تدمير ما نشأ عنها..
وبما أن هذا الأمر قد يصعب قبوله للوهلة الأولى، لأن الإنسان لا يخضع بسهولة، ولا يقنع بوجود ما يبرر الإقدام على إجراء كهذا.. فقد احتاج إلى التأكيد عليه باللام..
وخلاصة الأمر: هناك حالتان تصل اللام بينهما، وتؤكد على التبادل والانتقال من إحداهما إلى الأخرى.
ولكنه حين تحدث عن الماء، في الآية الثانية، فإنما قصد أن يجعله أجاجاً بنفس إفاضة الخلق عليه، وإيجاده، لا أنه يريد نقل الماء الموجود من حالة إلى حالة.. بأن يزيل العذوبة عنه، ويجعل مكانها الأجاجية..
فلا توجد حاجة إلى التأكيد، لأن الاختيار الإلهي هو الذي يحدد طبيعة المخلوق وحالاته، ومواصفاته. ولا يبقى سوى الإشارة إلى طبيعة الأمر الذي اختاره الله سبحانه..
وربما يقال: إن ثمة إجابة أخرى على السؤال المذكور أعلاه، وهي: أنه في المورد الأول يظن الناس أن لهم الدور الأساس في
الحصول على نتاج الزرع، لأنهم هم الذين يحرثون ويزرعون.. فالتسبيب يكون منهم، والاختيار والتعرف يكون لهم.. فاحتاج إلى التأكيد على التدخل الإلهي لإبطال آثار فعلهم.
وأما في المورد الثاني.. فإن إنزال الماء من السحاب خارج عن دائرة خيارهم واختيارهم.. وهو مرتبط بالله سبحانه، فهو الذي يتصرف فيه وفي حالاته وخصوصياته.. فيكفي تذكيرهم بهذا الأمر المستقر في نفوسهم، ولا تنكره عقولهم، من دون حاجة إلى التأكيد باللام أو بغيرها..
والحمد لله رب العالمين 2.
- 1. القران الكريم: سورة الواقعة (56)، الآية: 65، الصفحة: 536.
- 2. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، « المجموعة الرابعة »، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (195).