سادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

أفضلية الإمام عليّ عليه السّلام على الصحابة – الثاني

الأمر الثاني الآيات النازلة في حق الإمام علي(عليه السلام) ولم ينزل مثلها في حق غيره

نختار في هذه الفقرة بعض الآيات النازلة في حق علي(عليه السلام)والتي تبين أفضليته على الصحابة ، لا كل الآيات التي تبيّن فضله والتي نزلت في حقه مطلقاً ، لأن هذه تحتاج الى بحث مستقل. فمن الآيات التي يمتاز بها علي(عليه السلام) ولا تنسحب على غيره وبها تثبت أفضليته على الصحابة، وتوضح من ثمّ مدى علاقة علي(عليه السلام)بالقرآن:

١ ـ ما عن ابن عباس أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: ما أنزل الله آية فيها ( يا أيها الذين آمنوا)إلاّ وعلي رأسها وأميرها [١] .

٢ ـ وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: لما نزل (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) [٢]، قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما [٣] .

وبهذه الآية تصبح المودّة لعليّ واجبة على غيره من الصحابة.

٣ ـ قوله تعالى: (واجعل لي وزيراً من أهلي) [٤] فعن ابن عباس(رضي الله عنه)أ نّه قال: أخذ النبي(صلى الله عليه وآله)بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام)ـ ونحن بمكة ـ وبيدي، وصلّى أربع ركعات ، ثم رفع يده الى السماء فقال: اللهم إن موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيّك أسألك أن تشرح لي صدري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي علي بن أبي طالب أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري قال ابن عباس: سمعت منادياً ينادي يا أحمد قد اُتيت ما سألت [٥] .

٤ ـ قال تعالى: (إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [٦] .

اعتمد القرآن الكريم في خصوص هذه الآية على تبيان أفضلية الإمام على غيره من الصحابة عن طريق ابراز الجانب السلوكي المصحوب بالتصريح بأن عليّاً هو الولي للمؤمنين.

وقد أجمعوا على نزول هذه الآية في علي بن أبي طالب لمّا تصدّق بخاتمه على المسكين في الصلاة بمحضر من الصحابة.

قال الزمخشري عن قوله (وهم راكعون) : وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة. بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنها نزلت في علي كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً [٧] في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته.

فإن قلت: كيف صح لعليّ(عليه السلام) واللفظ جماعة؟

قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة; لم يؤخروه الى الفراغ منها [٨].

٥ ـ قال تعالى: (يا أيها الرسول بلّغ ما اُنزل إليكَ من ربّك…) [٩] .

صرّح أئمة التفسير والحديث أنها نزلت في بيان فضل علي(عليه السلام)يوم الغدير حيث أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيد علي(عليه السلام)وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وادر الحق معه كيف مادار [١٠] .

وبهذا التنصيب الإلهي لعلي ـ حسب هذا النص القرآني ـ يثبت أنه(عليه السلام) هو الأفضل بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) من غيره.

٦ ـ وقال تعالى: ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [١١] .

إن الآية تنص على حصر إرادة الله تعالى هنا في إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيراً كاملاً شاملاً، وهذا الحصر إنّما هو بالنسبة الى ما يتعلق بأهل البيت، وإلا فإن لله تعالى إرادات تشريعية وتكوينية، غيرها بالضرورة، فالمعنى أن إرادة إذهاب الرجس والتطهير مختصة بهم دون غيرهم، فتصير في قوة أن يقال: يا أهل البيت، أنتم الذين يريد الله أن يذهب عنكم الرجس ويطهركم من الأدناس. فالإرادة هذه تكوينية لا محالة، فإن الإرادة التشريعية للتطهير لا تختص بقوم دون قوم وبيت دون بيت. والإرادة التكوينية منه تعالى لا تنفك عن المراد. فتطهير أهل البيت من الرجس أمر واقع بإرادة الله تعالى، فهم المعصومون من الذنوب والآثام والاخطاء.

هذا هو الظاهر من نفس الجملة بصرف النظر عما قبلها.

وروايات نزولها في أهل البيت ـ أهل بيت الوحي المطهّرين، النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ دون غيرهم كثيرة جداً تربو على سبعين حديثاً من طرق الفريقين، وإذا لم يكن مثل هذه الروايات معتمداً عليها فبأي حديث بعده يؤمنون؟!

وهذه الروايات التي روتها الشيعة بطرقهم عن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعلي بن موسى الرضا(عليهم السلام) عن اُم سلمة وأبي ذر وأبي ليلى وأبي الأسود الدؤلي وعمر بن ميمون الأودي وسعد بن أبي وقاص، وروتها السنة بأسانيدهم عن اُم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأصقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي(صلى الله عليه وآله) وعبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي(عليهم السلام)، كلها تدل على أن الآية نزلت في الخمسة الطيبة: رسول الله وابن عمه علي وبنته فاطمة وسبطيه الحسنين(عليهم السلام)، وهم المرادون بأهل البيت دون غيرهم [١٢] .

روى عبدالله بن أحمد بن حنبل في مسنده عن أبيه عن شداد أبي عمار، قال: دخلت على وائلة بن الأصقع وعنده قوم فذكروا علياً، فلما قاموا قال: ألا اُخبرك بما رأيت من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ؟ قلت: بلي ، قال: أتيت فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أسألها عن علي، قالت: توجّه، الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فجلست انتظره حتى جاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومعه علي وحسن وحسين ـ رضي الله تعالى عنهم ـ آخذاً كل ] واحد [منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه ـ أو قال: كساءاً ـ ثم تلا هذه الآية: ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا) وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق [١٣] .

وبهذا يحوز الإمام على ملكة العصمة والتي تكفي برهاناً على أنه الأفضل على من وجه الأرض دون رسول الله(صلى الله عليه وآله).

٧ ـ قوله تعالى: ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [١٤] .

يتضمن الأمر بدعوة الأبناء والنساء والأنفس ـ بصيغ الجمع في الجميع ـ وامتثال هذا الأمر يقتضي إحضار ثلاثة أفراد من كل عنوان لا أقل منها، تحقيقاً لمعنى الجمع ، لكن الذي أتى به النبي(صلى الله عليه وآله)في مقام امتثال هذا الأمر على ما يشهد به صحيح الحديث والتاريخ لم يكن كذلك، وليس لفعله(صلى الله عليه وآله)وجه إلا انحصار المصداق في ما أتى به. فالآية بالنظر الى كيفية امتثالها بما فعل النبي(صلى الله عليه وآله)تدل على أن هؤلاء هم الذين كانوا صالحين للاشتراك معه في المباهلة وأنهم أحب الخلق إليه، وأعزهم عليه، وأخص خاصته لديه، وكفى بذلك فخراً وفضلاً.

ويؤكد دلالتها على ذلك أنه(صلى الله عليه وآله) كان له عدّة نساء ولم يأت بواحدة منهن سوى بنت له، فهل يحمل ذلك إلا على شدّة اختصاصها به وحبه لها لأجل قربها الى الله وكرامتها عليه؟

كما أن انطباق عنوان النفس على علي(عليه السلام) لا غير يدل على أعظم فضيلة وأكرم مزية له(عليه السلام)حيث نزل منزلة نفس النبي(صلى الله عليه وآله) [١٥] .

ويؤيده ما رواه الفريقان عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث قال لعلي(عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي [١٦] وقوله أنت مني وأنا منك [١٧].

وقد احتجّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) بهذه الفضيلة يوم الشورى واعترف بها القوم ولم ينكروا عليه. وقد بلغ الأمر من الوضوح مبلغاً لم يبق فيه مجال للإنكار من مثل ابن تيمية ، فقد اعترف بصحة الحديث القائل: بأن نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الآية هو علي(عليه السلام)، إلا أنه جعل ملاك التنزيل هو القرابة ، ولما التفت الى انتقاضه بعمّه العباس حيث إن العم أقرب من ابن العم قال: إن العباس لم يكن من السابقين، ولا كان له اختصاص بالرسول(صلى الله عليه وآله)كعلي. فاضطر الى الإعتراف بأن مناط تنزيل علي(عليه السلام) منزلة نفس النبي [١٨] ليس هو القرابة فقط، بل سبقه الى الإسلام واختصاصه بالنبي(صلى الله عليه وآله) ، وهل يكون اختصاصه به(صلى الله عليه وآله) إلا لأجل أفضليته من غيره وأقربيته الى الله سبحانه؟! [١٩]

ثم إن في قوله تعالى: ( ندع أبناءنا…) إشارة الى أن لغيره (صلى الله عليه وآله) شأناً في الدعوة الى المباهلة، حيث أضاف الأبناء والنساء الى ضمير المتكلم مع الغير، مع أن المحاجّة كانت معه(صلى الله عليه وآله) خاصة، كما يدل عليه قوله تعالي: ( فمن حاجّك..).

وهذا هو الذي يستفاد من قوله تعالى: ( ويتلوه شاهد منه) [٢٠] وقوله تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) [٢١] كما يؤيده ما ورد فيها من الروايات، وهو مقتضى إطلاق التنزيل في قوله(صلى الله عليه وآله)لعلي(عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

ويؤيد ذلك قوله تعالى: (فنجعل لعنة الله على الكاذبين)، فإن المراد بالكاذبين هنا ليس كل من هو كاذب في كل إخبار ودعوى ، بل المراد هم الكاذبون المغرضون في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة، فلا محالة يكون المدعي في كلا الجانبين أكثر من واحد، وإلا لكان حق الكلام أن يقال مثلاً: فنجعل لعنة الله على من هو كاذب حتى يصح انطباقه على الفرد أيضاً. فالمشتركون مع النبي(صلى الله عليه وآله) في المباهلة شركاء له في الدعوى.

وحيث إن المحاجّة إنّما وقعت بين النبي(صلى الله عليه وآله) وبين النصارى لا لمجرد الدعوى، بل لأجل دعوتهم الى الاسلام ، وأن الحضور للمباهلة كان تبعاً لتلك الدعوى والدعوة، فحضور من حضر أمارة على كون الحاضرين مشاركين له في الدعوى والدعوة معاً.

والروايات التي صدرت من الصحابة في آية المباهلة كثيرة جداً ، كرواية جابر بن عبدالله والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس، وأبي رافع مولى النبي(صلى الله عليه وآله)وغيرهم، ورواية جمع من التابعين عنهم كالسدي والشعبي والكلبي وأبي صالح، واطباق المحدثين والمؤرخين والمفسرين على ايداعها في موسوعاتهم، كمسلم والترمذي والطبري وأبي الفداء والسيوطي والزمخشري والرازي باتفاق الروايات وصحتها [٢٢] .

قال جابر: فيهم نزلت ( ندع أبناءنا وأبناءكم) قال جابر: (أنفسنا) رسول الله(صلى الله عليه وآله)وعلي(عليه السلام)و (أبناءنا) الحسن والحسين(عليهما السلام) و (نساءنا) فاطمة(عليها السلام) [٢٣] .

٨ ـ قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات اُولئك هم خير البريّة) [٢٤] . عن جابر بن عبدالله قال:

كنا عند النبي(صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): قد أتاكم أخي، ثم التفت الى الكعبة فضربها بيده ثم قال: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية قال: ونزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية) قال: فكان أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية [٢٥] .

الأمر الثالث (تصاريح عامة من السنّة النبوية تؤكد فضل علي(عليه السلام) على الصحابة)

ليس غرضنا استعراض كامل الروايات الصادرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حق علي ، أو التي يُكتشف منها عمق العلاقة بينهما وخصوصيتها، أو أن علياً ذلك النموذج الإلهي المختار لحمل الأمانة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بل غرضنا انتخاب بعض النماذج الروائية التي أظهر أو أفرز فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)أفضلية علي(عليه السلام)على الصحابة لا لشيء وإنما سعياً منه(صلى الله عليه وآله)لتبليغ الاُ مّة بما يريده الله سبحانه، فمن تلك الروايات:

١ ـ عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، أن النبي(صلى الله عليه وآله) جمع قريشاً ثم قال:

لا يؤدّي أحد عنّي ديني إلاّ عليّ [٢٦] .

٢ ـ عن عبدالله قال:

وطرق الإمام علي(عليه السلام) الباب على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في بيت اُم سلمة، حيث أمرها(صلى الله عليه وآله) في فتح الباب له معلقاً بأنّ الطارق رجل يحب الله ورسوله ولما دخل، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا اُم سلمة أتعرفونه؟ قالت: نعم يا رسول الله، هذاعلي بن أبي طالب، قال: صدقت، سيد اُحبّه، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة بيتي اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي، فاسمعي واشهدي، وهو قاضي عداتي، فاسمعي واشهدي، وهو والله يحيي سنّتي، فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عَبَدَ الله ألف عام، بعد ألف عام، وألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم [٢٧] .

٣ ـ ما روي عن علي(عليه السلام) أنه قال:

جاء النبي اُناس من قريش، فقالوا: يا محمد! إنا جيرانك وحلفاؤك وإن من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك ، فتغير وجه النبي(صلى الله عليه وآله) ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك، فتغير وجه النبي(صلى الله عليه وآله)، ثم قال: يا معشر قريش! والله ليبعثن الله عليكم رجلاً منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم. قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا. قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليّاً نعلاً يخصفها [٢٨] .

٤ ـ روى الزمخشري بإسناده فقال:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فاطمة مهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمّة من ولدها اُمناء ربي وحبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوى [٢٩].

وبهذا يصبحون(عليهم السلام)أفضل من يعتصم بهم، لأنهم يقودونه نحو الهداية، وبطريق أولى يكونون(عليهم السلام) أفضل من الذي يخالفهم من الصحابة ، لأن الله ورسوله مع الذي يعتصم بهم لا مع الذي يتخلف عنهم، ومن المعلوم أن كثيراً من الصحابة لم يتخلف عنهم فحسب وإنّما قد شن الحرب عليهم، وعلي(عليه السلام) قد وضح موقفه من بعض الصحابة كما في الخطبة المعروفة بالشقشقية ، وموقف الزهراء واضح أيضاً من خلال خطبتها في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد وفاة أبيها حيث عكست صورة عن مدى مخالفة بعض الصحابة لخطّ علي(عليه السلام) .

٥ ـ روي عن أبي سعيد الخدري أنه يقول:

كنا جلوساً ننتظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا ، معه فقال: إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال(صلى الله عليه وآله): لا ولكنه خاصف النعل، قال: فجئنا نبشّره (قال في أحدهما) وكأنه قد سمعه. وقال في الآخر: فلم يرفع به رأساً كأنه قد سمعه [٣٠] .

وبهذا النمط من الروايات يكتسب علي(عليه السلام) الأفضلية على الصحابة ، لأنه المتصدي لإثبات الحق في مرحلة ما بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) ،وعلى الصحابة أن يلتحقوا به.

٦ ـ جاء عن النبي من عدة طرق:

أن عليّاً مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو علي [٣١] .

٧ ـ يكشف موقف رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الخليفتين في مسألة تزويج فاطمة

عن مدى عناية الرسول(صلى الله عليه وآله) الخاصة بعلي(عليه السلام)دونهما.

عن عبدالله بن يزيد عن أبيه ، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّها صغيرة، فخطبها علي(عليه السلام)فزوّجها منه [٣٢] .

٨ ـ قضية سد الأبواب باستثناء باب الإمام علي(عليه السلام):

في مسند أحمد عن عدّة طرق: أن النبي(صلى الله عليه وآله) أمر بسد الأبواب إلاّ باب علي، فتكلّم الناس، فخطب رسول الله(صلى الله عليه وآله)فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني اُمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته وإنّما اُمرت بشيء فاتبعته [٣٣] .

٩ ـ مؤاخاة النبي لعلي(عليه السلام) :

نجد أن النبي(صلى الله عليه وآله) آخى بين الناس، وترك عليّاً حتى بقي آخرهم، لا يرى له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك وتركتني؟ فقال: إنما تركتك لنفسي، أنت أخي، وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل: أنا عبدالله وأخو رسوله، لا يدعيهما بعدك إلاّ كذاب والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلاّ لنفسي[٣٤] .

١٠ ـ ويلخص بعض ما تفرّد به علي(عليه السلام) من الفضائل ما جاء عن سعد ابن أبي وقّاص حيث قال:

والله لئن يكون لي واحدة من خلال ثلاث أحب اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لأن يكون قال لي ما قال له حين ردّه من تبوك: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، أحب اليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قال له يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرّار أحب اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ماله أحب اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس [٣٥] .

———————————————————————————————————-
[١] . النور المشتعل من كتاب ما نزل في القرآن في علي للحافظ أحمد بن عبدالله الأصبهاني: ٢٦.
[٢] . الشورى: ٢٣.
[٣] . خصائص الوحي المبين لابن بطريق: ٨١.
[٤] . طه: ٢٩ .
[٥] . خصائص الوحي المبين لابن بطريق : ٢٤٥.
[٦] . المائدة: ٥٥.
[٧] . كأنه كان مرجاً، أي قلقاً غير ثابت.
[٨] . الكشاف للزمخشري: ١/٦٤٨ وتفسير ابن جرير الطبري: ٦/١٨٦ والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (انما وليكم الله ورسوله)في سورة المائدة قال: وأخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: تصدق علي(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) للسائل: من أعطاك الخاتم؟ قال ذاك الراكع، فأنزل الله (إنما وليكم الله ورسوله).
[٩] . المائدة: ٦٧.
[١٠] . أخرج ذلك متواتراً أئمة التفسير والحديث والتاريخ، وكذا تواتر نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، وخطبة النبي(صلى الله عليه وآله) في هذا اليوم، بمحضر من مائة ألف أو يزيدون ونقلوا احتجاج أهل البيت، وكثير من الصحابة، فنقتصر ـ طلباً للاختصار ـ على ذكر أقل القليل من تلك المصادر منها شواهد التنزيل: ١/١٨٧ والدر المنثور: ٢/٢٩٨ وفتح القدير: ٣/٥٧ وروح المعاني: ٦/١٦٨ والمنار: ٦/٤٦٣ وتفسير الطبري: ٦/١٩٨ والصواعق المحرقة: ٧٥.
[١١] . الأحزاب: ٣٣.
[١٢] . راجع الإمامة والولاية لجمع من العلماء: ١٥٠.
[١٣] . مسند أحمد : ٤/١٠٧ ، أجمع المفسرون على نزول آية التطهير في فضل (أصحاب الكساء) في بيت أم سلمة وروي متواتراً عن أئمة أهل البيت ، وكثير من الصحابة، وهذا انموذج من مصادره : الحافظ الكبير، الحنفي المعروف بالحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ٢/١٠ ـ ١٩٢ بعدّة أسانيد، والحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور : ٥/١٩٨ بطرق، وكذا الطحاوي في مشكل الآثار: ١/٢٣٨ ـ ٣٣٢ والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ٩/١٢١ و ١٤٦ و ١٦٩ و ١٧٢ وأحمد بن حنبل في مسنده : ١/٢٣٠ و ٤/١٠٧ وابن حجر في الصواعق : ٨٥ والطبري في تفسيره : ٢٢/٥ و ٦ و ٧ وابن الأثير في اُسد الغابة : ٤/٢٩ والنسائي في خصائصه : ٤.
[١٤] . آل عمران: ٦١.
[١٥] . التفسير الكبير، للفخر الرازي: ٨/٨١، تفسير الآية ٦١ من سورة آل عمران، المسألة الخامسة.
[١٦] . قد أنهى البحراني الروايات الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والمشتملة على هذه العبارة من طرق السنّة الـى مائة حديث ومن طرق الشيعة الى سبعين حديثاً، فراجع غاية المرام: ١٠٩ ـ ١٥٢.
[١٧] . خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٨٨ .
[١٨] . سنن الترمذي : ٥/٥٩٦، حديث ٣٧٢٤ .
[١٩] . منهاج السنّة ابن تيمية: ٤/٣٣، البرهان التاسع.
[٢٠] . هود: ١٧.
[٢١] . يوسف: ١٠٨.
[٢٢] . الإمامة والولاية لجمع من العلماء: ١٣٨.
[٢٣] . غاية المرام: ٣٠١ الحديث ٧.
[٢٤] . البيّنة: ٧.
[٢٥] . تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ٤٢/٣٧١. ترجمة علي بن أبي طالب(عليه السلام) . روى الأعلام عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأن (خير البرية) علي وشيعته، منهم السيوطي في الدر المنثور: ٦/٣٧٩، وابن حجر في الصواعق: ٩٦، ١٥٩، والشوكاني في فتح القدير: ٥/٤٦٤ والآلوسي في تفسيره: ٣٠/٢٠٧، والطبري في تفسيره: ٣/١٧١ والشبلنجي في نور الأبصار: ١٠٥، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ٢/٣٥٦.
[٢٦] . تاريخ دمشق لابن عساكر: ٤٢/٤٧.
[٢٧] . تاريخ دمشق لابن عساكر: ٤٢/٤٧٠.
[٢٨] . تذكرة الخواص: ٤٠، المستدرك: ٢/١٣٧، كنز العمال: ١٣/١٢٧، ح٣٦٤٠٣، شرح معاني الآثار: ٢/٤٠٨ مناقب ابن شهر آشوب: ٢/٤٤.
[٢٩] . رواه الزمخشري في كتابه المناقب: ٢١٣ مخطوط ، والشيخ جمال الدين الحنفي الموصلي في درر بحر المناقب: ١١٦ مخطوط ، والحافظ محمد بن أبي الفوارس في الأربعين: ١٤ مخطوط ، وإحقاق الحق: ٤/٢٢٨ و ٩/١٩٨ ، ورواه الشيخ سلميان في ينابيع المودّة: ٨٢ ، والموثق الخوارزمي في مقتل الحسين: ٥٩.
[٣٠] . مسند أحمد بن حنبل: ٣/٨٣ ، وبنفس المعنى في حلية الأولياء لأبي نعيم: ١/٦٧ ، واُسد الغابة لابن الأثير: ٣/٢٨٣.
[٣١] . مسند أحمد: ٤/١٦٤ و ١٦٥ بخمسة طرق ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: ١٩ و٢٠ بطريقين ، وصحيح البخاري: ٣/٢٢٩ ، والصواعق المحرقة: ٧٤، كنز العمّال، المتقي الهندي: ١١/٦٠٧، ح ٣٢٩٣٨، سنن الترمذي: ٥/٥٩١، ح٣٧١٢ .
[٣٢] . السنن الكبرى، النسائي: ٣/٢٦٥، ح ٥٣٢٩، وصحيح ابن حبان: ١٥/٣٩٩، موارد الضمان، الهيثمي: ٥٤٩، والمناقب لأبن شهر آشوب: ٣/٣٤٥ وتذكرة الخواص: ٣٠٦.
[٣٣] . القول المسدد في مسند أحمد: ١٧، شرح نهج البلاغة: ٩/١٧٣، كنز العمال: ١١/٥٩٨، ح ٣٢٨٧٧، و ٦١٨، ح ٣٣٠٠٤، فيض القدير: ١/١٢٠، مسند أحمد: ١/١٧٥ و ٤/٣٦٩، ومستدرك الحاكم: ٣/٤، ١١٦ و ١٢٥، وخصائص النسائي: ١٣، وصحيح الترمذي: ٢/٣٠١، والدر المنثور: ٦/١٢٢، والصواعق المحرقة: ٧٦ .
[٣٤] . اُسد الغابة، ابن الأثير: ٤/٢٩، ترجمة علي بن أبي طالب، تهذيب الكمال: ٥/ ١٢٦، والرياض النضرة: ٢/١٦٨، وكنز العمال: ١٣/١٤٠، ح ٣٦٤٤٠، والتاج الجامع للاُصول: ٣/٣٣٥، ومصابيح السنّة: ٢/١٩٩، وذخائر العقبى: ٩٢، واُسد الغابة: ٣/٣١٧، وخصائص النسائي: ١٨.
[٣٥] . مروج الذهب: ٢/٦١ ، وسنن الترمذي: ٢/٣٠٠ ، ومسند أحمد: ١/١٨٥ ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: ١١٦.

يتبع ……

المصدر: http://arabic.balaghah.net

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى