مَيّز اللهُ الإنسانَ بالعقلِ وعلى ذاك فرض عليه فروضا وأحكمه بتأدية الواجب تجاه الله، وهذه الفروض والطاعات والأعمال لا تُنقص من جوهر عقل الإنسان شيئًا بل أنّها رسمتْ له المسارَ القويم والصِّراط المستقيم لتحقيق هدفه في الحياة فالعبادة هي الخط الصحيح لتقويم الإنسان والنهوض به لرفع شأنه بين الخلق }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ (الذاريات: 56) ومن هذه الأوامر التي أمر الله بها بالنص القرآنيّ وأوحى للتأكيد عليها هي طاعة أهل البيت. والطاعة تأتي مرة على فرض العبودية كطاعة الإنسان لربّه وهي من أجلّ أنواع الخضوع التام وأعظمها، وفي مرة أخرى تكون الطاعة إلتماسية كطاعة الولد لوالده.
ولكن محور الحديث يدور عن أهمّ أنواع الطاعات وهي طاعة الله تعالى والرسول وأولي الأمر من بعده }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ{(النساء:59) وأن الذي لا خلاف فيه أن طاعة أهل البيت هي ذاتها وتدور في المحور نفسه من طاعة الله تعالى وطاعة نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) لأنهم هم المتممين لخط الرسالة المحمّديّة والنبع الصافي الذي يُسقى منه الظمئان للخلاص من عذابات الابتعاد عن الخط الإلهي فهم العترة والثقل من بعد الرسول فقد روى أهل السيرة والتاريخ أنّ المأمون قال: أخبروني عن معنى هذه الآية: }ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا{(فاطر: 32)؟ فقالت العلماء: أراد الله~ بذلك الأُمة كلها، فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا(عليه السلام): لا أقول كما قالوا ولكنّي أقول: أراد الله عزّ وجلّ بذلك العترة الطَّاهرة.
فقال المأمون: فكيف عنى العترة من دون الأُمة؟ فقال الرضا(عليه السلام): إنّه لو أراد الأُمة كلها لكانت أجمعها في الجنّة؛ لقول الله تبارك وتعالى:}فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ{(فاطر:32)، ثمّ جمعهم كلهم في الجنّة فقال:}جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ{ (فاطر:33)، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.
فقال المأمون: مَن العترة الطاهرة؟ فقال الرضا(عليه السلام): الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال~:}إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا{(الأحزاب:33)، وهم الذين قال رسول الله: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، انظروا كيف تخلّفوني فيهما، أيّها الناس، لا تُعلِّموهم فإنّه أعلم منكم).
ومما تقدم لابدّ من الإشارة إلى أن الأمة التي يعلم الله أنها ناسخة لكل الأمم بدينها وكتابها ونبيها لابدّ أن يكون هناك وريث يتم ما أتى به النبي وبلغ لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين والمعروف أنه لابدّ من أن يكون من بعد النبي قائد على كل الأصعدة يستطيع القيام بالواجبات المجعولة في النّبيّ وعلى النّبيّ وهذا الشخص من غير الممكن أن يكون شخصًا اعتياديًا بل لابدّ أن يكون مرتبطا بالملكوت الأعلى وموصولا بالتسديدات الإلهية فقد ميّز الله الطاهرين من خلقه وأمر نبيه بالمباهلة لرد أعداء الدين الحاضرين في وقته وكذلك في مستقبله القريب والبعيد ولرد كيد كل من يدعي أن أهل البيت ليس لهم طاعة فقال تعالى:}فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ{
(آل عمران:61) فكلّ الروايات التي أوردها الجمهور تنص على أنَّ النفس هي علي(عليه السلام) فقد مُثّل بنفس النّبيّ (( صلى الله عليه واله وسلم والنساء هي سيدة نساء العالمين والأبناء هم الحسن والحسن(عليهما السلام) وفي هذه الآية إيضاحٌ وتِبْيَان لمنزلة أمير المؤمنين علي من النبي وهي منزلة الهادي من النذير والأخ من الأخ والوصيّ بعد النبي حيث قال النبي : ياعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وفرض بهذا النص وغيره الطاعة لأهل البيت فرضاً واجباً لا نقاش فيه وأوجب بذلك الإخلاص إليهم ومن الدلالات القرآنيّة على ذلك قال تعالى }قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى{(الشورى: 23) وقال:}وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى{ (البقرة:83) وقال:}إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى{(النحل:90) فالقربى هي مودة أهل البيت والحسنة هي مودة أهل البيت والفرض واضح بالطاعة لهم والرفض لغيرهم فهم السبيل والطريق الوحيد للنجاة والمغفرة والوسيلة للخلاص وتحريم العبد نفسه على النار ولكن هيهات فقد عاند أهل الشقاق والنفاق والحسد وألحدوا في ذلك، فصرفوه عن حدّه الذي حدّه الله فقالوا : القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته فعلى أيّ الحالتين كان فقد علمنا أنّ المودة للقرابة هي، فأقربهم من النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أولاهم بالمودّة وكلّما دَنَتْ القرابة كانت المودّة على قدرها .
حسين علي الشامي