قال إبن حَیُّون المغربي: وَ رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ1 جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ صلوات الله عليه أَنَّ نَفَراً أَتَوْهُ مِنَ الْكُوفَةِ مِنْ شِيعَتِهِ يَسْمَعُونَ مِنْهُ وَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ، فَأَقَامُوا بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُمُ الْمُقَامُ، وَ هُمْ يَخْتَلِفُون إِلَيْهِ، وَ يَتَرَدَّدُونَ عَلَيْهِ، وَ يَسْمَعُونَ مِنْهُ، وَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ، فَلَمَّا حَضَرَهُمُ الِانْصِرَافُ وَ وَدَّعُوهُ، قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: أَوْصِنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ؟
فَقَالَ: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَ الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَ اجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ لِمَنِ ائْتَمَنَكُمْ، وَ حُسْنِ الصَّحَابَةِ لِمَنْ صَحِبْتُمُوهُ، وَ أَنْ تَكُونُوا لَنَا دُعَاةً صَامِتِينَ”.
فَقَالُوا: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، وَ كَيْفَ نَدْعُو إِلَيْكُمْ وَ نَحْنُ صُمُوتٌ 2؟
قَالَ: “تَعْمَلُونَ مَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَ تَتَنَاهَوْنَ عَمَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْهُ مِنِ ارْتِكَابِ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَ تُعَامِلُونَ النَّاسَ بِالصِّدْقِ وَ الْعَدْلِ، وَ تُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ، وَ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ لَا يَطَّلِعُ النَّاسُ مِنْكُمْ إِلَّا عَلَى خَيْرٍ، فَإِذَا رَأَوْا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْفُلَانِيَّةُ، رَحِمَ اللَّهُ فُلَاناً، مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ، وَ عَلِمُوا فَضْلَ مَا كَانَ عِنْدَنَا فَسَارَعُوا إِلَيْهِ.
أَشْهَدُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ3 رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رَحْمَتُهُ وَ بَرَكَاتُهُ، لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ أَوْلِيَاؤُنَا وَ شِيعَتُنَا فِيمَا مَضَى خَيْرَ مَنْ كَانُوا فِيهِ، إِنْ كَانَ إِمَامُ مَسْجِدٍ فِي الْحَيِ4كَانَ مِنْهُمْ، وَ إِنْ كَانَ مُؤَذِّنٌ فِي الْقَبِيلَةِ كَانَ مِنْهُمْ، وَ إِنْ كَانَ صَاحِبُ وَدِيعَةٍ كَانَ مِنْهُمْ، وَ إِنْ كَانَ صَاحِبُ أَمَانَةٍ كَانَ مِنْهُمْ، وَ إِنْ كَانَ عَالِمٌ مِنَ النَّاسِ يَقْصِدُونَهُ لِدِينِهِمْ وَ مَصَالِحِ أُمُورِهِمْ كَانَ مِنْهُمْ، فَكُونُوا أَنْتُمْ كَذَلِكَ، حَبِّبُونَا إِلَى النَّاسِ وَ لَا تُبَغِّضُونَا إِلَيْهِمْ”5.
- 1. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) ، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 2. أي صامتون.
- 3. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام) ، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 4. الحي واحد أحياء العرب، و هو دون القبيلة.
- 5. دعائم الإسلام (و ذكر الحلال و الحرام و القضايا و الأحكام): 1 / 56 ، لأبي حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن احمد بن حَیُّون المغربي، المتوفى سنة: 363 هجرية، الطبعة الثانية سنة: 1427 هجرية، مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) قم/إيران.