المنهج التفسيري في تفسير الميزان
تفسير الميزان للعلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ من التفاسير المشهورة التي أغنت المكتبة القرآنيّة المعاصرة، وقد اختطّ المؤلّف لنفسه طريقاً جديداً في التفسير، مركّزاً في منهجه على حقيقة أنّ القرآن الكريم هُدىً للعالمين، وأنّه بنيانٌ لكلّ شيء، فكيف يُهتدى إليه بغيره، وكيف يُستنار بسواه ؟! مُنتهياً إلى أنّ المرجع في تفسير القرآن ينبغي أن يكون هو القرآن بذاته، خاصّة وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله الذي أنزل الله عليه القرآن ليعلّمه للناس ويفصّله لهم:
وأنزلنا إليك الذِّكر لتبيّن للناس ما نُزِّل إليهم، ومعه عترته وأهل بيته الذين قرنهم النبيّ صلّى الله عليه وآله بالقرآن، في الحديث المتواتر: « إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيَّ الحوض » قد كانت طريقتهم في التعليم والتفسير هي تفسير القرآن بالقرآن.
وقد وصف أمير المؤمنين عليه السّلام القرآن الكريم بقوله:
« كتاب الله تُبصرن به وتَنطقون به وتَسمعون به، وينطق بعضُه ببعضٍ، ويشهد بعضُه على بعض ».
وينبغي التأكيد على حقيقة مهمّة، وهي أنّ أهل البيت عليهم السّلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، هم وَرَثة الكتاب ومفسّروه بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله.
أمّا مقولة « حَسبُنا كتابُ الله » التي تَفصِل بين القرآن والعترة، فهي مُخالَفَةٌ صريحة لوصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله بضرورة التمسّك بالثقلين: القرآن والعترة، وتجاهُلٌ لما أخبر به الصادق المُصدَّق صلّى الله عليه وآله من أنّ هذين الثقلين لن يفترقا حتّى يَرِدا عليه الحوض، ومحاوَلةٌ لتفسير القرآن بالرأي وهوى النفس، وهو تفسير نهى عنه النبيّ صلّى الله عليه وآله بقوله: مَن فَسَّر القرآنَ برأيه فليتبوّأ مَقعَدَه في النار ، وقوله: مَن فَسَّر القرآنَ برأيه فأصابَ الحقَّ فقد أخطأ.
أهل البيت عليهم السّلام هم معلّمو القرآن
لقد أنزل الله تعالى القرآن هُدىً للعالَمين، وأمر نبيَّه الكريم صلّى الله عليه وآله ببيانه وتفصيله للناس، ووصف هذا القرآنَ بأنّه قرآنٌ كريم… لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرون ، والكلام في سياق تعظيم أمر القرآن، فمَسُّه هو العِلم به دون المسّ الظاهري باليد وحده. وممّا يؤكّد هذا المعنى الآية الأخرى التي تصف القرآن الكريم وإنّه في أُمِّ الكتابِ لَدَينا لَعليٌّ حكيم.
والمُطهَّرون هم الذين طهّر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب، أو ممّا هو أعظم من ذلك، وهو تطهير قلوبهم من التعلّق بغير الله، وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمسّ الذي هو العِلم دون الطهارة من الخَبَث أو الحَدَث.
المطهّرون هم الذين أكرمهم الله بتطهير نفوسهم، وهم أهل البيت عليهم السّلام الذين نزلت في حقّهم آية التطهير إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكُم تطهيراً.
وهذا هو السبب الذي جعل النبيَّ صلّى الله عليه وآله يوصي أمّته بالتمسّك بالثقلين، ويُخبرها بتلازمهما وعدم افتراقهما إلى يوم القيامة.
أهل البيت هم أصحاب الكساء
أورد السيّد الطباطبائي، في تفسير آية التطهير، الأقوالَ التي قيلت في المراد بأهل البيت الذين طهّرهم الله تعالى تطهيراً، واستبعد الأقوال التي تَصرِف المرادَ بأهل البيت إلى نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله، وذكر أنّ سياق آية التطهير والضمائر الواردة فيها لا يتلاءم مع ما جاء قبلها من الآيات التي كانت تتحدّث عن نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله.
فحين تحدّثت الآيات الأُولى مع نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله استخدمت ضمائر المؤنّث، من أمثال: « لَستُنَّ »، « اتَّقَيتُنّ »، « أُمَتّعكنّ »، « أُسَرّحكنّ » « مِنكنّ »، « تَخضَعْنَ »، « تَبَرّجْنَ »، « أَقِمْنَ »، « آتِينَ » و « أطِعْنَ ».
أمّا حين تحدّثت مع أهل البيت عليهم السّلام فقد استخدمت ضمائر المذكّر، مثل: « عنكم »، « يُطهّركم ». وإذا قبلنا ـ فرضاً ـ بأنّ آية التطهير نزلت في شأن نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله، فتهدّدهنّ بالعذاب المضاعف إنْ هن أتَينَ بفاحشةٍ مُبيِّنة: يا نساءَ النبيَّ مَن يأتِ مِنكُنَّ بفاحشةٍ مُبيِّنةٍ يُضاعَفْ لها العذابُ ضِعفَين لا يتناسب مع آية التطهير التي تقول إنّ الله قد أذهَبَ عن أهلِ البيتِ الرجسَ وطهّرهم تطهيراً ؟!
بل إننا نعرف أنّ القرآن الكريم قد دلّل في آياتِ سورةِ الأحزاب على أن الكرامة عند الله سبحانه ليست لزوجة النبيّ صلّى الله عليه وآله من حيث هي زوجة، وإنّما الكرامةُ المقارِنةُ للإحسان والتقوى، ولذلك قال تعالى يا نساءَ النَّبيِّ لَستُنّ كأحدٍ من النساءِ إنِ اتَّقَيتُنّ ، وقد خيّر الله تعالى نبيَّه أن يُطلّق من زوجاته من تختار الدنيا وزينتَها، فقال عزّ من قائل يا أيّها النَّبيُّ قُل لأزواجِكَ إن كُنتنّ تُرِدنَ الحياةَ الدنيا وزينتَها فتعالَينَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جميلاً.
ثمّ أورد السيّد الطباطبائيّ ردوداً عديدة أبطل بها تلك التأويلات بشأن أهل البيت، وبرهن على أنّ الآية نزلت في النبيّ صلّى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحَسَنين عليهم السّلام خاصّة، لا يشاركهم فيها غيرهم .
وختم الطباطبائي بحثه بإيراد طائفة من الروايات، يربو ما ورد منها عن طرق أهل السنّة على ما ورد منها عن طرق الشيعة، فقد روى أهل نزول التطهير في أهل البيت بطرق كثيرة عن: أُمّ سَلَمة وعائشة وأبي سعيد الخُدريّ وسعد بن أبي وقّاص وواثلة بن الأسقَع وأبي الحمراء وابن عبّاس وثَوبان مولى النبيّ صلّى الله عليه وآله وعبدالله بن جعفر وعليّ والحسن بن عليّ عليهما السّلام؛ ورواها الشيعة عن الأئمّة عليّ والسجّاد والباقر والصادق والرضا عليهم السّلام وأُمّ سَلَمة وأبي ذر وأبي ليلى وأبي الأسوَد الدؤليّ وعمرو بن ميمون الأوديّ وسعد بن أبي وقّاص .
ومن تلك الروايات ما أخرجه الترمذي ـ وصحّحه ـ وابن جرير وابن المنذر والحاكم ـ وصحّحه ـ وابن مَردَوَيه والبَيهقيّ في سُنَنه من طرق عن أمّ سَلَمة قالت: في بيتي نزلت إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذِهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيت ، وفي البيتِ: فاطمةُ وعليٌّ والحسنُ والحسين، فجلّلهم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بكساءٍ كان عليه، ثمّ قال: هؤلاء هم أهلُ بيتي، فأذهِب عنهم الرِّجسَ وطَهِّرهُم تطهيراً .
أهل البيت عليهم السّلام هم أهل الذِّكر
تحدّث السيّد الطباطبائي في تفسير الآية القرآنيّة الكريمة فاسْأَلوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنتُم لا تَعلَمون ، فبيّن أنّ « الذِّكر » هو حِفظُ معنى الشيء أو استحضارُه. وقد سُمّي القرآن ذِكراً لأنّ فيه ذكرَ الله تعالى، ولأنّ ألفاظه تفيد إلقاءَ ذِكر الله عزّوجلّ في الذهن.
ولمّا كان أهل الشيء وخاصّته أعرَفَ بحاله وأبصَرَ بأخباره، كان على من يُريد التبصّرَ في أمره أن يَرجِعَ إلى أهله. والآية ـ عموماً ـ إرشاد إلى أصل عامّ عقلائيّ، هو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة .
ثمّ أورد السيّد الطباطبائي بحثاً روائيّاً روى فيه عن الكافي، عن عبدالرحمان بن كثير، قال: قلتُ لأبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام: فاسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كنتم لا تَعلَمون ، قال: الذِّكر محمّد، ونحن أهلُه المسؤولون ـ الحديث. ثمّ علّق على الحديث بأنّ فيه إشارة إلى قوله تعالى في سورة الطلاق: قد أنَزَلَ اللهُ عليكم ذِكراً * رسولاً…
وروى عن البَرقي بإسناده عن عبدالكريم بن أبي الدَّيلم، عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال: قال جلّ ذِكرُه: فاسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنتُم لا تَعلَمون ، قال: الكتابُ الذِّكر، وأهلُه آلُ محمّد عليهم السّلام، أمَرَ اللهُ عزّوجلّ بسؤالهم، ولم يأمر بسؤالِ الجُهّال؛ وسمّى الله عزّوجلّ القرآن، ذِكراً، فقال تبارك وتعالى: وأنزَلنا إليكَ الذِّكرَ لِتُبيّنَ للناسِ ما نُزِّلَ إليهم ولَعلّهم يَتَفكّرون ، وقال تعالى: وإنّه لَذِكرٌ لكَ ولِقَومِكَ وسوفَ تُسألون .
ثمّ روى عن تفسير العَيّاشي، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام، قال: قلتُ له: إنّ مَن عندنا يَزعمونَ أنّ قولَ الله تعالى فأسْألوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنتم لا تَعلمون أنّهم اليهودُ والنصارى! فقال: إذاً يَدْعُوَنكُم إلى دِينِهم!
قال: ثمّ قال [ وأومأ ] بيده إلى صدره: نحنُ أهلُ الذِّكر ونحنُ المسؤولون. قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: الذِّكرُ القرآن.
وروي نظيرُ هذا البيان عن الإمام الرضا عليه السّلام في مجلس المأمون.
ثمّ قال السيّد الطباطبائي: إنّ المراد بالذِّكر إن كان هو النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ كما في آية سورة الطلاق ـ فهم ( أي أهل البيت ) أهلُ الذِّكر. وإن كان ( المقصود ) هو القرآن ـ كما في آية سورة الزخرف ـ فهو ذِكر للنبيّ صلّى الله عليه وآله ولقومه، وهم ( أي أهل البيت ) قومُه أو المتيقَّن من قومه، فهم أهلُه وخاصّتُه، وهم المسؤولون، وقد قَرَنَهم صلّى الله عليه وآله بالقرآن، وأمر الناسَ بالتمسّك بهما في حديث الثقلَين المتواتر قائلاً: إنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيَّ الحوض .
سورة الإنسان وآيات الإيثار
سورة الإنسان ـ التي تُسمّى أيضاً سورة الدهر وسورة هل أتى ـ من السور الواردة في شأن أهل البيت عليهم السّلام، وهو أمر تسالَمَ عليه علماءُ المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
وقد شكّك بعضُ النواصب من أعداء أهل البيت عليهم السّلام في شأن نزول هذه السورة المباركة، بحجّة أنّ السورة مكّيّة، وقالوا: كيف يصحّ أن تنزل في عليّ وفاطمة وابنَيهما، مع أنّ عليّاً عليه السّلام إنّما تزوّج من فاطمة ووُلد له الحسنان في المدينة ؟!
وقد أجاب السيّد الطباطبائي على هذا التشكيك بدليلٍ ساطع لا يعترضه شكّ، وهذا الدليل مُنتَزَع من نفس آياتِ سورةِ الإنسان المباركة؛ فقد ذَكرَ أنّ سياق آيات السورة، وخاصّة قوله يُوفُونَ بالنَّذر ، ويُطعِمونَ الطَّعام .. إلخ سياقُ قصّةٍ واقعة، وذِكرُ الأسير فيمن أطعموهم نِعمَ الشاهدُ على نزول الآياتِ بالمدينة، إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكّة، وإنّ الأسر إنّما كان بعد هجرة النبيّ صلّى الله وعليه وآله وظهور الإسلام على الكفر والشرك لا قبلها.
ثمّ ذكر السيّد الطباطبائي أنّه يجب الانتباه إلى أنّ سياق هذه الآيات سياق الاقتصاص؛ فهي تذكر قوماً من المؤمنين تُسمّيهم الأبرارَ وتكشف عن بعض أعمالهم، وهو الإيفاء بالنَّذر وإطعام مسكين ويتيم وأسير، وتمدحهم وتَعِدُهم الوعدَ الجميل، فما تُشير إليه من القصّة هو سبب النزول. وليس سياق الآيات سياق فَرضِ موضوعٍ وذِكر آثاره الجميلة، ثمّ الوعد الجميل عليها .
ثمّ نقل عن تفسير الكشّاف، عن ابن عبّاس: أنّ الحسن والحسين مَرِضا، فعادَهُما رسولُ الله صلّى الله عليه وآله في ناسٍ معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نَذَرتَ على ولَدَيك! فنذر عليٌّ وفاطمة وفضّةٌ ـ جارية لهما ـ إن بَرئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشَفَيا وما معهم شيء. فاستقرض عليٌّ من شمعون الخَيبريّ اليهوديّ ثلاثَ أصوُعٍ من شعير، فطَحنت فاطمةُ صاعاً واختبزت خمسةَ أقراصٍ على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليُفطِروا، فوقف عليهم سائلٌ فقال: السلام عليكم أهلَ بيتِ محمّد، مسكينٌ من مساكينِ المسلمين.. أطعِموني أطعَمَكُم اللهُ من موائدِ الجنّة! فآثَروه وباتُوا لم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا صياماً.
فلمّا أمسَوا وَضَعوا الطعامَ بين أيديهم، ووقف عليهم يتيم، فآثَروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
فلمّا أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفِراخِ من شدّة الجوع، قال: ما أشَدَّ ما يَسُوءني ما أرى بكم! فانطَلَق معهم، فرأى فاطمةَ في محرابها قد التصق بطنُها بظهرها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبريلُ وقال: خُذها يا محمّد، هنّاك اللهُ في أهلِ بيتك؛ فأقْرَأه السورة.
ونقل السيّد الطباطبائي عن الآلوسيّ في تفسيره « روح المعاني » أنّه قال: ومن اللطائف على القول بنزول السورة فيهم ـ يعني في أهل البيت عليهم السّلام ـ أنّه سبحانه لم يذكر فيها الحُورَ العِينَ، وإنّما صرَّح عزّوجلّ بِوِلدانٍ مُخلَّدين، رعايةً لحُرمةِ البتول، وقُرّةِ عينِ الرسول.
في محراب المودّة
تحدّث السيّد الطباطبائي في تفسير الآية الكريمة قُلْ لا أسألُكُم علَيه أجراً إلاّ المَودَّةَ في القُربى ، فذكر أنّ الأمر الذي نَفَته الآية هو الأجرُ على تبليغ الرسالة والدعوة الدينيّة، وقد حكى الله تعالى ذلك عن عدّة من الرسل ممّن سبق نبيَّنا عليه وآله وعليهم السّلام، كنوحٍ وهودٍ وصالح ولوط وشُعيب، ومن ذلك قوله تعالى وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجريَ إلاّ على ربِّ العالَمين.
وقد أمر الله تبارك وتعالى نبيَّه أن يخاطب الناسَ بذلك بتعبيرات مختلفة، حيث قال: قُلْ ما أسألُكُم عليه مِن أجر ، وقال: قُل ما سَألتُكُم من أجرٍ فهو لكم إن أجريَ إلاّ علَى الله ، وقال: قل لا أسألكم عليه أجراً إنْ هو إلاّ ذِكرى للعالَمين، وقال: قُل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلاّ مَن شاءَ أن يتّخذَ إلى ربِّه سبيلاً ، ومعناه: إلاّ أن يشاء أحدٌ منكم أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً، أي يستجيب إلى دعوتي باختياره، فهو أجري. وقال تعالى في هذه السورة: قُل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى ، فجعل أجر رسالته المودّة في القُربى.
والمراد بالمودّة في القُربى: مودّة قرابة النبيّ صلّى الله عليه وآله، وهم عِترتُه من أهلِ بيته عليهم السّلام. وقد وردت به روايات من طرق أهل السنّة، وتكاثرت الأخبار من طرق الشيعة على تفسير الآية بمودّتهم وموالاتهم. وتؤيّده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب مُوالاةِ أهلِ البيت عليهم السّلام ومحبّتهم.
ثمّ إنّ التأمّل الكافي في الروايات المتواترة الواردة من طرق الفريقين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، المتضمّنة لإرجاع الناس إلى أهل البيت عليهم السّلام في فهم كتاب الله بما فيه من أُصول معارف الدين وفروعها وبيان حقائقه: كحديث الثقلَين ، وحديث السفينة ، وغيرهما لا يَدَع رَيباً في أنّ إيجاب مودّتهم وجَعْلها أجراً للرسالة إنّما كان ذريعةً إلى إرجاع الناس إليهم فيما كان لهم من المرجعيّة العلميّة.
ويكون معنى الآية: إنّني لا أسألكم عليه أجراً، إلاّ أنّ الله لمّا أوجب عليكم مودّة عامّة المؤمنين ـ ومن جملتهم قرابتي ـ فإنّي أحتَسب مودّتكم لقرابتي وأعُدُّها أجراً لرسالتي. وبذلك يظهر عدم التناقض بين هذه الآية والآيات التي تنفي سؤال الأجر.
ثمّ أورد السيّد الطباطبائي بحثاً روائيّاً، روى فيه عن الطبرسي في مجمع البيان، عن الإمام عليّ عليه السّلام، قال: فينا ـ في آل حمَ ـ آية، لا يحفظ مودّتنا إلاّ كلّ مؤمن؛ ثمّ قرأ: ” قُل لا أسالُكُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القربى . وعن الإمام الحسن بن عليّ عليهما السّلام أنّه خَطَب الناسَ بعد شهادة أمير المؤمنين بن عليّ عليهما السّلام، فقال: أنا من أهلِ البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم فقال: قُل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى.
وروى أحمد في مسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزل قُل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ، قالوا: يا رسول الله، مَن قرابَتُك الذين وَجَبَت علينا مودّتُهم ؟ قال: عليٌّ وفاطمة وابناهما.
وقد أشار الشاعر الكُمَيت إلى هذه الآية في شعره فقال:
وَجَدنا لكم فـي آلِ حـم آيةً تـأوَّلَـها منّا تقيٌّ ومعربُ
کلمات مفتاحیة: أهل البيت / تفسير الميزان
المصدر: http://arabic.al-shia.org