نص الشبهة:
لماذا لم يُصل علي بن أبي طالب ـ « رضي الله عنه » ـ بالناس صلاة واحدة في أيام مرض النبي (ص) الذي مات فيه ، مادام هو الإمام من بعده ـ كما تزعمون ـ ؟! فالإمامة الصغرى دليل على الإمامة الكُبْرى . . ؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
أولاً : إن هذا الذي أشار إليه السائل ـ وهو صلاة أبي بكر في مرض وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ـ لا يفيده في شيء ، وفي كتاب : (الصحيح من سيرة النبي الأعظم « صلى الله عليه وآله ») ج 32 بحث واف لهذا الموضوع ، وهو على خلاف ما يرمي إليه أتباع أبي بكر أوضح دلالة ، وأشد وضوحاً . .
كما أنه قد أشير إلى شيء من ذلك في كتاب : (الصحيح من سيرة الإمام علي « عليه السلام ») ج 8 ص 370 فما بعدها فراجع .
ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي :
- إنه يكفي لإمامة الصلاة بالإضافة إلى البلوغ والعقل ، والإسلام ، وأن يحسن القراءة في الصلاة . .
- إن الشيعة ، وإن كانوا يشترطون العدالة في إمام الجماعة ، التي معناها الاستقامة على جادة الشرع ولكن أتباع الخلفاء لا يشترطون فيه لا تقوى ولا عدالة ، استناداً إلى ما نسب في كتبهم إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، من أنه قال : « صلوا خلف كل بر وفاجر » 1 . ولكنهم يشترطون العدالة والتقوى في الخليفة والإمام ، فنص به لإمامة الجماعة ـ لو صح ـ لا يدلُّ على وجود صفة العدالة فيه .
- ولا يشترط في إمام الجماعة العلم ، فتصح خلف العالم والجاهل ، والأمي والمتعلم ، والعلم شرط في الولي والحاكم .
- لا يشترطون في إمام الجماعة بيعة ، وهي شرط في إمام الأمة عند أتباع الخلفاء .
- لا يشترط وصاية ونص من السابق على اللاحق ، وهذا شرط عند الشيعة ، كما أنكم صححتم خلافة عمر بوصاية أبي بكر له . .
- لا يشترط في إمام الجماعة اختيار أهل الحل والعقد له ، وهذا شرط عند أتباع الخلفاء . .
- لا يحتاج إمام الجماعة إلى الشجاعة والتدبير ، والقدرة على قيادة الجيوش ، والقدرة على القضاء بين الناس ، وعلى تعليم الناس الكتاب والحكمة ، وهي شرط في الإمام والخليفة عند الشيعة .
- لا يشترط في إمام الجماعة نص من الله ورسوله . وهذا عند الشيعة شرط في الإمام والخليفة ، فتحصل أن صلاة الجماعة لا تجدي في إثبات شيء ، لا على مذهب أهل السنة ولا على مذهب الشيعة .
ثانياً : لم يثبت أن النبي « صلى الله عليه وآله » قد أمر أبا بكر بالصلاة 2 ، بل ثبت أنه عزله ، وصلى بدله . ولو كان « صلى الله عليه وآله » هو الذي نص به لما عزله ، وحتى لو لم يثبت ذلك ، فإن احتمال حصوله يسقط الاستدلال به عن الصلاحية .
ثالثاً : حتى لو كان « صلى الله عليه وآله » قد أمره بالصلاة ، فإن ما قاله عمر عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد أسقط كلامه « صلى الله عليه وآله » عن الاعتبار ، فإن الذي يهجر ويهذي بسبب الوجع ، أو بدون سبب 3 ، لا تصلح أوامره ونواهيه للدلالة على شيء . .
رابعاً : إن علياً « عليه السلام » قد ولى أبا الأسود الصلاة في البصرة ، وولى ابن عباس ماعدا ذلك . . فلو كانت الإمامة الصغرى دليلاً على الكبرى لم يصح نصب ابن عباس معه . .
خامساً : إن النبي « صلى الله عليه وآله » قد لعن من تخلف عن جيش أسامة 4 ، فكيف يأمر أبا بكر بأن يصلي بالناس مع أنه قد أمره وأمرهم معه بالإلتحاق بجيش أسامة 5 ، وقد عصوا أمره ؟!
سادساً : إن أبا بكر قد عزل مرتين : مرة عن الصلاة بالناس ، ومرة أخرى عن أمر مرتبط بإمامة المسلمين ، وذلك حين تبليغ سورة براءة .
وهذا يدلُّ على عدم صلاحيته لكلا الأمرين . . بنص من رسول الله « صلى الله عليه وآله » . .
سابعاً : إذا كانت بيعة يوم الغدير التي هي صريحة وواضحة وبينة في هذا الأمر لم تكف لإقناع الذين استولوا على الأمر بتسليم الأمر لصاحبه بالرغم من بيعتهم له ، فهل تكفي لذلك صلاة علي « عليه السلام » بالناس في مرض رسول الله « صلى الله عليه وآله » حتى لو كان رسول الله « صلى الله عليه وآله » أمر بذلك ؟!
ثامناً : قال ابن تميمة : « ليس كل من يصلح للإستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يستخلف بعد الموت ، فإن النبي « صلى الله عليه وآله » استخلف في حياته غير واحد ، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته ، كما استعمل ابن أم مكتوم الأعمى في حياته ، وهو لا يصلح للخلافة بعد موته » 6 .
وذلك يبطل ما ذكره الأيجي والرازي ، من أن الإمامة الصغرى دليل على الامامة الكبرى 7 ، وهذا هو المرتكز للسؤال هنا .
تاسعاً : وأخيراً . . إن النبي « صلى الله عليه وآله » قد استخلف علياً « عليه السلام » على المدينة في غزوة تبوك ، وهذا أمارة دنيوية . . ثم قال له مشيراً إلى أنه خليفته ووزيره في حياته وبعد موته : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » ، فلماذا لا يكفي هذا التصريح العملي والقول من رسول الله « صلى الله عليه وآله » ببقاء خلافة علي ووزارته له إلى ما بعد موته على أنه هو الإمام والخليفة ، ويستدلُّ بأمر مشبوه وغير صحيح على خلافة أبي بكر ؟!
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . 8 .
- 1. راجع : سنن أبي داود كتاب الصلاة : الباب 63 وجامع الخلاف والوفاق ص 84 وفتح العزيز للرافعي ج 4 ص 331 والمجموع للنووي ج 5 ص 268 ومغني المحتاج للشربيني ج 3 ص 75 والمبسوط السرخسي ج 1 ص 40 وتحفة الفقهاء للسمرقندي ج 1 ص 229 وبدائع الصنائع ج 1 ص 156 والجوهر النقي للمارديني ج 4 ص 19 والبحر الرائق لابن نجيم المصري ج 1 ص 610 وتلخيص الحبير ج 4 ص 331 ونيل الأوطار ج 1 ص 429 وشرح أصول الكافي ج 5 ص 254 والمسترشد للطبري ، والإفصاح للشيخ المفيد ص 202 والمسائل العكبرية للشيخ المفيد ص 54 والطرائف لابن طاووس ص 232 وعوالي اللآلي ج 1 ص 37 والسنن الكبرى للبيهقي ج 4 ص 19 وعمدة القاري للعيني ج 11 ص 48 وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 145 وسنن الدارقطني ج 2 ص 44 وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج 1 ص 256 و 257 ونصب الراية ج 2 ص 33 و 34 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج 1 ص 168 والجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 97 وكنز العمال ج 6 ص 54 وكشف الخفاء للعجلوني ج 2 ص 29 و 32 وشرح السير الكبير للسرخسي ج 1 ص 156 .
- 2. راجع : شرح نهج البلاغة ج 9 ص 196 ـ 198 وكتاب الأربعين للشيرازي ص 619 وغير ذلك .
- 3. صرح بأن عمر قال : « إن النبي يهجر » في : شرح الشفاء للخفاجي ج 4 ص 278 وبحار الأنوار ج 22 ص 468 ولا بأس بمراجعة جميع الهوامش في مكاتيب الرسول ج 3 ص 693 ـ 702 وراجع فيما تقدم : سبل الهدى والرشاد ج 12 ص 248 عن أبي يعلى بسند صحيح ، عن جابر ، وعن ابن عباس كذلك .
وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج 2 ق2 ص 37 وراجع : مكاتيب الرسول ج 3 ص 693 و 694 و 696 في هامشه عن : البخاري ج 1 ص 39 وج 6 ص 11 وج 7 ص 156 وج 9 ص 137 وفتح الباري ج 1 ص 185 وج 8 ص 100 و 101 وج 13 ص 289 وعمدة القاري ج 2 ص 170 وج 25 ص 76 والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ق2 ص 37 وابن سبأ ص 79 وصحيح مسلم ج 3 ص 1259 ومناقب آل أبي طالب (ط قم المقدسة) ج 1 ص 235 عن ابن بطة ، والطبري ، ومسلم ، والبخاري ، قال : واللفظ للبخاري : ولم يسم الراوي عن ابن عباس . وبحار الأنوار ج 22 ص 468 وج 30 ص 531 و 533 و 535 عن إعلام الورى ، والإرشاد للمفيد ، وص 472 عن مناقب آل أبي طالب ، وج 36 ص 277 عن الغيبة للنعماني ص 38 و 39 عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم ، عن علي « عليه السلام » ، والمصنف للصنعاني ج 5 ص 438 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج 2 ص 849 والسيرة الحلبية ج 3 ص 382 والإرشاد للمفيد ص 87 ومسند أحمد ج 1 ص 324 و 336 والشفاء للقاضي عياض ج 2 ص 431 والدرر لابن عبد البر ص 125 و 204 وكشف المحجة ص 64 والبداية والنهاية ج 5 ص 227 و 251 والفائق للزمخشري ج 4 ص 93 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 241 و 243 والأدب المفرد ص 47 وشرح الخفاجي للشفاء ج 4 ص 277 وشرح القاري (بهامشه) ص 277 والطرائف ص 432 عن الجمع بين الصحيحين وغيره ، وغاية المرام ص 596 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 2 ص 54 عن الشيخين ، وكذا ص 55 وج 6 ص 51 عن الجوهري .
أضاف العلامة الأحمدي في مكاتيب الرسول : « لن تضلوا » كما في البخاري ج 9 ص 137 والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ق2 ص 37 ومسند أحمد ج 1 ص 324 و 336 والطرائف.
وفي البخاري ج 7 ص 156 فقال عمر : « إن النبي « صلى الله عليه وآله » . . » وكذا ج 9 ص 137 .
والطبقات ، ومسلم ، وابن شهرآشوب ، وعبد الرزاق ج 5 ص 438 ومسند أحمد ج 1 ص 324 والشفاء ج 2 ص 431 : « إن النبي قد اشتد به الوجع » .
والطرائف ص 431 و 432 وفي شرح الخفاجي ج 4 ص 278 : « وفي بعض طرقه ، فقال عمر : إن النبي « صلى الله عليه وآله » يهجر » .
وفي بحار الأنوار ج 22 ص 468 : فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفاً ، فقال عمر : « ارجع ، فإنه يهجر » و ص 498 عن سليم : « فقال رجل منهم : إن رسول الله « صلى الله عليه وآله » يهجر » كما في الإرشاد أيضاً .
وفي شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 6 ص 51 : « فقال عمر كلمة معناها : إن الوجع قد غلب على رسول الله « صلى الله عليه وآله » . . »
وفي العبر وديوان المبتدأ والخبر : « وقال بعضهم : إنه يهجر ، وقال بعضهم : « أهجر » ؟ مستفهماً .
وقال الحلبي : فقال بعضهم . . أي وهو سيدنا عمر : إن رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد غلبه الوجع » .
وفي بحار الأنوار ج 36 ص 277 عن علي « عليه السلام » : أنه قال لطلحة : « أليس قد شهدت رسول الله « صلى الله عليه وآله » حين دعا بالكنف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال : « إن رسول الله يهجر » ، فغضب رسول الله « صلى الله عليه وآله » وتركها ؟!
وفي الطرائف : وفي رواية ابن عمر من غير كتاب الحميدي قال عمر : « إن الرجل ليهجر » .
وفي كتاب الحميدي قالوا : « ما شأنه هجر » ؟! - 4. راجع : الملل والنحل (ط دار المعرفة) ج 1 ص 23 و (بهامش الفصل لابن حزم) ج 1 ص 20 و (ط سنة 1410هـ) ج 1 ص 30 والسقيفة وفدك للجوهري ص 76 و 77 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 6 ص 52 عنه ، والمواقف للإيجي (ط دار الجيل سنة 1417هـ) ج 3 ص 650 وشرح المواقف للقاضي الجرجاني (مطبعة السعادة ـ مصر سنة 1325هـ) ج 8 ص 376 وراجع : المعيار والموازنة (هامش) ص 210 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي لابن الدمشقي ج 2 (هامش) ص 172 عن الشريف الجرجاني في أواخر شرحه على كتاب المواقف للإيجي (ط إسلامبول) ص 619 و (ط الهند) ص 746 و (ط مصر) ص 376 وشواهد التنزيل للحسكاني ج 1 (هامش) ص 338 .
- 5. راجع : السيرة الحلبية ج 3 ص 208 والمسترشد للطبري ص 116 ودلائل الصدق ج 3 ق1 ص 4 عن ابن روزبهان . وعن البداية والنهاية ج 5 ص 242 والسيرة النبوية لابن كثير ج 4 ص 441 وسبل الهدى والرشاد ج 6 ص 250 ومستدرك سفينة البحار ج 5 ص 37 وكتاب للشافعي ج 1 ص 99 وفقه السنة ج 1 ص 259 وإختلاف الحديث ص 497 وكتاب المستدرك للشافعي ص 29 و 160 وعن مسند أحمد ج 1 ص 209 وج 6 ص 249 وعن صحيح البخاري ج 1 ص 166 و 175 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 389 وسنن النسائي ج 2 ص 84 والسنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 304 وج 3 ص 82 وعن فتح الباري ج 1 ص 464 وج 5 ص 269 ومسند ابن راهويه ج 3 ص 831 والمعجم الأوسط ج 5 ص 180 وج 6 ص 253 وسنن الدارقطني ج 1 ص 382 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 10 ص 184 وج 13 ص 33 وكنز العمال ج 8 ص 311 والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 215 و 221 والثقات ج 2 ص 131 والكامل ج 6 ص 133 وتاريخ بغداد ج 3 ص 443 وتاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 439 .
- 6. منهاج السنة ج 4 ص 91 .
- 7. المواقف للإيجي ج 3 ص 609 والأربعين في أصول الدين للرازي ج 2 ص 92 .
- 8. ميزان الحق (شبهات . . و ردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، سنة 1431 هـ ـ 2010 م ، الجزء الأول ، السؤال رقم (25) .