عالية المقام في وقارها ، عظيمة بحيائها وعفتها كأمها الزهراء،بليغة فصيحة كأبيها المرتضى وفي حلمها وصبرها كأخيها الحسن ، وفي شجاعتها ورباطة جأشها كأخيها الحسين .. هذه هي زهو الحكمة ونبع المحبة والأمان ، يراع الثورة الحسينية زينب بنت علي المرتضى عليها وآل البيت افضل الصلاة والسلام .
اقتضت قدرة الجليل الاعلى ﺃﻥ ﺗﻠﺘﺤﻖ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺯﻳﻨﺐ ” ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻼﻡ ” ﺑﺮﻛﺐ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﻭﺇﻣﺎﻡ ﺯﻣﺎﻧﻬﺎ ابي عبد الله ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ” ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ” ﻟﺘﺴﺘﻜﻤﻞ ﻣﺴﻴﺮﺓ ثورته ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﻴﺔ ﺑخروجه لكربلاء ، فأتى خروجها لكربلاء بقرار ﺇﻟﻬﻲ ﺃﺭﺍﺩ ﻓﻴﻪ جل شأنه ان تكون ﺷﺎﻫﺪﺓ حاضرة في ازمة جديدة مكملة بل وتفوق ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﻳﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻬﺎ ﺍﻟﺰﻫﺮﺍﺀ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ رسول الله صلى الله عليه وآله ،وﻣﺤﻨﺔ ﺃﺑﻴﻬﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴن وﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﺻﻠﺢ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺴﻦ مع الطغاة لتكتمل معاناتها التراكمية ، مؤهلة اياها ﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩﻩ ، بوعي سياسي مصقول بفكر رسالي واضح وعقيدة فذة فضحت ﻣﺆﺍﻣﺮﺓ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ﻳﺰﻳﺪ وقلبت ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻟﺔ ضده ﻟﺼﺎﻟﺢ ابي عبد الله الحسين ونشر اهداف ﻧﻬﻀته ﻭﺃﺳﺒﺎﺏ هذه الحركة الثورية،ﻋﺒﺮ ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وتصريحاتها ﺑﺒﻼﻏﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻣﻨﻄﻘﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ مقيمة لصروح العدل الالهي مشيدة لمعالم الحق و ابراز قيم الاسلام و مبادئه على حقيقتها المنزلة من الله جل جلاله .
بصمة حسينية عقائدية اخرى تحملها هذه اللوحة عزز فيها الفنان حسن روح الامين مخيلتنا بصورة اخرى من بطولات سيدة الصبر والفداء زينب بنت علي ” عليهما السلام “، وكعادته قدم روح الامين هذا العمل الفني برؤيا جديدة جسد فيها لحظة مرور قافلة السبايا ونزول العقيلة زينب في ارض معركة الطف بالقرب من الاجساد الطاهرة والنبال والرماح مغروسة في الارض ، واجساد الشهداء تملأ الارض متوسدة الرمال تحت اشعة الشمس المحرقة، وقد نفذت اللوحة بتقنية الزيت على قماش الكانفاس الابيض واتت على غير عادته باستطالة شكلية مميزة شغلت اغلب مساحة اللوحة طوليا .
يتجه المشهد تدريجياً باتجاه عمق اللوحة انطلاقا من شخص السيدة زينب عليها السلام كمركز ثقل اساسي للوحة ليتشكل منها عمقا منظوريا مميزا ينتهي بالتقاء الافق بالفضاء بلونه الاصفر المضئ الذي استخدمه الفنان بذكاء لتخفيف حدة كثافة الكتل المتقاربة الهيئة في محاولة لإظهار طابع السكونية والإيقاع الحزين في شخوص اللوحة المتقدمة واجواءها .
عمد حسن الى توسيع المساحة المكانية ” طوليا ” والاقتراب من تجريد بعض أشكالها من روحيتها عبر تشويش ملامحها المميزة لها كما في خلفية اللوحة من جمال وجنود غائري الملامح والهيئات، وقد تم تنظيم معطيات المكان من خلال البنية اللونية المميزة في اللوحة كي يوحي لها عبر تدرجات اللون الأصفرالطاغي بكيانه الضوئي على باقي الالوان كالبني والاخضر والابيض وحتى الاحمر في بعض مواطنها ،اما اللون الاسود فقد استخدمه الفنان بحذر شديد في تشكيل الكتل النسائية في وسط اللوحة المجسدة للسيدة زينب عليها السلام ومن معها .
أن الإزاحة الكتلية للاشكال وتخفيف كثافتها باتجاه عمق اللوحة من مركزها ، شكلت نقطة البدء للفصل بين الظالم والمظلوم والتي شكلت فحوى الرسمة وفكرتها الاساسية فمن خلال تتبع أحداث الواقعة فنيا داخل العمل ، نجد اننا امام تتبعا لأحداث واقعية كانت قد حدثت في اليوم الحادي عشر من شهر محرم 61هـ، ، بتمازج جمالي تعبيري نقلنا الرسام من خلاله إلى كتلة زمنية ومكانية شكلت امتدادا تكليفيا يبدأ من رسول الله محمد صلى الله عليه واله منتقلا ليصل الى سيدة الصبر عليها السلام بعد مقتل الحسين ، الا وهو ثورة الحسين وتثبيت اهداف رسالة جده رسول الله صلى الله عليه واله .
وقد شكلت الكتل المكونة للمنجز الفني وفقا لواقعيتها ومخيلة الفنان الواسعة في تصور ألم الحدث عند نزول السيدة زينب وقلبها يقطر دما من هول ما حصل للحسين واصحابه ، حيث شكلت كتل الاجساد المسجاة على الارض وباقي الاشكال الاخرى المكونة للوحة بضربات لونية غامقة وفاتحة بهيئة ضبابية تشوب بعضها متداخلة مابين مشتقات الوان البني والاصفر لإظهار مشهد الرمال وغبرة الاجواء من حولهم ، اضافة للكتل اللونية السوداء التي اتت أشارة للنساء وبعض اجزاء الرماح مع وضع كتلة لونية صفراء مضيئة في أعلى البصر لتكون شكل السماء الحزينة ، مع ملاحظة توزيع الكتل السوداء بشكل متباعد خدمة للمضمون وابتعادا عن المبالغة في تصوير اشكال اللوحة وعناصرها .
استطاع حسن في هذا المنجز المميز ان يحاكي الشعور واللاشعور في نفس وعقل المشاهد المتأمل فضلا عن تحقيق التوازن بين ذاتية الفنان وموضوع اللوحة ، انطلاقا من محاولاته الجادة والمتكررة في لوحاته الحسينية الهوية لترسيخ قيم عقيدة ال البيت وحبهم ونشرها بين الناس، فمن المعروف أن كل ما يحمله الموروث الشيعي من عادات وتقاليد تخص احداث عاشوراء الحزينة لا يمكن تغيرها أو تبدلها وان تعاقبت الاجيال ، كونه موروث روحي ديني ينتقل عبر الأجيال محاكيا الشعور واللاشعور، وكل محاولات التطوير التي قد تطرأ عليها تبقى ضمن النكهة الحسينية الخالصة، لأن أسس قيامها ترسيخ مبادئ العقيدة الاسلامية ونشر فكراهل بيت النبوة الاطهاروالتعريف بهم ، وهذا ما ابدع بأيصاله رسام هذه اللوحة في ترك المشاهد ليتأمل عقيلة الهاشميين وهي شامخة كالجبال امام اعظم فاجعة عرفتها الانسانية جمعاء .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة