الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
أوصى الإمام علي (عليه السلام) ولده الحسن بوصايا كثيرة كان من بينها السؤال عن الرفيق في السفر، والأخرى السؤال عن الدار قبل الجار.
فمن وصيته (عليه السلام) لابنه الإمام الحسن (عليه السلام) قوله: (سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ)[1].
فالوصية تتضمن شقين الأول في السؤال عن الرفيق، وقال (عليه السلام) في موضع آخر عن الصحبة والرفقة: (..إِيَّاكَ ومُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ، فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ)[2].
فأمير المؤمنين (عليه السلام) يوجب السؤال عن الرفيق قبل الطريق، وذلك لأمور عدة منها:
الأول: إن الرفيق الجيد والمؤمن يُعينُك على صلاح نفسك فإن زاغ البصر أو طمع الإنسان بملذات الدنيا كان ذلك الرفيق معينا على حفظ النفس ومجاهدتها ومحاسبتها لكيلا يقع الإنسان في مصائد الشيطان وحبائله.
قال (عليه السلام): (إنما سمي الرفيق رفيقا لأنه يرفقك على صلاح دينك فمن أعانك على صلاح دينك فهو الرفيق الشفيق)[3].
الثاني: الإعانة عند الضيق، ففي السفر قد يتعرض الإنسان الى حوادث كثيرة منها السرقة أو يلاقي بعض قطاع الطرق وغير ذلك من احتياجات كحاجة المال أو قد يمرض المسافر فيكون الرفيق الجيد معينا له في تلك الظروف الصعبة والحرجة.
قال (عليه السلام): (ليس برفيق محمود الطريقة من أحوج صاحبه إلى مماراته)[4].
فالرفيق الصحيح لا يؤذي صاحبه ولا يضعه في مواقف محرجة لأن في الضيق يتبين الرفيق، كما قال (عليه السلام): (في الضيق يتبين حسن مواساة الرفيق)[5].
ويترتب على المسافر أمور عدة أهمها أن يكون مجاملاً مؤنساً صادقاً مع رفقاء دربه ممن يحسن التصرف معهم لا يخالفهم ولا يملهم ويكون دائم الاستشارة معهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمرهم، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريما على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم، واغلبهم بثلاث: طول الصمت، وكثرة الصلاة، وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد. وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك… وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم، واسمع ممن هو أكبر منك سنا… وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس… وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الأرض التي حللت بها، وسلم عليها وعلى أهلها، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة)[6].
وأما الشق الثاني فهو السؤال عن الجار قال الإمام علي (عليه السلام): (سَلْ … وعَنِ اَلْجَارِ قَبْلَ اَلدَّارِ)[7].
أي ابحث عن سعادتك قبل أن تندم وتستعجل في اختيارك لدارك، فليس المهم حجم الدار ولا شهرة المكان وإنما الأهم أن يعيش الإنسان بين الطيبين والأجواء المليئة بالمودة والرحمة.
ومن سعادة المرء أن يكون له جار طيب لأن مثل هذا الجار لا يؤذي جاره وإن وقع في حاجة كان له عون وسند، والعكس من ذلك إذا كان الجار مسيئاً صارت الحياة مملة وصعبة، فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (من القواصم الفواقر التي تقصم الظهر جار السوء، إن رأى حسنة أخفاها وإن رأى سيئة أفشاها)[8].
وهذه هي إحدى مساوئ جار السوء وهو إفشاء السر، والتحدث بما لا يرضي الله، فلو كان للمرء قصراً وجاره سيءٌ قد يمل من هذا القصر ويفضل البيت البسيط الذي توسط الناس الطيبين.
الخلاصة:
لعل السؤال عن الدار أهم من السؤال عن الرفيق والدليل أن الجار رفيق دائم أما رفيق السفر فتكون حقبته محدودة لذا صار السؤال عن الجار أهم.
الهوامش:
[1] – الوصية: 31، ص391، من وصية له ( ع ) للحسن بن علي ( ع ) – كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.
[2] – نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، الكتاب: 69، الى الحارث الهمداني، ص460.
[3] – عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص178.
[4] – عيون الحكم والمواعظ، ص411.
[5] – المصدر نفسه، ص354.
[6] – ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1903.
[7] – الوصية: 31، ص391.
[8] – الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص688.
المصدر: http://inahj.org